غزة -PNN- نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده أرون بوكسرمان، قال فيه إن إسرائيل حاولت أكثر من مرة دعم قوى في غزة ضد حركة حماس، ولكن انتهت بالعنف.
فقد دعم المسؤولون الإسرائيليون وسلّحوا ياسر أبو شباب وجماعته المعروفة بالقوات الشعبية، قبل أن تقوم عشيرة محلية بقتله. وقال بوكسرمان إن مقتل أبو شباب يوم الخميس أكد على حقيقة مهمة، وهي أن الفلسطينيين الذين تسلحهم وتدعمهم إسرائيل لمواجهة حركة حماس سيواجهون نهاية فظيعة.
وكانت جماعة أبو شباب الأقوى من بين عدة جماعات مسلحة في غزة، موّلتها ودعمتها إسرائيل. وقد اعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنهم سلحوا جماعة أبو شباب ثم أنكروا ذلك. وقد شجب الكثير من الفلسطينيين أبو شباب واعتبروه خائنا، فيما عبر بعض الإسرائيلين عن تشككهم من قدراته ونواياه. وفي مقابلة معه في تشرين الأول/ أكتوبر مع “نيويورك تايمز”لم يخف علاقاته مع إسرائيل حيث قال: “هناك تعاون على المستوى الأمني وفي العمليات حولنا”. وقال إن “الهدف هو منع أي إرهابي من اختراقنا”، في إشارة إلى حماس.
وتقول الصحيفة إن زعيم الميليشيا قتل يوم الخميس خلال اشتباكات مع عشيرة فلسطينية في جنوب غزة، وفقا لما ذكرته جماعته على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يبدو أن حماس متورطة في مقتل أبو شباب، الذي كان متمركزا بالقرب من مدينة رفح في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لكن وزارة الداخلية في غزة احتفلت بوفاته في بيان يوم الجمعة، قائلة إنه “المصير المحتوم لكل خائن”، وحثت بقية أعضاء الميليشيات الفلسطينية القريبة من إسرائيل على تسليم أنفسهم “قبل فوات الأوان”.
ومن غير الواضح ما إذا كانت “القوات الشعبية” ستصمد بعد مقتل أبو شباب. ونشرت الجماعة المسلحة مقطع فيديو يظهر تولي نائب أبو شباب، غسان الدهيني، قيادة المجموعة. ويمكن رؤية الدهيني، الذي لم تكن انتماءاته واضحة قبل انضمامه إلى القوات الشعبية، وهو يسير أمام مسلحين يهتفون ويظهرون أن معنوياتهم عالية. وقد سعت إسرائيل منذ الأيام الأولى للحرب، لتجنيد حلفاء محتملين من غزة قد يساعدون في تقويض سيطرة حماس. ولهذا الغرض، دعمت ما لا يقل عن أربع مجموعات صغيرة من المسلحين الفلسطينيين، حسبما قال قادة المجموعات في مقابلات.
وبعد وقف إطلاق النار، واصلت حماس سيطرتها على نصف القطاع تقريبا، فيما تسيطر إسرائيل على النصف الآخر. وتعيش الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة في المنطقة التي تسيطر عليها حماس على طول الساحل. وعملت الميليشيات الفلسطينية المناهضة لحماس في الغالب في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل.
ويعتبر المحللون أن القوات الشعبية هي الأكبر والأفضل تنظيما من بين هذه المجموعات. وزعم أبو شباب في تشرين الأول/ أكتوبر، أن الأفراد في منطقته يصل عددهم إلى 3000 شخص، أقل من نصفهم من المقاتلين. وقال القادة الآخرون، ومن بينهم أشرف المنسي في شمال غزة، وحسام الأسطل شرقي مدينة خان يونس، إن بضع مئات من الأشخاص يعيشون في مناطقهم. ورغم أن حماس كانت تتفوق عسكريا على القوات الشعبية، إلا أنها قالت إنها اشتبكت مع مقاتليها، وقالت إنها أسرت واحدا من مقاتلي حماس في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر.
ونقل بوكسرمان عن شالوم بن حنان، وهو مسؤول كبير متقاعد في جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك)، قوله إن الميليشيات الصغيرة ساعدت في تأمين أجزاء من غزة نيابة عن الجيش الإسرائيلي، مما أتاح للقوات الإسرائيلية القيام بمهام أخرى. وأضاف بن حنان: “إنهم ينفذون مهام عسكرية كما لو كانوا وحدة عسكرية، لو لم يكونوا موجودين للقيام بها، لكانت قواتنا هي من قامت بها”.
