لندن/ PNN - حذّر المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” جدعون راتشمان الولايات المتحدة من أثر إسرائيل على التحالف الغربي، وأنها قد تقوم بتفتيته، وهذا ليس في صالح أمريكا.
وكان يشير في هذا السياق إلى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها “المحكمة الجنائية الدولية” ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، والقيادي العسكري في “حماس”، محمد الضيف. وأضاف أن توجيه الاتهامات لكل من نتنياهو وغالانت كارثة بالنسبة لإسرائيل، ولكنها مشكلة ضخمة للتحالف الغربي.
وقال إن إسرائيل تحظى بدعم كامل من الحزبين في الولايات المتحدة، في محاولتها مواجهة اتهامات “المحكمة الجنائية الدولية” ضد رئيس وزرائها ووزير دفاعها السابق.
قد تشعر واشنطن أن القانون الدولي لا يحتاج إليه سوى الأوروبيين الضعفاء. ولكن حتى الولايات المتحدة القوية تحتاج إلى حلفاء وأسس عالمية. فالتحالفات التي تبنيها ضد روسيا والصين تقوم على القانون الدولي
ومع ذلك، يرجّح الكاتب أن تحترم معظم الحكومات في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن بريطانيا وأستراليا وكندا، الاتهامات. إلا أنها ستضطر، على مضض، لاعتقال نتنياهو إذا وطئت قدماه أراضيها.
وعلّق بأن الانقسام بين أمريكا وحلفائها في الغرب قد يكون صعباً في الأيام العادية، ولكن الوضع الحالي أبعد من كونه عادياً. فقد تعهد دونالد ترامب، الذي سيتولى الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير، باتخاذ إجراءات تمس بشكل عميق بمصالح أصدقاء أمريكا. تحدث ترامب عن فرض تَعرفات جمركية بنسبة 10-20% على كل الواردات إلى الولايات المتحدة، والتي ستطال المصدرين في أوروبا وآسيا. يضاف إلى هذا التزاماته تجاه حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، والتي يشك فيها على الأرجح. كما أن خطة السلام التي يتحدث عنها لوقف الحرب الروسية-الأوكرانية قد تُعرّض أمنَ أوروبا للخطر.
لكل هذا فإن مواجهة مرّة بين جانبي المحيط الأطلسي، وهذه المرة بسبب إسرائيل، هي آخر شيء يريده التحالف الغربي، لكنها قادمة. يتوقع بعض الوزراء الإسرائيليين الفرحين بعودة ترامب أن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية وغزة، وهو ما ستنظر إليه دول الاتحاد الأوروبي بأنه تطور خطير وغير قانوني.
بالتأكيد ستدفع إدارة ترامب المقبلة باتجاه فرض عقوبات على مدعي عام “الجنائية الدولية”، كريم خان، والموظفين في المحكمة. بل يدور حديث في دوائر الحزب الجمهوري عن تدمير المحكمة، وربما من خلال تهديد الدول التي تموّلها. وتعتبر ألمانيا واليابان وفرنسا وبريطانيا من كبار المساهمين الماليين في المحكمة.
ليست هناك رغبة من إسرائيل أو الولايات المتحدة في مناقشة تفاصيل الاتهامات الموجهة لنتنياهو وغالانت، والتي تضم اتهامات لإسرائيل بقتل المدنيين واستخدام التجويع كوسيلة حرب. بدلاً من ذلك، فالمعسكر اليميني الترامبي تبنّى مزاعم نتنياهو بأن “الجنائية الدولية” مدفوعة بمعاداة السامية. وسيتم تجاهل توجيه الاتهامات التي وجّهتها المحكمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين و”حماس” وقادة أفارقة والنظر إليها بأنها ملوثة بعداء اليهود.
والحقيقة أن معظم الدول الأوروبية قدمت دعماً كبيراً لإسرائيل منذ هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي. شاركت بريطانيا وفرنسا في عملية عسكرية لدعم إسرائيل ضد الصواريخ الإيرانية، في الأشهر الماضية. وهناك دول أوروبية، مثل ألمانيا، ملتزمة بإسرائيل إلى الحد الذي قد يجعلها تنفصل عن “المحكمة الجنائية الدولية” على الرغم من قبولها بشرعيتها.
