الشريط الاخباري

من دائرة العنف إلى دائرة الإفلات من العقاب: البنية التي تمكّن المستوطنين الإسرائيليين

نشر بتاريخ: 22-11-2025 | سياسة , PNN مختارات
News Main Image

القدس /PNN / يقول تقرير جديد أصدره معهد الأبحاث التطبيقية في القدس (أريج) إن العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد مجرد سلسلة أحداث منفصلة، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة مدعومة من هياكل الدولة، تسمح بتمدد الاستيطان وترسّخ الإفلات من العقاب.

ويؤكد التقرير  الذي تلقت ال PNN نسخة منه أن ما يُصوَّر في الخطاب الدولي باعتباره “دائرة عنف” بين الفلسطينيين والمستوطنين، هو عملياً نتيجة سياسات ممنهجة تهدف إلى السيطرة على الأرض وإخضاع السكان الفلسطينيين، في ظل غياب شبه كامل للمساءلة القانونية.

عنف منهجي… وغياب للمحاسبة

وبحسب التقرير، تُظهر الأدلة الميدانية أن الإفلات من العقاب ليس حالة طارئة، بل “أداة استراتيجية” تستخدمها إسرائيل لتعزيز سيطرتها. وتستشهد أريج بتقارير منظمة العفو الدولية التي وثّقت عام 2021 “فشل إسرائيل المستمر في ضمان المساءلة” عن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش والمستوطنون، بما يشمل القتل غير القانوني، التهجير القسري، والهجمات على المدنيين.

وفي عام 2022، قال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إن “غياب المساءلة يكمن في صلب الانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية”. وتشير بيانات إعلامية لعام 2025 إلى أن 88% من التحقيقات العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بانتهاكات في الضفة الغربية والقدس أغلقت دون توجيه اتهامات.

ويقول التقرير إن هذه البيئة القانونية تسمح بتنفيذ مخططات الاستيطان وقمع الفلسطينيين دون رادع.

صعود المستوطنين من الهامش إلى مركز النفوذ

يرجع التقرير جذور الظاهرة إلى السبعينيات، حين ظهرت حركة الاستيطان كشريحة قومية دينية هامشية. ومع وصول الليكود إلى الحكم عام 1977، تحولت هذه الحركة تدريجياً إلى جزء من التيار السياسي المركزي.

اليوم، يشكّل المستوطنون أكثر من 8% من سكان إسرائيل، ويعيشون في ما يزيد عن 200 مستوطنة و300 بؤرة عشوائية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وبفضل دمج الروايات الدينية والقومية والأمنية، نجح المستوطنون في بناء قاعدة اجتماعية واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يرى أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين أن الاستيطان يعزز “الأمن القومي”.

الهيمنة على مؤسسات الدولة

ويشير التقرير إلى أن التيار الاستيطاني لم يعد حركة ضغط، بل أصبح جزءاً من مؤسسات الحكم، بعد صعود قادة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إلى مواقع متقدمة في الحكومة، واستخدامهم نفوذهم لتحويل موارد الدولة لصالح التوسع الاستيطاني.

وتحوّل الاستيطان إلى بنية سياسية وقانونية بحد ذاته، قائمة على تشريعات تشرعن الاستيلاء على الأراضي، وتفرض نظاماً قانونياً مزدوجاً يمنح المستوطنين امتيازات ويحرم الفلسطينيين من الحماية.

حجم العنف: آلاف الاعتداءات خلال عامين

بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2025، وثّقت اللجنة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان 38,359 اعتداء، منها 31,205 نفذتها قوات الاحتلال، و7,154 نفذها المستوطنون. ومنذ ذلك الحين، سُجِّل أكثر من 2,000 اعتداء إضافي.

ويصف التقرير هذا التزايد بأنه مؤشر على “انهيار الحدود” بين عنف الدولة والعنف المدني، حيث باتا يعملان في إطار واحد، يعزز الإفلات من العقاب ويضعف أي إمكانية لحماية الفلسطينيين.

تحولات أيديولوجية تعمّق العنف البنيوي

ويقول تقرير معهد الابحاث التطبيقية  إن صعود تيارات دينية قومية متطرفة مثل “الحردليم” ساهم في تسويق خطاب ينكر الوجود الفلسطيني ويشرعن العنف والاستيلاء على الأرض. ولم يعد هذا الخطاب هامشيًا، بل أصبح جزءاً من سياسات الحكومة.

ويضيف أن هذه التحولات حولت العنف من رد فعل أمني إلى منظومة حكم تُدار عبر أدوات سياسية وقانونية وأمنية.

المساءلة شرط لوقف دائرة الإفلات من العقاب

ويقول التقرير إن تفكيك دائرة العنف يتطلب تدخلاً متعدد المستويات، يشمل ايجاد آليات تحقيق مستقلة وفعالة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات القانون الدولي الى جانب العمل وقف التمويل والدعم الحكومي للمستوطنات والبؤر الاستيطانية.

كما ان تفكيك عنف الاستيطان والمستوطنين يتطلب إصلاحات قانونية تنهي نظام القوانين المزدوجة المفروض على الفلسطينيين والمستوطنين كما اشار التقرير الى اهمية معالجة أسباب العنف البنيوي مثل التهجير القسري ومصادرة الأراضي.

ويخلص التقرير إلى أن استمرار الإفلات من العقاب ليس فشلاً في تحقيق السلام فحسب، بل نتيجة لبنية سياسية وقانونية صُممت أساساً لفرض السيطرة. وأي مقاربة جدية للسلام – كما يقول – يجب أن تعالج هذه الهياكل من جذورها.

 

شارك هذا الخبر!