إلا أنه بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، فإن ماضي أبو شباب في النهب وعلاقاته مع إسرائيل جعلته مرشحا غير مقبول لأي دور قيادي مستقبلي في غزة. واشتهر أبو شباب، وهو بدوي من جنوب شرق رفح، في أواخر عام 2024، عندما اتُهم بمداهمة عشرات قوافل المساعدات خلال أزمة جوع حادة بشكل خاص في ذروة الحرب.
وسيطر أبو شباب ومسلحوه على منطقة قريبة من معبر كرم أبو سالم في غزة على الحدود مع إسرائيل. وفي مقابلة أجريت معه آنذاك، أقر بأن عصابته المسلحة بالكلاشينكوف نهبت عددا من الشاحنات، مع أنه قال إنه استولى على البضائع فقط لإطعام نفسه وعائلته وجيرانه. ووصفه جورجيوس بيتروبولوس، المسؤول الكبير في الأمم المتحدة الذي كان يقيم في غزة آنذاك، بأنه “الوسيط المسيطر على شرق رفح”. واتهم بيتروبولوس، إلى جانب موظفين آخرين في الأمم المتحدة يحاولون إدخال المساعدات إلى غزة، إسرائيل بتجاهل هجمات أبو شباب على المساعدات.
وأثارت عمليات النهب المتكررة غضب حماس، وقتل ما لا يقل عن 20 عضوا من ميليشيا أبو شباب، بمن فيهم شقيقه، في تبادل لإطلاق النار مع مقاتلي حماس أواخر العام الماضي. وبدأ أبو شباب، في وقت سابق من هذا العام، بالترويج لنفسه كقائد فلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفا جماعته المسلحة بأنها “قوة مكافحة إرهاب” معادية لحماس. ونشر لقطات تظهر على ما يبدو أن الجماعة وفّرت خياما ومدارس للأشخاص الذين لجأوا إليها في منطقة رفح التي كان يحكمها. وبينما عانى العديد من الفلسطينيين في غزة من الجوع بسبب القيود الإسرائيلية على دخول الإمدادات إلى القطاع، إلا أن أبو شباب أكد في مقابلة أجريت معه في تشرين الأول/ أكتوبر أن منطقته لديها مؤن جيدة.
وقال إن إسرائيل وقواته، بمساعدة المراقبة الجوية الإسرائيلية، عملوا معا لمنع أي مقاتل من حماس من دخول منطقتهم. وقال إنه قدم أيضا أسماء مقاتليه وعائلاتهم للجيش الإسرائيلي كجزء من التنسيق مع إسرائيل.
على الرغم من دعم إسرائيل، لم تكن هناك توقعات عالية من أن تشكل جماعة أبو شباب ولا المجموعات المسلحة الأخرى تهديدا كبيرا لحماس، كما قال بن حنان. وجادل بأن عددهم قليل جدا، وأن ارتباطهم بإسرائيل قد شوّه سمعتهم في أذهان معظم الفلسطينيين. وأضاف: “سيعتبرون دائما خونة ومتعاونين. لن يرغب أحد في التقرب منهم”.
ويرى العديد من سكان غزة أن الميليشيات ليست أفضل من العصابات التي استغلت فوضى الحرب لتكديس السلطة. وقال منتصر بهجة، وهو مدرس لغة إنكليزية في مدينة غزة، إن الفلسطينيين بحاجة إلى قيادة جديدة وإلى التعاون مع إسرائيل إذا لزم الأمر من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل. لكنه أضاف أن ذلك لا يمكن أن يأتي من أشخاص مثل أبو شباب. وأضاف: “كان هذا الرجل مجرما في الأساس، ولم أستطع قبول تمثيله لي”.
وقال أبو شباب قبل وفاته إنه يأمل في رسم مستقبل غزة بدون حماس، ولكن فيما عدا ذلك، لم يكن واضحا ما يمثله. ونفى الاتهامات الموجهة إليه بالخيانة لعمله مع إسرائيل، مع إقراره بأن بعض الفلسطينيين اعتبروا أفعاله “مسيئة”. وقال إنه لو “كان لديهم الإرادة والشجاعة، لكانوا مثل ياسر أبو شباب”.