رام الله /PNN/ في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشباب، عاد ملف مشاركة الشباب في مواقع صنع القرار داخل مؤسسات المجتمع المدني إلى الواجهة، بوصفه أحد القضايا الإشكالية التي ما زالت تراوح مكانها بين الخطاب النظري والتطبيق العملي. فعلى الرغم من الحضور الواسع للشباب في الأنشطة والمبادرات والبرامج المختلفة، إلا أن هذا الحضور لا ينعكس بالضرورة على مستوى التأثير الفعلي في رسم السياسات أو تحديد الأولويات أو اتخاذ القرارات المصيرية داخل الكثير من هذه المؤسسات.
وفي حلقة جديدة من برنامج صوت الشباب الذي تنتجه وتبثه شبكة وطن الإعلامية، طُرحت تساؤلات جوهرية حول طبيعة مشاركة الشباب، وأسباب بقائها في كثير من الأحيان مشاركة صورية أو تنفيذية في الكثير من مؤسسات المجتمع المدني، ودور الثقافة التنظيمية الأبوية، ومدى مسؤولية الشباب أنفسهم عن انتزاع أدوارهم القيادية.
وشارك في النقاش كل من الناشط الشبابي والمدرب في التأثير المجتمعي والعمل الإنساني جهاد نمورة، والناشطة الشبابية والمدربة في الذكاء العاطفي والوعي بالذات وعد جردات، إلى جانب مسؤول الأبحاث والدراسات في مؤسسة مفتاح عبد الرحمن الصالحي، حيث قدّم كل منهم قراءة مختلفة للواقع، تجمع بين النقد، وتحليل السياق التاريخي، وطرح التوصيات العملية.
جهاد نمورة: مشاركة شكلية وثقافة أبوية تعيق الشباب
أكد جهاد نمورة أن الحديث عن مشاركة الشباب في المؤسسات لا يمكن إنكاره من حيث الشكل، إلا أن جوهر هذه المشاركة يبقى محدوداً، وغالباً ما يكون بعيداً عن دوائر صنع القرار الحقيقية. وأوضح أن الشباب يُستدعون في كثير من الأحيان لأداء أدوار تنفيذية أو رمزية، دون أن يكون لهم تأثير مباشر في تحديد الأولويات أو رسم السياسات أو التخطيط الاستراتيجي.
ويرى نمورة أن السبب الأبرز وراء هذا الواقع يتمثل في ديناميكية القوة داخل المؤسسات، حيث تهيمن ثقافة أبوية متجذرة تعتبر أن التقدم في العمر مرادف للخبرة والكفاءة، ما يؤدي إلى احتكار القرار من قبل فئة محددة، وترك الشباب في أدوار ثانوية، يوصفون خلالها بأنهم "نار الميدان"، دون الاعتراف بحقهم في القيادة.
وأشار إلى أن الكثير من المؤسسات تخلق معايير وهمية أمام الشباب، وتضعهم في مسارات طويلة من التدريب والتطوع دون أفق واضح للوصول إلى مواقع التأثير، ما يكرس شعور الإحباط ويُبقي فجوة الثقة قائمة. وأضاف أن استمرار التعامل مع الشباب بوصفهم فئة عمرية لا كفاءات مستقلة سيُبقي مشكلة التمكين قائمة دون حلول جذرية.
وفي رسالته للشباب، دعا نمورة إلى الثقة بالقدرات الذاتية، والإيمان بأن الخبرة تُبنى بالتجربة لا بالانتظار، مؤكداً أن الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع. كما وجّه رسالة مباشرة للمؤسسات، مطالباً إياها لاعتبار الشباب جزءاً أصيلاً من بنيتها، لأن إشراكهم الحقيقي كفيل بتجديد الدماء وتعزيز فاعلية العمل المؤسسي.
وعد جردات: التمويل يفرض الأجندة وصوت الشباب مغيّب
من جهتها، شددت وعد جردات على أن مشاركة الشباب في المؤسسات غالباً ما تبقى ضمن إطار شكلي أو تنفيذي، ولا تصل إلى مستوى اتخاذ القرار الفعلي. وأوضحت أن أحد أبرز أسباب ذلك هو طبيعة العلاقة مع الجهات المانحة، حيث تُفرض الموازنات والبرامج بشكل جاهز، ما يحوّل دور المؤسسات – والشباب معها – إلى منفذين فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الحقيقية للفئة المستهدفة.
