تل ابيب / PNN/ عاد اسم الجنرال الإسرائيلي إسحق بريك في الأيام الأخيرة إلى عناوين وسائل الإعلام العبرية في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وتولى بريك، ذو الخبرة العسكرية الطويلة في سلاح المدرعات بين عامي 2009 و2018، قيادة "مفوضية شكاوى الجنود"، والتي تتلقى الملاحظات العامة حول الجيش ووضعه ووضع الجنود وشكاواهم الشخصية والمتعلقة بخدمتهم العسكرية.
وأعد بريك في فترة توليه منصبه عدة تقارير حول وضع الجيش وجهوزيته للحرب تناولنا أبرزها في مقال سابق في مركز مدار،[1] وتضمن التقرير المكون من 270 صفحة، والذي قدمه "للجنة مراقبة الدولة" عام 2018 الكثير من الانتقادات الشديدة لتردي مستوى الجيش ووجود سلسلة من المشاكل خاصة في سلاح البر. وقال إنه زار 1400 وحدة عسكرية وتحدث مع عشرات الآلاف من القادة والجنود خلال عمله، فوجد مشاكل صعبة على المستويات اللوجستية والتكنولوجية والتنفيذية، وتمت معالجة هذه المشاكل، "ولكن المشكلة الرئيسة التي بقيت هي الثقافة التنظيمية، وهي مشكلة عميقة لم يتم حلها". ولسوء الوضع في الجيش الإسرائيلي، طالب بريك حينها بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في هذا الجانب، في ظل سياسة الصمت المتبعة من قبل الضباط في كافة الوحدات، وعدم تقديم حقيقة الواقع السيئ في الجيش كما هو للمستوى السياسي.
وقال بريك إن إسرائيل قد تتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف إذا اضطرت إلى خوض حرب متعددة الجبهات. وقال إن منظومة "القبة الحديدية" هي "ذر للرماد في العيون"، مع عدم تقليله من فاعليتها، موضحا أنها "ستكون دون جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد توجه إلى إسرائيل، الكثير منها صواريخ ذات دقة إصابة عالية، وذات مدى بمئات الكيلومترات، وقادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن مئات الكيلوغرامات".
تقاعد بريك في العام 2018، وبعد التصعيد في أيار 2021 عاد إلى توجيه الانتقادات إلى المستويات السياسية والعسكرية وخاصة الاعتماد على سلاح الجو فقط في الحرب، معتبرا أن الفصائل الفلسطينية في غزة حققت الانتصار في هذه المعركة. وقال إنه يجب ضرب المواقع التي يختبئ فيها قادة حماس تحت الأرض في عمق غزة، وتحت المستشفيات وفي الملاجئ والأنفاق، إذ تتخذ القرارات من قبل هؤلاء، وهناك يتم تصنيع الصواريخ، وهذه الأهداف لا يمكن لسلاح الجو استهدافها، لأن غارة جوية قوية إلى منطقة سكنية قد تؤدي إلى مقتل آلاف الفلسطينيين، وستجد إسرائيل نفسها في مواجهة انتقادات دولية شديدة. وأضاف بريك أن إسرائيل تخشى من أن تدخل مواجهة عسكرية برية قد يقتل فيها عدد كبير من الجنود، لذلك تعتمد على سلاح الجو، وعلق على ذلك قائلا: "إن من يخشى أن يقتل في الحرب لا يحقق الانتصارات"، في إشارة منه إلى ضرورة اللجوء للحرب البرية.
بريك 2023: التحذير من التسرّع في البدء بالعملية البريّة
مع اندلاع الحرب الحالية في قطاع غزة، ومع استعداد الجيش الإسرائيلي لعملية برية في القطاع، حذر بريك في لقاءات صحافية من التسرع في البدء بالعملية البرية، معتبرا أنها ستكون مصيدة موت للجنود، وقد تشكل هزيمة عسكرية مباشرة لإسرائيل تكبدها خسائر بشرية كبيرة.
