تل أبيب / PNN - في ظل ضغوط متزايدة محتملة على حكومة الاحتلال للانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق بدلاً من التهرّب منها بدوافع غريبة مختلفة، تطالبها أوساط إسرائيلية بالواقعية، بعيداً عن الشعارات العالية، على غرار “النصر المطلق”، ويؤكد بعض المحللين السياسيين البارزين في إسرائيل أنها ستبقى عالقة دون القيام بتسوية ما هو أكبر وأعمق وأخطر من “قضية غزة”- القضية الفلسطينية.
وتقلق توجّهات ورغبات ترامب هذه الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو، خاصة أن تركيا وقطر تبدوان الآن جزءًا من المرحلة الثانية والسلطة الفلسطينية جزءًا من المستقبل السياسي، وهذا ما دفع رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، المرشّح لأن يكون مسؤولاً مركزياً في “مجلس السّلام”، توني بلير، للقاء نتنياهو بشكل سري في الأسبوع الماضي، حيث جاء من أجل دفع إسرائيل للتعاون والانتقال للمرحلة الثانية وقبول دور معيّن للسلطة الفلسطينية داخل القطاع أو قسم منه. هذا ما قالته الإذاعة العبرية العامة، مساء أمس السبت، منوّهة بأن نتنياهو لم يرفض، وطَلَبَ مهلة للتدارس والرد على طلب بلير لاحقاً.
في المقابل، يبدو نتنياهو كمن يحاول التهرّب من دخول المرحلة الثانية ومن خطة ترامب، رغم أنها صارت “أممية” بعد مصادقة الأمم المتحدة عليها، خاصة أنها تشمل بنداً مربكاً له سياسياً وانتخابياً: بند المسار لدولة فلسطينية.
وهذا ما يفسّر استمرار القصف والقتل في غزة، وكذلك في لبنان، حيث تجدد القصف الجوي غداة لقاء التكنوقراط في رأس الناقورة، قبل أسبوع، وكذلك في سوريا، حيث يسعى نتنياهو للمزيد من التصعيد والتسخين، وربما مع إيران لاحقاً.
على هذه الخلفية انتقد المحاضر في جامعة تل أبيب الباحث المختص بالشؤون السورية بروفيسور أيال زيسر ما وصفه بالحركات الإسرائيلية الزائدة في سوريا، ملمّحًا لخطر نشوء مقاومة جهادية هناك تؤدي لتوريط إسرائيل في جبهة سورية جديدة.
في المقابل، ينتقد زيسر “قلة الحيلة” الإسرائيلية في لبنان، بقوله إن إسرائيل تقترب من نفاد صبرها وقدرة احتوائها لمحاولات “حزب الله” ترميم
ومضى في انتقاداته: “حراكنا الزائد في سوريا يأتي بعكس قلة أفعالنا في لبنان، إذ إن كل عمليات الجيش الإسرائيلي في الجبهة اللبنانية لا تنضوي تحت مبادرة إستراتيجية هدفها تحييد حزب الله وتفكيك قدراته العسكرية”.
ويرى زيسر أن إسرائيل سمحت لـ “حزب الله” أن ينتعش ويرمّم قوته عدا هجمات جوية، معارك بين الحروب، تثير الدهشة لكن قيمتها الإستراتيجية مشكوك بها، تماماً كما هو الحال مع “معارك أخرى بين الحروب” في العقد الأخير، والتي لم تمنع الكارثة في السابع من أكتوبر كما هو معلوم.
ويقول زيسر أيضاً إنه فوق كل ذلك يرفرف ظل ترامب الذي يذكّر تباعاً من هو صانع القرار في إسرائيل سواء في غزة أو لبنان أو سوريا. ويتابع: “حالياً، فإن ترامب غاضب على اللبنانيين لأنهم لا يسارعون للاستجابة لإملاءاته، ولا ينزعون سلاح حزب الله، ولا يقومون بإصلاحات في لبنان، ولذا فهو يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر للعمل في لبنان، وعلينا استغلال ذلك قبل أن ينقلب ترامب علينا”.
وبشأن سوريا، يقول زيسر إن ترامب قرر أن الشرع هو شخص جدير ويمكن الاعتماد عليه ويقوم بـ”أفعال جيدة في سوريا”، ويتابع المحاضر الإسرائيلي محذّرًا: “وهنا أيضاً لا نملك خياراً إلا التساوق مع الإملاء الأمريكي، محاولة التهدئة، بل الإسراع في التوصل تحت رعاية ترامب لتفاهمات مع الشرع، وهذا أمر أفضل لنا من تورّط زائد في سوريا”.
