رام الله / PNN - بينما تتعثر المسارات التفاوضية بشأن اتفاق ينهي حرب الإبادة على قطاع غزة، تتزايد التساؤلات حول حقيقة الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن قرب الوصول إلى اتفاق، فرغم تصريحاته المتكررة عن اتفاق "وشيك" ينهي الحرب، فإن الوقائع تؤكد أن تلك الوعود قد لا تعدو كونها ورقة ضغط إعلامية لإدارة التوترات الإقليمية وكسب الوقت لصالح إسرائيل.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، أن إدارة ترمب لم تمارس ضغطاً فعلياً على الحكومة الإسرائيلية للقبول باتفاق ينهي الحرب على القطاع، بل على العكس منحتها غطاءً سياسياً وعسكرياً غير مسبوق.
ويوضحون أن إدارة ترمب استثمرت فكرة "الاتفاق القريب" لتخفيف الضغوط الدولية على إسرائيل أمام المحاكم والهيئات الحقوقية، مستفيدةً من الزخم الإعلامي لإظهار التزام زائف بإنهاء التوترات، لكن خلف الأبواب المغلقة، يستمر التنسيق الوثيق بين واشنطن وتل أبيب لوضع خطوط حمراء تمنع أي تسوية لا تضمن بقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض.
يقول أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الإسرائيلي د. سهيل دياب إن المفاوضات الحالية متوقفة ليس بسبب شروط متبادلة بين حكومة نتنياهو وحركة "حماس"، بل لأن العقدة الحقيقية تكمن في الداخل الإسرائيلي وفي العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأمريكية.
ويشير دياب إلى أن "حماس" قدمت أكثر مما تستطيع تقديمه في كل الملفات، إلا أن المأزق اليوم هو نتاج مباشر لحالة "التردد القاتل" التي يعيشها نتنياهو، الذي يجد نفسه منذ عام 1996 ولأول مرة أمام مأزق معقد يُجبره على الاختيار بين سيناريوهات متناقضة.
ويلفت دياب إلى أن قدرة نتنياهو على التلاعب بالمجتمع الإسرائيلي والجيش وائتلافه الحاكم والإدارة الأمريكية وحتى الرأي العام الدولي والوسطاء قد استنفدت بالكامل، وأصبح الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة يدركون أن العائق الوحيد أمام الوصول إلى أي صفقة هو نتنياهو نفسه.
ويستشهد دياب بما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً من تقرير موسع موثق بالحقائق والوثائق يوضح كيف قوض نتنياهو أي اتفاق منذ إبريل 2024 وحتى اليوم، مؤكداً أن عودة نتنياهو من زيارته الأخيرة إلى واشنطن دون أي بيان مشترك أو مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يؤكد أن الأمور بينهما لم تكن على ما يرام، لا فيما يخص ملف غزة ولا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
ويؤكد دياب أن شروط نتنياهو مثل نزع سلاح "حماس" أو إخراج الحركة من غزة تكشف عمق تردده واستسلامه لضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يهدد بإسقاط حكومته.
ويوضح دياب أن هذه العقلية ليست جديدة على الفكر الإسرائيلي الرسمي، إذ أعاد إلى الأذهان كيف تطورت السيطرة الإسرائيلية على الأرض منذ قرار التقسيم عام 1947، حيث بدأت إسرائيل بـ 45% من فلسطين التاريخية لتتحول إلى 55%، ثم إلى 78% بعد النكبة عام 1948، وبعد حرب 1967 توسعت إلى أكثر من 83% من الأرض.
ويشدد دياب على أن إسرائيل تتبع قاعدة سياسية مفادها "ما أخذته فهو لها، وما تبقى يمكن التفاوض عليه"، معتبراً أن الحديث عن "حلول وسط" في هذا السياق ليس إلا تغطية للاستسلام الفعلي.