وقال بريك في مقابلة مع إذاعة "ريشت بيت" العبرية إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي كانتا تدركان أن الجيش سيدخل بريا لذلك استعدتا بشكل جيد قبل عملية السابع من أكتوبر فأعدتا العبوات المتفجرة الجانبية، وعبوات تنفجر تحت المركبات، وحقول ألغام وكمائن وصواريخ مضادة للدروع على مفترقات الطرق في ذروة الدخول البري لغزة... وسيتكبد الجيش الكثير من الخسائر... والهدف من الدخول إلى قطاع غزة هو القضاء على مقاتلي حماس والجهاد في الأنفاق وهذه مهمة صعبة جدا ستستغرق عدة شهور... وستحدث اشتباكات خلال محاولة الجنود الدخول إلى مناطق للوصول إلى مداخل الأنفاق... في هذه الأثناء ستكون هناك قوات كبيرة من الجيش لمساندة هؤلاء في قطاع غزة وستتعرض لضربات لعدة شهور، وستكون هناك صعوبات كبيرة في عملية تزويد هؤلاء بالوقود والماء والطعام والمعدات وإخلاء المصابين كما ستحدث مشاكل تقنية... وستكون هناك مشاكل في تأمين القوات والدعم اللوجيستي... ومع هذا سيفشل الجيش في القضاء على 30 إلى 40 ألفا من المسلحين في الأنفاق... الجيش سيتعرض إلى خسائر كبيرة ولن ينجز المهمة... وسيكون هذا بمثابة انتصار لحركة حماس. كما أن الدخول البري قد يفجر حربا إقليمية سيكون ثمنها أضعاف الوضع الحالي.
الحل: حصار تجويعي وحرب استنزاف طويلة
الحل من وجهة نظر بريك هو فرض حصار يدوم شهورا على قطاع غزة من دون ماء وطعام ووقود، "مع الاستمرار في إضعاف الفصائل الفلسطينية بضربها بكل قوة، على أن يستغل الجيش هذه الفترة للتدرّب على خوض هذه الحرب لأنه حاليا ليس مؤهلا بشكل جيد للعملية البرية، لا على مستوى التدريبات ولا التعامل مع المعدات الجديدة، ولا تملك الكثير من وحداته دراية كافية بطبيعة المنطقة...".
وأكد بريك أن ما سبق هو السبب الرئيس في تردد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإعطاء الضوء الأخضر للبدء بالعملية البرية، وأنه شخصيا أوصى نتنياهو (خلال لقاء عُقد بين الاثنين أخيراً) بضرورة الانتظار ليس فقط بسبب المعركة في غزة، بل أيضا لأن "الجبهة الداخلية (الحيز المدني الإسرائيلي) ليست مستعدة وقد تتعرض إلى ضرر كبير، ولذلك وبدلاً من الدخول البري الآن ومقتل مئات الجنود، يجب خوض حرب استنزاف مع الفصائل وفي الوقت نفسه إعداد الجيش والجبهة الداخلية جيدا، وبعدها يتقرر كيف سيكون الدخول إلى غزة، والعملية قد تستغرق شهورا وسنوات، فالأمر لن ينتهي بضربة واحدة... وفي حالتنا فإن (العجلة من الشيطان)".
وأشار موقع "واللا" العبري إلى أن نتنياهو التقى بريك خلال الحرب الحالية مرتين، وهو ما أكده بريك في حديثه عن توصياته التي قدمها إلى نتنياهو. كما أشار "واللا" إلى أن بريك بات "نبي الغضب" في الجيش لأنه يرى أن الجيش غير مستعد للحرب في غزة ولا لحرب إقليمية متعددة الجبهات.
وعن المسؤولين عن الإخفاق في السابع من أكتوبر قال بريك في مقابلة مع "قناة 14" المقربة من نتنياهو: "عليهم جميعا أن يدفعوا الثمن، هناك من سيدفعه بعد الحرب وهناك من يجب أن يدفعه الآن، يجب أن يقدم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") وقائد المنطقة الجنوبية استقالتيهما فورا، لأنهما متورطان شخصيا في الإخفاق الذي حدث، فقد تجاهلا التحذيرات الخطيرة في "غلاف غزة" في الليلة التي سبقت الهجوم، وكانا نائمين، الجيش سلّم مع فكرة أنهم (في قطاع غزة) باتوا مردوعين. لقد أنفق الجيش المليارات للتعامل مع التقارير التي أعددتها، لكنهم لم يقرأوها، لا رئيس الأركان ولا العمداء في السنوات العشرين الأخيرة، لم يقرأوا التقارير التي تقول إن الجيش غير مستعد، وفعلوا ما باستطاعتهم لإسكاتي، وهم الآن باتوا في الكابينيت ويتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الذي وصل إليه الجيش".