وانتقدت جردات ما وصفته بـ"الأنشطة الموسمية"، التي تُنفذ فقط لتصريف بنود مالية، مثل برامج التفريغ النفسي قصيرة الأمد، دون استدامة أو متابعة، مؤكدة أن هذه الممارسات لا تعبّر عن احتياجات الشباب ولا تعزز ثقتهم بالمؤسسات. كما أشارت إلى وجود فجوة كبيرة بين سنوات التطوع الطويلة التي يقضيها الشباب، وبين غياب الاعتراف بقدرتهم على تولي مواقع قيادية حقيقية.
وتطرقت جردات إلى إشكالية "سنوات الخبرة" المطلوبة للتوظيف والترقي، معتبرة أنها تشكل عائقاً بنيوياً أمام الشباب، سواء في سوق العمل أو داخل المؤسسات الأهلية. وأكدت أن كثيراً من الشباب، رغم سنوات التطوع والخبرة، يُحصرون في مناصب تنسيقية أو تنفيذية دون إتاحة المجال لهم لقيادة المؤسسة.
وفي قراءتها لمسؤولية الشباب، رفضت تحميلهم العبء الكامل، لكنها دعت إلى نقد ذاتي بنّاء، مشيرة إلى ثلاثة مسارات يسلكها الشباب عند الإقصاء: الانسحاب، أو القبول بالتمثيل الشكلي، أو تأسيس مبادرات جديدة، وهو خيار صحي لكنه قد يفاقم أزمة الموارد. وختمت بدعوة صريحة للحوار الحقيقي بين الشباب والمؤسسات، ولإقرار تمثيل شبابي فاعل ضمن الأطر الإدارية والتنفيذية.
عبد الرحمن الصالحي: السياق العام يحكم المشاركة وإمكانات التغيير قائمة
قدّم عبد الرحمن الصالحي قراءة تحليلية أوسع، ربط فيها واقع مشاركة الشباب بالسياق التاريخي والسياسي لتطور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. وأوضح أن هذه المؤسسات نشأت كامتداد للحركات الشعبية والوطنية، ما جعلها تتأثر بثقافة تنظيمية وحزبية ما زالت تلقي بظلالها على آليات صنع القرار.
وبيّن الصالحي أن تمثيل الشباب في القطاع الأهلي أفضل نسبياً مقارنة بالقطاعين الحكومي والخاص، نظراً لمرونة الإطار القانوني لمؤسسات المجتمع المدني، الذي لا يفرض شروطاً عمرية صارمة، ويتيح للشباب تأسيس مبادراتهم الخاصة. ومع ذلك، أقر بوجود عقلية وصاية وعلاقات قوة، خاصة في ظل الاعتماد على التمويل الخارجي، حيث يصبح أصحاب العلاقات مع المانحين عناصر يصعب استبدالها.
وأشار إلى أن ضعف تمثيل الشباب في الأجسام السياسية والنقابية ينعكس بالضرورة على المؤسسات الأهلية، مؤكداً أن إقصاء فئة تشكل أكثر من 20% من المجتمع يعني فقدان القدرة على فهم الاحتياجات المتغيرة، خاصة في ظل التحولات الرقمية والاهتمام المتزايد بقضايا مثل الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي.
وأكد الصالحي أن الشباب يمتلكون مهارات متقدمة، خصوصاً في البحث والتكنولوجيا، تفوق أحياناً خبرات أقدم منهم، داعياً المؤسسات إلى إعادة النظر في معاييرها، وعدم حصر القيادة بمهارات ليست أولوية مجتمعية. وختم بتوصيات تدعو إلى مراجعة الأنظمة الداخلية، وتعزيز إشراك الشباب في صنع القرار، باعتباره مدخلاً أساسياً لإحداث تغيير حقيقي ومستدام في المجتمع الفلسطيني.