ويعتبر دياب أن نتنياهو رغم حاجته الماسة إلى صفقة الآن، إلا أنه لا يستطيع رفض ما يريده ترمب بشكل مباشر، لكنه يجد نفسه محاصراً بين ضغوط الإدارة الأمريكية التي لم تحسم موقفها داخلياً بسبب الانقسامات بين الكونغرس وترمب واللوبي الصهيوني داخل الحزب الجمهوري، وبين قيود الجيش الإسرائيلي الذي يدرك أكثر من غيره أن التصعيد العسكري لم يعد يمنح إسرائيل أي مكاسب سياسية.
ويشير دياب إلى أن الشهر الأخير تحديداً، منذ بداية يونيو الماضي، كشف هذا التناقض بوضوح حيث أدى رفع مستوى الضغط العسكري على غزة إلى نتائج عكسية تمثلت في تراجع الموقف الإسرائيلي سياسياً وتكبد الجيش خسائر كبيرة أثرت على معنويات جنوده ومستوى استعداده.
ويؤكد دياب أن الموقف الأمريكي الحالي لا يشبه الموقف الأمريكي في لحظات حاسمة سابقة، مثلما حدث حين طلب ترمب من نتنياهو وقف الحرب مع إيران فتوقف القتال في أقل من ساعة.
واليوم، يرى دياب أن هذا التردد من جانب نتنياهو وغياب الحسم الأمريكي يضع إسرائيل أمام مفترق خطير ومصيري، لن يكون فيه أمام نتنياهو سوى أحد خيارين لا ثالث لهما: إما التوجه إلى انفراج حقيقي عبر صفقة تفرض عليه تنازلات داخلية صعبة، أو الذهاب نحو انفجار واسع ستكون له تداعيات غير محسوبة على الداخل الإسرائيلي والمنطقة بأكملها.
من جانبه، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن التوقعات المتفائلة التي روج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن قرب التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس" لم تتحقق على أرض الواقع، موضحاً أن السبب الرئيسي لذلك يعود إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى فرض اتفاق "مهين" على "حماس"، يشرعن بقاء قوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق واسعة من قطاع غزة بموافقة الحركة نفسها.
ويبيّن عطا الله أن نتنياهو يطرح صيغة اتفاق تقضي باقتطاع محافظة رفح وبيت حانون وبيت لاهيا، إضافة إلى جزء كبير من الحدود الشرقية للقطاع، ما يثير مخاوف حقيقية من أن يتحول هذا الاقتطاع إلى أمر دائم يشرعن الوجود الإسرائيلي بشكل رسمي وخطير، معتبراً أن هذه هي المعضلة التي وضعها نتنياهو "عقدة بالمنشار" أمام أي مفاوضات جدية.
ويؤكد عطا الله أن نتنياهو يريد اتفاقاً أقرب إلى الاستسلام، وإذا لم يحصل عليه، فإنه مستعد لاستمرار الحرب بلا تردد لإرضاء التيارات اليمينية المتطرفة في حكومته، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش.
ويشير عطا الله إلى أن نتنياهو لا يرى مانعاً من استمرار العمليات العسكرية ما دامت تخدم أهدافه السياسية والأمنية، مشدداً على أن الدعم الكبير الذي يحصل عليه من ترمب يمنحه هامشاً واسعاً للتحرك بهذه الطريقة.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين ترمب ونتنياهو، يوضح عطا الله أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هناك خلافات حقيقية بينهما أو أن ترمب قد يمارس ضغوطاً على نتنياهو لإجباره على تقديم تنازلات.
ويعتبر عطا الله أن العلاقة بين نتنياهو وترمب هي علاقة تكاملية تقوم على تبادل الأدوار، حيث يكمل كل طرف الآخر لتحقيق الأهداف المشتركة، مؤكداً أن ترمب يمثل "ذراعاً تنفيذياً" لسياسات نتنياهو في الملفات الكبرى، سواء في الملف الفلسطيني أو الإيراني أو غيره.