إلا أن غريزة أغلب الدول الأوروبية سوف تتمثل في الجمع بين دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ودعم النظام القانوني الدولي الذي يفرض قواعد الحرب.
يعتقد الكاتب أن الموضوعات المطروحة تتجاوز القضية الرئيسية المتعلقة بارتكاب جرائم حرب محتملة في غزة. ذلك أن أغلب الديمقراطيات المتوسطة الحجم في أوروبا وآسيا تدرك المخاطر المترتبة عن العودة إلى عالم تتصرف القوى العظمى وعملاؤها دون خوف من العقاب.
أضاف الكاتب أن بعض انتهاكات القانون الدولي، مثل تحدي قرارات صادرة عن منظمة التجارة العالمية، لا تثير الخوف الكبير. ولكن روسيا أثبتت بالفعل أن تحدي القانون الدولي قد يعني أيضاً الاستيلاء على الأراضي، واختطاف الأطفال، وذبح المدنيين.
علق راتشمان أن شرعية الحملة الدولية لمواجهة العدوان الروسي ضد أوكرانيا تستند إلى القانون الدولي، حيث تشكل مذكرة الاعتقال الصادرة عن “الجنائية الدولية” ضد بوتين الحجر الرئيسي لها. وإذا بدأت أمريكا، التي رحّبت باتهام بوتين، بالحرب على “الجنائية الدولية” والنظام القانوني الدولي الذي تمثّله، ففرص إقناع العالم المتشكّك بفرض عقوبات على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية ستتضاءل بشدة.
واستدرك راتشمان قائلاً إن الصدام الناشئ بين الولايات المتحدة وحلفائها بشأن إسرائيل يشكّل جزءاً من جدال أوسع نطاقاً حول مستقبل النظام العالمي.
يقول الباحث جون إيكينبيري في جامعة برينستون إن ترامب يحوّل الولايات المتحدة إلى دولة تصحيحية تتحدى كل عنصر من عناصر النظام الدولي الليبرالي الذي بنته ذات يوم: التجارة الحرة، والانفتاح على الهجرة، والتعددية، والتحالفات الأمنية، والتضامن بين الدول الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان.
يتوقع بعض الوزراء الإسرائيليين الفرحين بعودة ترامب أن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية وغزة، وهو ما ستنظر إليه دول الاتحاد الأوروبي بأنه تطور خطير وغير قانوني
يعلق أن “الجنائية الدولية” هي إضافة جديدة للنظام القانوني الدولي، فلم تبدأ العمل إلا عام 2002، ولم توقّع على نظامها الأساسي لا الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند أو إسرائيل، في وقت قبلت 124 دولة اختصاصها القانوني. ولكن تدميرها عمداً من شأنه أن يبعث برسالة خطيرة، في وقت أصبحت فيه القوى الاستبدادية واثقة، وبشكل متزايد، من شن الحروب وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
وباعتبار الولايات المتحدة الدولة الأقوى في العالم، فقد تشعر أن اللجوء إلى القانون الدولي والمؤسسات الدولية هو أمر لا يحتاج إليه سوى الأوروبيين الضعفاء. ولكن حتى الولايات المتحدة القوية تحتاج إلى حلفاء وأسس عالمية. فالتحالفات التي تبنيها أمريكا ضد روسيا والصين تقوم على القانون الدولي.
استخدمت الولايات المتحدة مبررات قانونية لتعزيز ردّها على الصين في بحر الصين الجنوبي وروسيا في أوكرانيا. وحتى الروس والصينيون يحاولون دائماً الادّعاء بأنهم يتصرفون وفقاً للقواعد العالمية. وهم يدركون أن انتهاك القانون الدولي علناً يعني خسارة الدولة حلفاءها ويعرضها للعقوبات.
وفي النهاية قد يكون القانون الدولي محبطاً، وقد يبدو تطبيقه غير متسق، إلا أن عالماً بلا قانون سيكون مكاناً مخيفاً وخطيراً.
المصدر / القدس العربي