لم يمضي على صدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي أكثر من 24 ساعة حتى أعلنت الولايات المتحدة، وكندا وبريطانيا والسويد وفنلندا واستراليا تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بادعاء ان هنالك اثني عشرة فلسطينيا قد شاركوا في عمليات السابع من أكتوبر، هذا الادعاء جاء من قبل إسرائيل والتي اعتادت دوما على مهاجمة والتحريض على وكالة الانروا وتقاريرها عن فلسطين بشكل عام وعن قطاع غزة بشكل خاص.
يمثل اللاجئين الفلسطينيين ما يقارب ثلثي عدد السكان الفلسطيني في قطاع غزة والبالغ مليونين ومئتي الف نسمة حسب آخر الاحصائيات، حيث لجأ قسم كبير من الشعب الفلسطيني على أثر نكبة العام 1948 وما مارستهالعصابات الصهيونية في حينه من عملية تطهير سكاني واضحة أجبرت الفلسطينيين للهروب الى مناطق اعتقدوا انها اكثر أمنا، فكان قطاع غزة ملاذا آمنا بشكل نسبي في حينه، الا ان هذا المكان الذي اعتبر آمنا في تلك الايامتحول وبعد اكثر من سبعة عقود على اللجوء الى اكثر المناطق ازدحاما على مستوى العالم، بمعدل يصل الى 6000 نسمة للكيلومتر المربع الواحد. وربما اقل مناطق العالم أمنا بحكم حالة العدوان الإسرائيلي المتكرر والذي كانت الحرب الأخيرة اكثرها دموية وفتكا ووضوحا من حيث التطهير العرقي والابادة الجماعية.
عملية التحريض الإسرائيلية اتجاه الانروا ليست بالأمرالجديد بل هي قديمة جديدة، لكنها ازدادت بشكل ملحوظ بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، فقد كانت السياسةالإسرائيلية تهدف الى تطبيق خطتها التي تقضي الى انهاء عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وبانه طالما تم تشكيل السلطة الفلسطينية فان ذلك يتطلب اغلاق الانروا وان على السلطة الفلسطينية ان تتحمل كل عبء القيام بالخدمات الصحية والتعلمية والمالية بديلا عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، متناسية ان الهدف الأساسي للانروا التي تم تأسيسها في اعقاب حرب العام 1948 وبموجب القرار الاممي رقم 302 والذي صدر عام 1949، هو خدمة اللاجئين الفلسطينيين طالما ما زالوا لاجئين سواء في الوطن والشتات، وهذا ما يشكل ازعاجا لدولة الاحتلال لكونه يبقى قضية اللاجئين حية كقضية سياسية وإنسانية ومازالت تتطلب حلا سياسيا.
هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها بعض الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية على تعليق تمويلها لوكالة غوث اللاجئين، بل انه ازداد بوتيرة متسارعة جدا خلال العقدين الأخيرين من قبل الولايات المتحدة والتي تعتبر من اكبر الممولين لوكالة الغوث مما عكس نفسه بشكل ملموس على مستوى الخدمات التعليمية والصحية المقدمة للاجئين الفلسطينيين، مارست تلك الدول الضغط على الانروا للقبول بشروطها والتي هي في جزء كبير منها اشتراطات إسرائيلية، كمثل عدم رفع العلم الفلسطيني على مدارس ومؤسسات الانروا، وحذف بعض الصفحات من كتب التاريخ والتربية الوطنية الفلسطينية والتي لا تروق لدولة الاحتلال، بل انه وفي عديد المرات تم إيقاف بعض الموظفين الفلسطينيين عن العمل بدعوة انهم يكتبون على صفحات التواصل الاجتماعي ما اعتبرته إسرائيل تحريضا على العنف.
من القرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية توفير الدعم والخدمات الصحية والتعليمة والغذاء الى سكان قطاع غزة الذين يحتاجون بشكل ملح وعاجل لها من اجل البقاء والاستمرار، والسؤال من هي المؤسسات التي تستطيع إدارة وتوفير مثل هذه العملية الكبيرة؟ وكيف سيتم ذلك في ظل استمرار العدوان، هل ستطالب المؤسسات الدولية بوقف إطلاق النار حتى تتمكن من اداء خدماتها؟انها وبكل بساطة الانروا فهي المؤسسة الدولية الأكبر في قطاع غزة حيث يعمل لديها اكثر من 10 آلاف موظف، ولها مقرات ومكاتب ومراكز ومخازن في كل انحاء قطاع غزة، وهي التي اكتسبت خبرة غير مسبوقة في الية التعامل مع الفلسطينيين في قطاع غزة بعد الحروب المتكررة في السنوات الأخيرة على القطاع ولا تمتلكها باقي المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة، " لهذا كان رد الأمين العام للأمم المتحدة غوتريش بان قال "مليوني مدني في غزة يعتمدون على مساعدة الأونروا الحيوية لاستمراريتهم لكن التمويل الحالي للأنروا لن يسمح بتلبية كل الحاجات في شباط/فبراير".
الولايات المتحدة الامريكية وبعضا من حلفائها الغربين والذين تتماهى مواقفهم مع الموقف الإسرائيلي الى حد كبير لم يكونوا فرحين بقرارات محكمة لاهاي، بل انهم يريدون استمرار الضغط على المقاومة من بوابة اضعاف الحاضنة الشعبية التي تدفع ثمنا غير مسبوقا في التاريخ الحديث وانهيار المنظومة الصحية وشح الامدادات الإنسانية والحيوية الى قطاع غزة، وبالتالي فان الاضرار بدور الانروا الراهن في قطاع غزة من شأنه ان يؤثر بكل مباشر على اليات تنفيذ بعضا من قرارات محكمة لاهاي التي اتخذت قبل يوم واحد من قيام بعض الدول بتعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وربما هذا هو ما دفع يان ايجلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين لان يقول " من دون عمليات الانروا في غزة فان غزة ستنهار" وبالتالي تصبح أداة سهلة للافتراس الإسرائيلي.