ويتفق المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” يوآب ليمور مع زيسر حول لبنان، ويقول اليوم إنها الجبهة التي تقترب فيها إسرائيل من فقدان صبرها وتوشك على بلوغ مفترق طرق خطير، معتبراً أن تسرّع ترامب في غزة من شأنه أن يكون مكلفاً لإسرائيل، لكن نتنياهو يبدد طاقاته وعلاقاته مع الرئيس الأمريكي لخدمة قضاياه الشخصية، كالعفو.
ويقول إن التحضيرات الأمريكية للانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق في غزة غير معروفة، وليس واضحاً كيف ستكفل المصالح الأساسية الإسرائيلية؛ إنزال حماس من السلطة وتفكيك بناها العسكرية، محذراً من الفجوة الكبيرة بين أهداف ترامب الطموحة وبين القدرة على تحقيقها.
ويضيف: “حالياً، حماس تتلكأ بإعادة رفات المختطف الأخير، وربما تضطر إسرائيل للتقدم قبل استعادة رفات المختطف الأخير”.
بما يتعلق بلبنان، يقول ليمور إن كل المؤشرات تشي بأن إسرائيل تقترب من نفاد صبرها وقدرة احتوائها، ويدلل على ذلك بالإشارة لتسريبات إسرائيلية لوسائل إعلام غربية تهدف لتحضير الرأي العام في العالم لعملية برية في لبنان إلى جانب القصف الجوي الجاري جزئياً. أمريكا وفرنسا طالبتا إسرائيل بتأجيلها ريثما يتم الضغط على حكومة لبنان لتفكيك حزب الله من سلاحه، وهذا تجلى في لقاء رأس الناقورة، لكن من المشكوك بأن يؤدي ذلك لمنع العملية المخطط لها، وربما لما بعد اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب، مع العلم أن الأول يحاول إقناع الثاني للضغط على هرتسوغ كي يصدر عفواً عنه، وهذا خلط خطير بين شؤونه الشخصية وبين شؤون الدولة الملحّة، كالحرب مع إيران وحزب الله والدعم الأمريكي لإسرائيل للعقد القادم”.
كما يعرب المحاضر في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، عن قلقه مما يمكن أن يحدث في غزة، بالقول، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم، إنه لا بد أن تكون إسرائيل واقعية في توجهاتها. ويعلل رؤيته بالقول إنه لا يوجد نصر مطلق ولا في أي جبهة.
شيمعون شيفر: امتحان كل حكومة بعد نتنياهو سيكون كيف نُنزِل الجدران بيننا وبين الفلسطينيين وليس كيف نواصل التمترس خلفها
ويضيف: “لن تحقق إسرائيل مآربها في غزة، وعليها التركز في ثلاث مصالح عملية: الاحتفاظ بقدرة عسكرية للتدخل مقابل أي تهديد ينشأ في غزة، كما في لبنان، مراقبة ناجعة لمحور صلاح الدين ومعبر رفح بقيادة أمريكية، وحق النقض “فيتو” على تركيبة حكومة التكنوقراط”.
ويخلص للقول: “هذا خيار مرعب بالنسبة للإسرائيليين، لكنه السيّئ لا الأسوأ… فهذا يتيح لإسرائيل التفرّغ لجبهات أخرى كلبنان وإيران”.
ويتقاطع معه المحلل العسكري البارز في موقع “واينت” رون بن يشاي، الذي يشير إلى أن ترامب، المعني بـ”نوبل للسلام”، يطالب نتنياهو بالانتقال من تهديدات التصعيد العسكري للدبلوماسية، لافتاً إلى أن الأخير يواصل التمسك بـ”النصر المطلق” رغم أن الجيش يبحث، بهدي خطة ترامب، عن قدم سياسية إلى جانب العسكرية من أجل وقف الحرب، وفي ذات الوقت يقوم بتجهيزات لحسم “حماس”.
بيد أن المحلل السياسي الأكثر أقدمية شيمعون شيفر يذهب اليوم لما هو أكبر وأعمق، بالقول إن المشكلة الحقيقية هي بقاء القضية الفلسطينية تنزف، وبالرهان الإسرائيلي على القوة فقط. مؤكداً أن امتحان كل حكومة بعد نتنياهو سيكون كيف تنزل الجدران بيننا وبين الفلسطينيين وليس كيف نواصل التمترس خلفها، فنهاية كل جدار السقوط”.
المصدر / القدس العربي