ويشدد عطا الله على أن ما يظهر من ادعاءات أو تصريحات عن توتر أو قطيعة بين ترمب ونتنياهو ليس سوى جزء من مناورات تكتيكية وخداع سياسي محسوب، بهدف كسب الوقت أو تمرير رسائل مضللة للعالم.
ويوضح عطا الله أن نتنياهو نفسه صرح بأن التفاهم بينه وبين ترمب ليس فقط على القضايا الاستراتيجية، بل يشمل أيضاً التفاصيل التكتيكية، ما يجعل العلاقة بينهما جزءاً من "لعبة تبادل الأدوار" لتحقيق المصالح الإسرائيلية دون تراجع أو ضغوط حقيقية.
بدورها، ترى أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية د. دلال عريقات أن غياب التقدم الحقيقي في مسار المفاوضات يعود بالأساس إلى أن الفلسطينيين ليسوا طرفاً أصلاً في ما يُطرح، معتبرة أن الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن قرب التوصل لاتفاق ليست إلا أدوات علاقات عامة تستخدم لخداع الرأي العام الفلسطيني والعربي وشراء المزيد من الوقت لصالح إسرائيل.
وتشدد عريقات على أن الشعب الفلسطيني يعيش حالة ترقب قسري، وكأن المطلوب منه أن ينتظر نتائج مسار سياسي لم يكن شريكاً فيه من الأساس، لافتة إلى أن ما يُعرض لا يمكن وصفه باتفاق حقيقي، بل هو محاولة واضحة لفرض أمر واقع من خلال تسوية منقوصة ومنحازة بالكامل للاحتلال الإسرائيلي، وتحت عنوان مضلل يسمى "اتفاق".
وتوضح عريقات أن إدارة ترمب، منذ توليها، تبنت بالكامل رواية اليمين الإسرائيلي، متجاوزة بذلك الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، ما أفقد العملية برمتها أي مصداقية سياسية.
وتبيّن عريقات أن سياسة التهجير الممنهج للفلسطينيين لم تتوقف يوماً، بل إن الاستيطان الإسرائيلي توسع بوتيرة متسارعة في ظل الغطاء الأمريكي، إذ لم تمارس الإدارة الأمريكية أي ضغط حقيقي على إسرائيل، بل قامت بشرعنة الاحتلال وفتحت له الباب لتنفيذ مخططاته التوسعية دون رادع.
وتؤكد عريقات أن الرئيس ترمب لم يفقد قدرته على الضغط، بل لم يسعَ أساساً لتطويع نتنياهو أو دفعه نحو تسوية عادلة.
وتعتبر عريقات أن ما جرى لم يكن سوى تحالف أيديولوجي واستراتيجي بين ترمب ونتنياهو، يقوم على تبادل الأدوار بما يخدم أجندات الطرفين، فمن جهة احتاج ترمب إلى استثمار أي إنجاز خارجي لدعم حملاته الانتخابية داخلياً، ومن جهة أخرى استفاد نتنياهو من الدعم الأمريكي غير المشروط لتعزيز مشاريعه التوسعية وشرعنة مزيد من السيطرة على الأرض الفلسطينية.
وتعتقد عريقات أن ما يُقدَّم اليوم على أنه "اتفاق" ليس سوى غطاء سياسي لاستمرار التهجير والاستيطان، مؤكدة أن تسمية الأمور بأسمائها أمر ضروري في هذه المرحلة، إذ لا وجود لمفاوضات حقيقية بقدر ما هناك محاولة ممنهجة لفرض تسوية تُنهي القضية الفلسطينية من دون أن تنهي الاحتلال ذاته.
وتؤكد عريقات أن الرفض الشعبي الفلسطيني لهذا المسار وصموده رغم الضغوط المتواصلة هو العامل الأساسي الذي يُفشل هذه الصفقات، وليس غياب الإرادة الأمريكية أو فقدان أدوات الضغط، كما يُروج البعض.
