بقلم: سمير عباهرة
انتفضت الولايات المتحدة في السابع من اكتوبر الماضي عندما تعرضت اسرائيل لهجوم هو الاقوى من نوعه بعد الهجوم الذي تعرضت في السادس من اكتوبر 1973 حيث اعلنت الولايات المتحدة حالة الطوارئ واستنفرت قواها العسكرية وحركت اساطيلها من اجل حماية اسرائيل وأمنها القومي باعتبار ان امن اسرائيل من الخطوط الحمراء في استراتيجية الولايات المتحدة التي لا يمكن القفز عنها.
منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وما تبعه من احداث سياسية اخرى تمثلت في تفاهمات اوسلو التي وقعها الجانب الفلسطيني مع اسرائيل والتي تفضي الى اقامة دولة فلسطينية بعد مرور خمسة سنوات على هذه التفاهمات التي التزمت بها ووقعت عليها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا وهيئة الامم المتحدة والذي مثل اعترافاً ضمنياً من هذه الجهات بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم بحدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لكن اسرائيل تنصلت من هذا الاتفاق وأدارت ظهرها للمجتمع الدولي الضامن لهذا الاتفاق دون ممارسة أي نوع من الضغوط لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من خلال التزامها بالضمانات الدولية.
الولايات المتحدة ومنذ بداء الحرب الاسرائيلية على غزه ادركت تماما ان الاسباب الكامنة وراء هذه الحروب هي بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم وهذه المعادلة تدركها الولايات المتحدة من قبل ومن بعد بدء عملية السلام وتدرك ان حاجة اسرائيل للسلام ربما اكثر من حاجة الفلسطينيين اليه وان الفلسطينيين وحدهم من يوفر الامن والاستقرار لإسرائيل في حال الحصول على حقوقهم حيث أدركت الولايات المتحدة أن القوة العسكرية الإسرائيلية لم تضمن الاستقرار كما كان متوقعاً بعد 1967 ثم إن انتصارات إسرائيل العسكرية لن تحقق لها السلام مع جاراتها ويجب التوفيق بين الحقوق المشروعة للفلسطينيين ومتطلبات إسرائيل الأمنية وأن القوة العسكرية وحدها لن تقود إلى تسوية سياسية.
البيت الابيض ومنذ الحرب على غزه بدا بالعمل على بلورة مقترحات مقبولة من قبل كافة الاطراف وتهدف الى اندماج اسرائيل في حلف مع الدول العربية السنية وتحديدا مع المملكة العربية السعودية وذلك من خلال عقد دفاعي امريكي – سعودي يكون مقدمة لبدء عملية التطبيع الاسرائيلي السعودي واستئناف المفاوضات حول اقامة دولة فلسطينية لكن الولايات المتحدة اصطدمت بالموقف السعودي الذي اشترط قيام دولة فلسطينية ويتضح ان الموقف الامريكي لا زال مبهما ولا يتسم بالوضوح حيث ان استئناف المفاوضات لا يعني التوصل الى اتفاق لقيام دولة فلسطينية ما لم تتوفر ضمانات دولية لإنجاح هذه المفاوضات ووصول الفلسطينيين الى حقوقهم. وفي هذا الصدد اعتبر السفير الامريكي الاسبق لدى اسرائيل توماس نايدس ان تأييد ادارة الرئيس بايدن لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي
على اساس حل الدولتين نابع من ان هذا الحل سيعزز قوة اسرائيل.
وهكذا بدا واضحا ان المحادثات التي قادتها الولايات المتحدة لما بعد الحرب قد خلت من المبدأ الاساسي فيها وهو التعهد بقيام دولة فلسطينية مقابل مساهمة العرب المالية والعملية في إعادة بناء غزة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والأفضل التعامل معها باعتبارها نقطة بداية لما ستكون مفاوضات بالغة الصعوبة في حين أكدت المملكة العربية السعودية ودولٌ أخرى بوضوح أن مساهمتها في إعادة اعمار غزة مرتبطة تماماً بتعهد إسرائيل بالسماح بقيام دولة فلسطينية.
لكن التطورات والأحداث الاخيرة التي جرت في مجلس الامن عندما تقدم الجانب الفلسطيني بطلب العضوية الكاملة في هيئة الامم المتحدة واستخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد المطالب الفلسطيني عكس الوجه الحقيقي للولايات المتحدة من مسألة الصراع وطرح اسئلة مشروعة حول اسباب هذا الموقف الذي يعج بالتناقضات وكيف ستستطيع الولايات المتحدة التوفيق بين كل هذه التناقضات وتمرير مشروعها لما بعد انتهاء الحرب في غزه وتحديدا بعد التحولات التي طرأت على المواقف الدولية والتي تمثلت بتراجع الدعم لإسرائيل في السياسة العالمية وتشكيل كتلة قوية مؤيدة للفلسطينيين في الرأي العام الدولي يقوض سمعة اسرائيل وصورتها ويقضي على كل شرعيتها في العالم.
كان هناك فرصة حقيقية داخل مجلس الامن لزيادة الضغوطات على اسرائيل وقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الامم المتحدة لكن الولايات المتحدة خالفت كل تلك المعطيات التي لا زالت تشعل الصراع باستخدام حق النقض الفيتو وإفشال المطلب الفلسطيني وتنطلق الولايات المتحدة في مبرراتها لهذا الموقف على اعتبار أن حل الصراع يجب أن يمر عبر الموافقة الإسرائيلية والشروط الإسرائيلية والتفاوض مع إسرائيل (الدولة المحتلة) وليس من خلال تدويل القضية الفلسطينية وان هذا يجب أن يتم من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين وليس في الأمم المتحدة واستنادا لهذه
القاعدة الامريكية فان تحقيق الدولة الفلسطينية يعتبر دربا من الاستحالة لان اسرائيل دون موقف دولي ضاغط وملزم لن تستجيب للمطالب الفلسطينية.
لماذا تتملص الولايات المتحدة من تنفيذ استحقاقات الدولة الفلسطينية وتحديدا بعد ان كشفت الحرب الاخيرة على غزه ان عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم وحقهم في اقامة الدولة الفلسطينية ستبقي المنطقة في حالة صراع دائم ويبقى امن اسرائيل تحت التهديد حيث ندرك جيدا ومعها اسرائيل بان الاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية.