واشنطن / PNN - حذر سفيران إسرائيليان سابقان في واشنطن من أن الرئيس ترامب، في ولايته الجديدة، سيكون غير متوقّع، بلا كوابح، محرّرًا من القيود، ودعيا إسرائيل للتعامل معه بسياسة حكومية جريئة وذكية.
يقول الأول إنه على إسرائيل عدم رفض فكرة التطبيع مع السعودية، مقابل التزامها بدخول مسار “غير ملزم” يفضي إلى دولة فلسطينية، فيما يرى الثاني أنها فرصة لحل الإشكالات الأساسية، وإبعاد المخاطر على المدى البعيد.
ويقول داني أيالون، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، إن انتصار دونالد ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية يبشّر بمرحلة جديدة في أمريكا، داخليًا، وأيضًا في الساحة الدولية. ويعلّل ذلك بالقول إنه، بعكس انتصاره في سنة 2016، هذه المرة، فاز ترامب أيضًا بعدد الناخبين العام بفارق غير متوقع، وبفجوة على منافسته، وهو ما يمنحه شرعية كاملة كقائد منتخب بشكل ديمقراطي، ولا يمكن الطعن في ذلك.
ويضيف: “حقيقة أن الجمهوريين سيسيطرون أيضًا على مجلسَي النواب والشيوخ ستسمح لترامب بحرية عمل كاملة لتطبيق سياساته، وضمنها السياسات الخارجية للولايات المتحدة، مع التشديد على الشرق الأوسط، وطبعًا العلاقات مع إسرائيل. نحن نتحدث هنا عن أربعة أعوام من السياسة الخارجية الفاشلة لواشنطن، والتي تجلّت في غياب الردع لروسيا بعد اجتياحها أوكرانيا، والتخلّي عن الحلفاء في أفغانستان، وطبعًا الفشل المطلق في تحرير المخطوفين، ووقف القتال في غزة ولبنان، وفي مواجهة إيران. خلال الأعوام الأربعة، فقدت الولايات المتحدة قدرتها على الردع في مقابل أعدائها إلى حدّ بعيد، وأيضًا تأثيرها في حلفائها.”
طبقًا لأيالون، فإن ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، سيكون متحررًا الآن من جميع الضغوط السياسية خلال ولايته الثانية؛ فهو يفهم الآن أن التاريخ سيحكم عليه استنادًا إلى الأفعال، وليس إلى أقوال الحملات الانتخابية، وقد حصل على فرصة ثانية لن تتكرر من أجل مسح سجلّه المظلم، والعمل على استقرار كوني. ويرى أيالون أن شرط ذلك هو تجديد وتقوية قوة الردع الأمريكية التي ستستفيد أيضًا من تصرفات ترامب غير المتوقعة، ولهجته التهديدية التي ستدفع الحلفاء والأعداء إلى الانصياع. ومن هنا يستنتج أن إدارة ترامب ستتميّز، على ما يبدو، بميلها الانعزالي، لكن الحاجة إلى التدخل الأمريكي في مناطق التأثير ستتقلّص مع تجدّد قوة الردع، معتبرًا أن هذا ما سيمنع، على سبيل المثال، حالات التردّد بشأن إرسال قوات أمريكية إلى مناطق مختلفة في العالم.
أما بخصوص تعامل ترامب مع إسرائيل عمومًا، ومع نتنياهو بشكل خاص، فيقول أيالون إنه لا يجب أن نتوقع سلوكًا عاطفيًا، مثلما جرى مع بايدن، إنما السعي لتحقيق إنجازات تاريخية يمكن أن تغيّر الشرق الأوسط بشكل جوهري: توسيع “اتفاقات أبراهام” والتطبيع مع السعودية، تقوية التحالف الداعم لأمريكا، إلى جانب عزل إيران، وهو ما سيمنح إسرائيل أفضلية كبيرة جدًا، بثمن محتمل، هو عملية سياسية حيال الفلسطينيين. ويقول إنه، في هذا السياق، من المهم التذكير بما تتجاهله حكومة نتنياهو المتطرّفة، وهو أن “صفقة القرن” الخاصة بإدارة ترامب السابقة (2019) تضمّنت رؤية “حل الدولتين”، وأن هامش الحركة لدى نتنياهو مع ترامب سيكون محدودًا، مقارنةً بما كانت عليه الحال خلال ولاية بايدن.
طبقًا لأيالون، فإن ترامب أيضًا سيعزّز مكانة إسرائيل في العالم، مثلما جرى في ولايته الأولى، وإن هذا سيتجلى في أنه لن يسمح للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بإذلال إسرائيل.