من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن المباحثات التمهيدية الجارية بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ما زالت مستمرة وتسير بوتيرة متسارعة عبر وساطات متعددة تشارك فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر ومصر وحركة "حماس".
ويوضح هواش أن المبعوثين الأمريكيين يسعون إلى صياغة اتفاق يرضي إسرائيل ويحقق مصالحها الاستراتيجية، رغم أن معظم الصيغ التي طُرحت منذ بداية العام وحتى الآن كانت تُبنى أساساً على مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ويبيّن هواش أن نتنياهو يتباحث داخلياً مع شركائه في الائتلاف الحكومي مثل سموتريتش وبن غفير حول الصيغ التي تُرضيهم، ليقوم لاحقاً بتسليم الأوراق إلى وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر الذي ينقلها إلى المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف، حيث تُعاد صياغتها ببعض التعديلات الشكلية لتبدو مقبولة للفلسطينيين قبل أن تتبناها الإدارة الأمريكية كحل وسط.
غير أن هذا "الحل الوسط" في جوهره وفق هواش، ليس سوى فكرة إسرائيلية بحتة تهدف إلى ترسيخ سياسات حكومة نتنياهو وتوجهات شركائه في اليمين.
ويوضح هواش أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يطمح إلى اتفاق ينهي القتال ويحد من نفوذ إيران ويقوي العلاقات مع دول الخليج، وهي مصالح تعتبرها واشنطن أكبر بكثير من مجرد حماية إسرائيل، رغم أن حماية أمن إسرائيل ستظل التزاماً أمريكياً مطلقاً تدفع تكاليفه الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 70% من تمويل الأمن القومي الإسرائيلي.
ويشدد هواش على أن إسرائيل تعتمد بالكامل على هذا الدعم الأمريكي الذي يمكّنها من مواصلة عملياتها العسكرية الواسعة النطاق.
ويوضح هواش أن ما يطرحه نتنياهو من ادعاءات حول تغيير معادلات الشرق الأوسط ما كان ليحدث لولا الغطاء الأمريكي المطلق.
ويؤكد هواش أن ترمب حين زار المنطقة مؤخراً استمع إلى مطالب عربية واضحة بضرورة وقف الحرب وإعادة توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط نحو تهدئة النزاعات، لكنه رغم ذلك ليس من المتوقع أن تستجيب واشنطن بشكل كامل لهذه المطالب، كما أنها في المقابل لن تنسجم كلياً مع الشروط الإسرائيلية المتطرفة.
ويشير هواش إلى أن إحدى أبرز نقاط الخلاف الحالية تتعلق برغبة إسرائيل في الإبقاء على وجودها جنوب محور موراج بذريعة إنشاء ما تدعي أنها "منطقة إنسانية" لحشر الفلسطينيين فيها وفصلهم عن المقاومة تحت غطاء السيطرة العسكرية، وهو ما يُعد أداة ضغط إضافية على "حماس" لدفعها لتقديم تنازلات أكبر، وليس بهدف تراجع فعلي من جانب واشنطن أو إسرائيل.
ويوضح هواش أن الولايات المتحدة هي التي تدير المشهد التفاوضي بأكمله في غزة، بينما تلعب إسرائيل دور المنفذ للمهام الأمنية والسياسية "القذرة" بالنيابة عن الغرب.
ويلفت هواش إلى أن نتنياهو يستخدم أسلوب المماطلة في المفاوضات لفرض شروط تمنحه القدرة على الادعاء بالنصر الكامل على الفلسطينيين، ما يسمح له بتكريس منع إقامة الدولة الفلسطينية وترك غزة في حالة من الفوضى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، مع إبعاد كل من "حماس" والسلطة الفلسطينية عن إدارتها.
