رام الله / PNN - مهما قيل في أهداف العدوان الإسرائيلي الدائر في الضفة الغربية عموماً، وشمالها خصوصاً، فإن الخريطة التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحافي مساء أمس، كشفت وأوضحت كل شيء.
الموقف الإسرائيلي من الضفة الغربية لم يكن موضوعاً للمؤتمر الصحافي، إنما حضر خلال شرح تفاعلي على لوحة إلكترونية عن محور فيلادلفيا (صلاح الدين) الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ضمن خريطة للأراضي الفلسطينية، حيث خلت من أي إشارة للضفة الغربية المحتلة منذ 1967، والتي حاولت إسرائيل ضم أراضٍ منها في غزة.
الخريطة التي استخدمها نتنياهو لعرض مخططاته وأفكاره تحمل بلاغة سياسية كبيرة لم تحضر في مؤتمرات الجيش ولا بياناته العسكرية في تبرير العملية. فقد ابتلعت خريطة نتنياهو الضفة الغربية، وهو ذات الأمر الذي تفعله قواته على الأرض، ومستوطنوه، وفتية التلال.
ترافَقَ الأمر مع دخول العملية العسكرية شمال الضفة الغربية يومها السادس، وتمديد الجيش الإسرائيلي العملية ليومين آخرين مع جعلها مفتوحة ولفترة أطول من المخطط لها.
وظهرت خريطة فلسطين التاريخية مقسمة إلى جزأين، الأول باللون السماوي مشار إليه بـ”إسرائيل” باللغة العبرية، بما يشمل منطقة الضفة الغربية، بدون إظهار حدودها أو مسماها سواء باللغة العربية أو بالمسمى الإسرائيلي “يهودا والسامرة”.
أما الجزء الثاني، فظهر باللون الأصفر، وأشير له بـقطاع غزة” باللغة العبرية، مع إبراز محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وذلك خلال مؤتمر صحفي لنتنياهو في القدس المحتلة.
الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع علّق لـ”القدس العربي” على ظهور الخريطة بالقول إنه: “بعد 7 أكتوبر أصبح كل شيء واضحاً، باعتقادي أن التيار الذي يتحدث عن تسوية مع الفلسطينيين في إسرائيل قد انتهى، والآن هناك تيار آخذ بالتعاظم يرى في الضفة الغربية أرض إسرائيل، ولا مكان للفلسطينيين، من خلال العنف بكافة أشكاله”.
وأكمل: “بمعنى أن لا جغرافيا ولا سياسة ولا مكان ولا تاريخ للفلسطينيين بنظر نتنياهو في الماضي والحاضر والمستقبل”.
وحول حضور غزة قال مناع: “كذلك غزة عرضت كبقعة منفصلة عن الضفة، دويلة قائمة بذاتها، وكيان معاد منفصل عن الكل الفلسطيني، ترسيخاً للانقسام الفلسطيني”.
وأضاف: “أوضح نتنياهو الغاية الإستراتيجية مما يجري في الضفة الغربية حاليًا، عندما عرض خارطة تلاشت منها حدود الضفة”.
وشدد على أن وتيرة الأحداث، والأدوات، والجغرافيا “هذه الثلاثية مترابطة، حيث تدفع إسرائيل إلى تسريع عملية الفصل الكامل عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، معتبرةً ذلك هدفًا إستراتيجيًا يمكن تحقيقه في ظل التطورات الحالية”.
ويرى مناع أن ما يجري في الضفة من عملية عسكرية ما زالت مستمرة هو من أجل “رسم واقع جديد، العالم صامت لما يجري في غزة من إبادة، وهذه فرصة مواتية في الضفة لإحداث التغيير المدروس والمخطط له من قبل مراكز البحث والتفكير اليمينية، مثل مركز فورم كوهليت وشيلو”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يفعل نتنياهو ذلك، فبتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2023 ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ78، تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودوره في تغيير الشرق الأوسط، حيث شملت الخريطة التي أظهرها مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل، أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع إسرائيل، حيث ضمّت المناطق المكسية باللون الأخضر مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن.
وفي المقابل، لم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملةً، بما فيها قطاع غزة.
ونشر نتنياهو بُعيد إلقاء خطابه في الأمم المتحدة تغريدة على حسابه على موقع إكس: “إن أعظم إنجاز في حياتي هو أن أقاتل من أجلكم (الشعب الإسرائيلي) ومن أجل بلدنا. شابات شالوم.”
وفي ذلك الوقت، أعادت حادثة نتنياهو الجدل الذي تسبّب بانتقادات لوزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، عندما عرض خريطة إسرائيل في باريس، ولكن مع ضم الأردن والأراضي الفلسطينية، وعلّقَ قائلاً: “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ100 سنة”، وهو أمر أثار غضباً على الصعيدين الشعبي والدبلوماسي”.
ومساء أمس، حذّرت مقرّرة الأمم المتحدة الخاصّة في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز من امتداد “العنف الإبادي الإسرائيلي” في غزة إلى الضفة الغربية المحتلة.
وقالت، في بيان جديد، إن العنف الإبادي الذي ترتكبه إسرائيل قد يتجاوز غزة، ويمتد إلى جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضحت أن الفصل العنصري الإسرائيلي يستهدف غزة والضفة الغربية، في إطار عملية شاملة للتصفية والإحلال والتوسع.
وفي وقت سابق، مع مطلع العملية العسكرية على مخيمات شمال الضفة الغربية، حذّرَ نائب الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، محمد الهندي، من نوايا نتنياهو تجاه الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى لضمها، ووضع سلطة فلسطينية تتناسب مع مصالح تل أبيب وواشنطن.
يذكر أنه، في مطلع الشهر الجاري، وخلال العملية العسكرية شمال الضفة، قالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية، يمارسون “ضغوطًا شديدة على الحكومة الإسرائيلية لتغيير السياسة المتبعة في الضفة، خلال العام الماضي، والتحرك ميدانيًا بطريقة واسعة وعدوانية”. وقال رئيس المجلس الاستيطاني “يشع”، ومجلس “بنيامين” الاستيطاني، إسرائيل غانتس لـ “يسرائيل اليوم”: “يجب أن تكون جنين مثل غزة، ويجب أن تبدو طولكرم مثل رفح، والخليل مثل النصيرات. لا يوجد فرق. ونحن بحاجة إلى استخدام الطائرات المُسيّرة في عمليات الاغتيال”.
يذكر أنه في 2019، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم أراضٍ في غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة، والمنطقة الشمالية من البحر الميت، ما أثار غضباً عربياً ودولياً.
ومنذ حرب عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية لنهر الأردن، التي يريدها الفلسطينيون نواة لإقامة دولتهم المستقلة مع قطاع غزة والقدس الشرقية. وأقامت إسرائيل في الضفة مستوطنات تعتبرها أغلب دول العالم غير قانونية.
اعتبرت “محكمة العدل الدولية”، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، في تموز/يوليو، أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، منذ العام 1967، “غير قانوني”، ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”، في قرار وصفه الفلسطينيون بـ “التاريخي”.
وتبنى الكنيست الإسرائيلي، في تموز/يوليو، قراراً يرفض “قيام دولة فلسطينية”، وجاء في القرار أن “الكنيست يرفض بشدة قيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن”، أي في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، أو في قطاع غزة.
المصدر / القدس العربي