رام الله / PNN - نشر معهد أريج تقريرا عن سيطرة الاحتلال على مياه الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت عنوان "سيطرة من تحت الأرض" ... قوة القانون أم قانون القوة؟ وجاء التقرير كما يلي:
لطالما شكّلت أزمة المياه إحدى القضايا الأكثر صعوبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنها في العقود القليلة الماضية اتخذت منحًنا تصاعديًا خطيرًا، حتى بلغت مستويات غير مسبوقة . وكان الفلسطينيون هم الطرف الأكثر تضررًا، نتيجة تشديد دولة الاحتلال الإسرائيلي قبضتها على مصادر المياه الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى مواردهم الطبيعية، ما يُشكل انتهاكًا صارخًا لحقهم في التمتع بحياة صحية وكريمة. (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) – المادة 25: "لكل شخص الحق في مستوى معيشي كافٍ يضمن له ولأسرته الصحة والرفاهية، وخاصة ما يتعلق بالغذاء والملبس والمسكن والرعاية الطبية...") ... العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) – المادة 11: "تعترف الدول الأطراف بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، بما في ذلك الغذاء والكساء والمسكن...")
إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي شكّلت عائقًا رئيسيا أمام قدرة الفلسطينيين على تطوير قطاع المياه، ومنعتهم فعليًا من إدارة واستخدام مواردهم المائية بشكل مستقل. فقد فرضت هذه السياسات الممنهجة قيودًا تجسدت في توسّع الاستيطان غير القانوني منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، من خلال بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية افقيا وعموديا، وإقامة البؤر الاستيطانية والقواعد العسكرية وشق الطرق الالتفافية وتشييد البنى التحتية المختلفة (من شبكات مياه وكهرباء واتصالات وغيرها). كما خصصت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية لأغراض عسكرية أو إدارية، تحت مسميات مختلفة مثل "مناطق إطلاق نار"، "محميات طبيعية – 705 كم مربع، ما نسبته 12.5% من المساحة الكلية للضفة الغربية المحتلة"، "أراضي دولة مسجلة"، "مناطق نفوذ مستوطنات – 545 كم مربع – 9.6% من مساحة الضفة الغربية"، أو "مناطق عسكرية مغلقة – 1008 كم مربع, 18% من مساحة الضفة الغربية المحتلة وغيرها من المسميات". إلى جانب ذلك، أسهم بناء جدار العزل العنصري في تعميق أزمة المياه، إذ أنه مع الانتهاء من بناء الجدار (771 كم طول)، سيعمل على ضم ومصادرة ما نسبته 13% من مساحة الضفة الغربية المحتلة (705 كم مربع-12.5% من مساحة الضفة الغربية الكلية) بحسب ما أظهرت الخرائط الإسرائيلية لمسار الجدار في الضفة الغربية المحتلة، شاملاً العديد من آبار المياه والينابيع الفلسطينية (سوف يعمل الجدار حال الانتهاء من بناءه على عزل 27 بئر ارتوازي و32 ينبوع في الضفة الغربية المحتلة).
كما فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على استخدام الفلسطينيين لمصادر المياه، ومنعتهم من حفر آبار جديدة، في وقت تتزايد فيه الحاجة لهذه الموارد في ظل ازدياد التعداد السكاني الفلسطيني. وما يزيد الوضع تفاقمًا، هو تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات والبؤر الاستيطانية القريبة من التجمعات الفلسطينية وأيضا في مناطق الاغوار الفلسطينية، التي باتت تمثّل كابوسًا يوميًا للفلسطينيين. إذ تستهدف هذه الاعتداءات المدنيين وممتلكاتهم، بما في ذلك مصادر المياه، الأراضي الزراعية، والمرافق الحيوية الأخرى، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الأساسية.
108 أمرا عسكريا استهدف قطاع المياه خلال الفترة 2019-تموز 2025
منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، اعتمدت دولة الاحتلال الإسرائيلي منظومة قانونية وبيروقراطية معقّدة تجاوزت مبادئ العدالة الطبيعية، بهدف السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية ومواردها الطبيعية. وقد تمثّلت الأداة الرئيسية لتحقيق هذه السيطرة في إصدار أوامر عسكرية ذات طابع عنصري، استندت إلى ذرائع أمنية وعسكرية واهية، لتُشرعن من خلالها الاستيلاء على الموارد، وفي مقدّمتها المياه الفلسطينية. فقد أصدرت سلطات الاحتلال عشرات الأوامر العسكرية التي تستهدف قطاع المياه في الضفة الغربية المحتلة، مستهدفةً ما تبقى من هذه الموارد تحت السيطرة الفلسطينية، لضمان نقل السيطرة الفعلية والكاملة عليها إلى جهات إسرائيلية، واستغلالها لصالح المستوطنات والمنشآت الاستيطانية المختلفة.
وخلال الفترة الممتدة من عام 2019 وحتى نهاية تموز 2025، رصد معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) ما مجموعه 108 أمرًا عسكريًا صادرًا عن سلطات الاحتلال الاسرائيلي، استهدفت قطاع المياه والبنية التحتية المرتبطة به وأيضا قطاع الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبشكل خاص في محافظات رام الله, أريحا, القدس, نابلس وبيت لحم، بواقع 24, 18, 15, 10, 10 أمرًا عسكريًا على التوالي. وقد تنوعت هذه الأوامر بين مدّ خطوط مياه وشبكات صرف صحي لصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية والقواعد العسكرية وغيرها من المنشآت الإسرائيلية، وجميعها جاءت على حساب الأراضي والموارد الفلسطينية.