ويؤكد هواش أن هناك مرونة ملحوظة من جانب حركة "حماس" في قبول هدنة مؤقتة تصل إلى 60 يوماً، مما يتيح وقف حرب الإبادة اليومية ويمنح الفلسطينيين فرصة لترتيب أوراقهم وإعادة الحياة إلى غزة عبر جهود الإغاثة والدعم العربي والإسلامي.
ويوضح هواش أن نتنياهو يناور لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية وحكومية لكنه قد يواجه ضغوطاً أكبر مما يتحملها الآن، خاصة إذا استمرت واشنطن في سعيها لتحقيق مصالحها الكبرى في الإقليم بعيداً عن حساباته الداخلية.
الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح يؤكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوقت الكافي لمواصلة الحرب في غزة من خلال إيهام المجتمع الدولي بوجود مفاوضات جدية، بهدف تبريد الساحة الداخلية الأمريكية وتهدئة الضغوط الدولية خشية اتخاذ إجراءات قانونية بحق إسرائيل وقيادتها.
ويوضح صلاح أن نتنياهو يحاول عبر هذه المفاوضات الشكلية أن يقدم للعالم صورة مغايرة للحقيقة، مفادها أنه يقود مفاوضات تحقق تقدماً، بينما الهدف الحقيقي هو كسب الوقت وترحيله من جولة إلى أخرى لتجنب أي تحرك قانوني أو دبلوماسي دولي قد يفرض قيوداً أو عقوبات على حكومته.
ويلفت صلاح إلى أن التاريخ يعيد نفسه اليوم كما حدث في قمة كامب ديفيد الثانية سنة 2000، حين كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات حاضرين، حيث لعبت الولايات المتحدة حينها دور الداعم المطلق لإسرائيل ومارست ضغوطاً هائلة على الفلسطينيين، ما أدى إلى فشل تلك المفاوضات بشكل دراماتيكي وتآمر على القضايا الفلسطينية الجوهرية التي ظلت مؤجلة منذ توقيع اتفاقية أوسلو.
ويبيّن صلاح أن السيناريو ذاته يتكرر حالياً عبر ضغوط أمريكية مكثفة على الوسطاء وحركة "حماس" لإجبارها على التنازل، مشدداً على أن إسرائيل وترمب يسعيان للحصول على ورقة استسلام للمقاومة بشروط أمريكية إسرائيلية كاملة.
ويعتبر صلاح أن تصريحات ترمب الإعلامية ما هي إلا وعود كاذبة للاستهلاك الخارجي، بينما يجري التفاوض الحقيقي خلف الأبواب المغلقة لصالح إسرائيل.
ويشير صلاح إلى أن الاتفاق الذي تم توقيعه في 19 يناير من العام الجاري جاء برعاية الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس جو بايدن وترمب، إلا أن ترمب أعطى نتنياهو الضوء الأخضر للانقلاب عليه في مارس الماضي، ليستمر القصف على غزة وعمليات التقتيل والإبادة وحرب التجويع والعطش، وكل ذلك بضوء أخضر أمريكي واضح.
وينوّه صلاح إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان لإجبار المقاومة الفلسطينية على رفع الراية البيضاء وتوقيع اتفاق بشروط نتنياهو وترمب، معتبراً أن إدارة ترمب وقفت سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً إلى جانب إسرائيل في ملفات عديدة من لبنان وسوريا حتى إيران، وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
ويشدد صلاح على أن الحديث عن خلافات بين ترمب ونتنياهو ليس سوى خدعة إعلامية لإيهام العالم بوجود تباينات، مؤكداً أن العلاقة بين الطرفين تكاملية مع تقسيم أدوار واضح لخدمة الأهداف الإسرائيلية.
ويوضح صلاح أن هذه العلاقة ظهرت بوضوح قبيل الحرب بين إيران وإسرائيل، حين روّجت وسائل الإعلام لخلافات مزعومة بينما كان هناك انسجام تام تُرجم بضربة إسرائيلية لإيران بدعم وتخطيط أمريكي إسرائيلي بقيادة ترمب ونتنياهو.
