لم تكن المقارنة الإسرائيلية ما بين 7 أكتوبر و11 سبتمبر بالأمر الساذج، بل هي قضية عميقة المعنى والمضمون، اسرائيل تريد او بالأحرى تحاول الابتعاد وتجنب اعتبارهادولة محتلة تقوم باحتلال شعب آخر وادعاء انها دولة طبيعية تمارس الدفاع عن النفس، وان تطرح نفسها كما الولايات المتحدة وتحالفها الدولي ضد تنظيم القاعدة الذي تشكل ابان 11 سبتمبر 2011. حاولت إسرائيل تصوير وتسويق المقاومة الفلسطينية وكأنها داعش، وهي بذلك خطر على العالم المتحضر كما ادعى نتنياهو، وأنها أي إسرائيل تحمي أوروبا وامريكا من التبعات المستقبلية لما حدث في 7 أكتوبر، لهذا وجدنا قادة الاحتلال قد استنفروا كل طاقاتهم محاولين تحشيد أكبر دعم دولي ممكن فيمواجهة المقاومة الفلسطينية، وكأن إسرائيل تقول مثلما شكلتم تحالفا دوليا ضد القاعدة وداعش فان المطلوب منكم ان تقوموا بذلك ضد المقاومة الفلسطينية.
في الحادي عشر من سبتمبر 2011 هاجمت 4 طائرات مدنية انطلقت من مطارات داخل الولايات المتحدة الامريكية،كان على متنها 19 شخصا محسوبين على حركة القاعدةبقيادة أسامة بن لادن والذي كان قد اتخذ من أفغانستان ملاذا، سيطروا على هذه الطائرات وقادوها بأنفسهم وارتطمت الطائرات ببرجي التجارة العالمي في نيويورك ومبنى الكابيتول، مما أدى لانهيار المبنيين ومقتل ما يقارب 3000 آلاف شخص. في حينه اعتبرت الكثير من وسائل الاعلام الامريكية بان هذه الهجمات هي الأشد ايلاما وفتكا من قبل قوى خارجية منذ الهجوم الياباني على بيرل هاربر عام 1941، لقي هذا الهجوم ادانة دولية واسعة ليس فقط من حلفاء الولايات المتحدة بل أيضا من قبل الكثير من أعداء الولايات المتحدة ومنتقدي سياساتها..
اما هجوم 7 أكتوبر 2023 والذي تم من قبل المقاومة الفلسطينية على المعسكرات التي تدير وتضبط عملية المراقبة والسيطرة والتحكم بقطاع غزة، وايضا المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، هذه المناطق التي تمثل موطنا أصليا للكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة والذين تم أجبارهم على الرحيل من قبل إسرائيل عام 1948، وبالتالي فان ذلك يؤشر الى ان هجوم 7 أكتوبر هو امتداد لحالة الصراع مع المحتل الإسرائيلي حتى لما قبل العالم 1948. عندما انسحبت إسرائيل عام 2005 كانت قد أبقت على سيطرتها على كل حدود قطاع غزة البرية والبحرية وكذلك المراقبة الجوية المباشرة مستخدمة كل أنواع التكنولوجيا الحديثة، وعملت على التحكم بكل ما يدخل او يخرج من قطاع غزة سواء كان ذلك بشرا او سلعا، اما بعد ان سيطرت حركة حماس على قطاع غزة عام 2006، فقد اضحى الجانب العقابي من قبل إسرائيل على قطاع غزة اكثر وضوحا، وكأنها تعاقب كل الفلسطينيين في قطاع غزة محاولة اثارتهم ضد حكم حركة حماس ، لم تكتفي إسرائيل بإجراءاتها التحكمية في قطاع غزة بل انها خاضت خمس حروب على غزة منذ ذلك التاريخ وحولت قطاع غزة الى مكان ليس من السهل العيش فيه.
محاولة المقارنة من قبل قادة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو ما بين 7 أكتوبر و11 سبتمبر، امتدت الى مفكرين واعلاميين إسرائيليين بحيث أصبحت كلاشيه بدأ يتم ترديده في كل مؤتمر صحفي خاصة في الأيام الأولى من العدوان على غزة، كان الهدف الإسرائيلي من المقارنة واضح، ألا وهو الحصول على أكبر مساحة من الدعم العسكري والسياسي خاصة من قبل الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين بل واوسع من ذلك، وفعلا خلال الأسبوع الأول من العدوان زار إسرائيل الرئيس الفرنسي مكارون واظهر دعما غير مسبوقا وتساوق مع فكرة التحالف الدولي ضد المقاومة، والمستشار الألماني شولتز إضافة الى رئيس وزراء بريطانيا سوليناك الذي وصل على متن طائرة عسكرية كبيرة محملة بالعتاد، وهو بذلك يرسل رسالة واضحة اننا معكم في حربكم ضد قطاع غزة، إضافة الى وزير خارجية أمريكا الذي قال انا هنا في إسرائيل كيهودي.
لم تمض سوى اثني عشرة يوما من بدء العدوان على قطاع غزة حتى وصل الرئيس الأمريكي بايدن مع وفد كبير من الوزراء والمستشارين، وبذلك فقد قفز بايدن عن حالة المقاطعة والخصام مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، حيث تجنب بايدن لقائه منذ انتخابه رئيسا للوزراء، وبهذا فان بايدن أراد ان يرسل رسالة واضحة باننا مع إسرائيل كحليف استراتيجي أساسي بغض النظر عمن يقف على سدة الحكم حاليا. كان موقف الرئيس الأمريكي واضحا في الدعم والمساندة وفي إطلاق يد إسرائيل " ان ما تعيشه إسرائيل في الوقت الراهن اشبه بتجربة 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وأضاف بايدن بان اعتداء حماس على إسرائيل يشبه الوحشية في أوكرانيا"، هذا ما كانت تنتظره إسرائيل وهو إطلاق يديها ودعمها عسكريا وتوفير الغطاء السياسي لها اثناء عدوانها على قطاع غزة.
لم يكتف القادة الإسرائيليين في محاولات حشدهم لقوى دولية مساندة لهم في عدوانهم على قطاع غزة والتركيز على التشابه السياسي والمعنوي ما بين 7 أكتوبر و11 سبتمبر، انما بدئوا باستخدام سياسة مشابه لما اتخذتها أمريكا وحلفائها اتجاه القاعدة وأفغانستان، فقرار وزير دفاع إسرائيل بقطع كل أنواع التوريدات من وقود وماء وغذاء عن قطاع غزة" مشابه تماما لموقف واشنطن التي طلبت بقطع امدادات الوقود وإلغاء الحمولات البرية التي تؤمن كثيرا من الغذاء الى الافغانيين ابان الحرب على افغانستان" وكأن جالانت يقول انتم فعلتم ذلك قبلنا، وان من حقنا ان نمارسه ضد قطاع غزة.
كذلك فان التصريحات المستمرة من قبل قيادات إسرائيلية مركزية بان الضغط على الفلسطينيين في غزة سيتواصلحتى يدركوا الثمن الذي يدفعونه مقابل استمرارهم بقبول سيطرة حركة حماس. هذا الفهم وهذه السياسة مشابهة تماما مع السياسة التي انتهجتها أمريكا وحلفائها في أفغانستان، فالتاريخ يذكر قول رئيس هيئة الدفاع البريطانية مايكل بويس وبعد قصف أفغانستان لعدة أيام حيث أعلن "ان الضغط سيستمر حتى يدرك الناس في هذا البلد ان هذا سوف يستمر الى ان يغيروا قيادتهم".
صحيح ان إسرائيل لم تتمكن من تشكيل تحالف دولي مساند لها في حربها ضد الفلسطينيين، فقد تراجعت فرنسا بعد أسبوعين عن بعضا من مواقفها، وأصبح خطاب ممثل السياسة الخارجية بوريل اقل دعما لإسرائيل بل مطالبا بوقف إطلاق النار، واما المانيا فعلى الرغم من محاولاتها منع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين الا ان المظاهرات استمرت وأثرت الى حد ما في الموقف الألماني، كذلك هو الحال في بريطانيا.
اما إسرائيل فبقيت محتمية ومستظلة بما وفرته لها بعضا من الدول الأوروبية من دعم وغطاء سياسي خلال الأسابيع الثلاث الأولى من العدوان على قطاع غزة، يضاف الى ذلك حالة الدعم غير المسبوق سياسيا وعسكريا من قبل الولايات المتحدة. كل ذلك يفسر تصريح نتنياهو الذي نقلته CNNبتاريخ 30 أكتوبر" أريد أن أوضح موقف إسرائيل فيما يتعلق بوقف إطلاق النار. تماما كما لم توافق الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار بعد صف بيرل هاربر، او بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، ان إسرائيل لن توافق على وقف إطلاق النار مع حماس بعد هجمات 7 أكتوبر".