ويتابع: “نذكر في هذا السياق أنه هدّد بوقف تمويل المنظمات الدولية التي تعامل إسرائيل بطريقة سيئة، حتى أنه أخرجَ الولايات المتحدة من اليونسكو. وعندما تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل أمام التحريض والإدانات، فإن أغلبية دول العالم تتماشى مع هذا الخط، وبصورة خاصة دول أوروبا”.
في المقابل، يرجّح أيالون أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ستواجه تحديات مع إدارة ترامب، فهو رجل أعمال مخضرم، وسيطالب بدفع ثمن هذه المساعدات بالكامل. وبرأيه، سيكون من الأفضل لإسرائيل ألّا تنتظر حُكم ترامب، وأن تبادر بنفسها إلى وقف هذه المساعدات بالتدريج، في مقابل تعميق التعاون العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي مع واشنطن.
ويعتبر أن هذه القضايا كلّها ستكون في صلب العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بشكل يؤثّر في مكانة الأخيرة إقليميًا ودوليًا، وأيضًا من الممكن أن تؤثّر في مكانتها السياسية الداخلية.
ويخلص أيالون للقول: “إنها بداية جديدة تتضمّن مفاجآت غير متوقّعة، لكن هناك فرصة كبيرة أيضًا. التحديات الكبيرة أمام إسرائيل في مجالات الأمن والاقتصاد والقضايا السياسية والاجتماعية الداخلية تتطلّب سياسة حكومية جريئة وذكية، وفي الأساس، نظرة بعيدة المدى، معنية بحلِّ الإشكالات الأساسية وإبعاد المخاطر”.
وهذا ما يتوقعه سفير إسرائيلي سابق في واشنطن، مايكل أورن، الذي يتوقّع تبعات بعيدة المدى لانتخاب ترامب على الشرق الأوسط وإسرائيل، معتبرًا أن الأخيرة ستحقّق مكاسب دبلوماسية كثيرة إنْ أحسَنَت التعامل مع الرئيس الجديد، وتعاملت معه بحكمة وصدق.
في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، يرى أورن أنه يتوجّب على إسرائيل فهم مواقف ترامب في مواضيع مثل إنهاء الحرب والبحث عن سلام. ويضيف: “علينا أن نقدّم له مساعدتنا، كما ساعد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بيغن للتغلب على معارضة داخلية للانسحاب التام من سيناء مقابل سلام مع مصر، ووقتها هدّد الرئيس الأمريكي بوقف الدعم لإسرائيل علانية، والآن هناك توقّعات بأن يتكرّر هذا السيناريو مجددًا مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض”.
أورن: رغم أن التاريخ لا يعود على نفسه دائمًا، فإن ترامب ليس كارتر، ونتنياهو ليس بيغن. ليّ اليد أداة مهمة في الدبلوماسية
ويضيف: “ترامب يكره الحروب المكلفة، ويطالب إسرائيل بوقف الحرب على “حماس” و”حزب الله” حتى موعد أقصاه دخوله البيت الأبيض. ترامب ليس بايدن، ولا أوباما، وعندما يقول مهدّدًا “لا، إياك!”، فلا أحد، بمن فيهم نتنياهو، يستطيع معارضته. وزراء كثر لا يريدون وقف الحروب، لكن نتنياهو، كبيغن من قبله، يستطيع القول لهم: ماذا يمكننا أن نفعل، فالرئيس الأمريكي يقوم بليّ ذراعنا. الحروب ستنتهي، وعلى الأقل سيتم استعادة المخطوفين”.
كما يوضح أن “السعودية ستشترط التطبيع معها بالدخول في مسار يفضي لدولة فلسطينية، وعندها سيقول نتنياهو إن حكومته لا توافق على ذلك، وبعد ذلك سيصدر ترامب الأوامر. يمكن لنتنياهو القول لحكومته إن الرئيس قام بليّ ذراعنا، وهذا أمر لن يلزمنا بأي شيء، مجرد كلمات، وهكذا تحقق إسرائيل سلامًا مع الرياض”.
ويخاطب أورن أوساط اليمين الصهيوني، التي سارعت للابتهاج بانتخاب ترامب، بالقول: “إنكم تنسون معارضة ترامب ضمّ منطقة ج في الضفة الغربية، والبناء غير المحدود للمستوطنات، مثلما وقع خطة سلام تقوم على حل الدولتين”.
ويتابع: “من الصعب، وربما من المستحيل، إقناع ترامب بترك سياسته هذه. بالعكس، فربما يجبرنا على ترك سياستنا نحن، بيد أن هذا ليس بالضرورة في غير صالحنا، كما خبر بيغن في كامب ديفيد”.
ويخلص أورن للقول: “رغم أن التاريخ لا يعود على نفسه دائمًا، فإن ترامب ليس كارتر، ونتنياهو ليس بيغن؛ ليّ اليد هو أداة مهمة في الدبلوماسية”.
المصدر / القدس العربي