ويؤكد صلاح أن الاتفاق مع إسرائيل في ظل الشروط الأمريكية والإسرائيلية يبقى بعيد المنال، لأن هذه الشروط تعني استسلاماً كاملاً للمقاومة الفلسطينية، وهو ما لن تقبل به المقاومة مطلقاً مهما اشتدت الضغوط.
بدوره، يعتبر الكاتب والباحث السياسي والمختص بالعلاقات الدولية نعمان عابد أن جولات المفاوضات التي عقدتها إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، سواء في السابق أو حتى اللحظة، لم تكن سوى محاولات ممنهجة لاستغلال الوقت وتنفيذ مخططات مدروسة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب تخفيف حدة الضغوطات الدولية التي تصاعدت مع استمرار ما وصفه بالإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
ويوضح عابد أن الإيحاء بوجود مفاوضات جادة ساهم في تخفيف التحول الدولي في نظرة الغرب إلى إسرائيل، والتي كانت تُقدم سابقاً كـ"واحة ديمقراطية" قبل أن تتحول اليوم إلى دولة متهمة بالإبادة أمام المحاكم الدولية، ومرتكبة لأبشع المجازر والاعتداءات داخل فلسطين وخارجها.
ويشير عابد إلى أن المخطط الذي وضعته حكومة نتنياهو منذ تشكيلها وكذلك بعد السابع من أكتوبر 2023، يسير بخطى ثابتة على الأرض بغطاء ودعم كامل من الإدارات الأمريكية وخاصة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ويبيّن عابد أن فوز ترمب وإدارته قبل أشهر والتي تحمل توجهات عقائدية خاصة تجاه إسرائيل غيّر الكثير من المسلّمات الأمريكية في السياسة الخارجية، إذ ارتبط جزء كبير من هذه الإدارة بعلاقات عقائدية وأيديولوجية مع دولة الاحتلال، وهو ما انعكس في تصريحات بعض مسؤوليها الذين فاقوا في تطرفهم شخصيات إسرائيلية معروفة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
ويوضح عابد أن زيارات نتنياهو المتكررة إلى واشنطن، وآخرها بعد حرب الأيام الـ12 مع إيران، أسهمت في تغيير الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فقد تراجع مبدأ عدم التدخل العسكري المباشر، الذي كان ترمب يروّج له خلال حملته الانتخابية، بعدما تدخلت الإدارة الأمريكية بشكل مباشر في الصراع ضد إيران، كما تبدلت الوعود الأمريكية بشأن إنهاء النزاعات وتحقيق السلام، لتتحول إلى قناعة بأن إنهاء النزاعات يجب أن يتم بتحقيق الأهداف الإسرائيلية أولاً.
ويؤكد عابد أن إدارة ترمب باتت تنظر إلى إسرائيل كوكيل استراتيجي ينفذ لها سياساتها في الشرق الأوسط، مما يتيح للإدارة التفرغ لمواجهة تحديات أخرى في آسيا وأوروبا، كالتصعيد مع الصين والحرب الروسية الأوكرانية.
ويوضح عابد أن هذا التماهي بين ترمب ونتنياهو جعل الرئيس الأمريكي ترمب يتخلى عن وعوده الانتخابية المتعلقة بعدم التدخلات العسكرية وحقوق الإنسان حينما يتعلق الأمر بإسرائيل.
ويؤكد عابد أن ما جرى في واشنطن لم يكن سوى اتفاق على كيفية قيام إسرائيل بالدور المطلوب منها في المنطقة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، حتى لو خالف ذلك الوعود السابقة لترمب بشأن إنهاء النزاعات بطرق سلمية أو مراعاة الاعتبارات الإنسانية في غزة.
المصدر/ جريدة القدس