الشريط الاخباري

السلام عليك يوم تموت

نشر بتاريخ: 09-08-2016 | أفكار
News Main Image

الكاتب :بهاء رحال

ليس أمراً عادياً أن نرثيك، وليس من الطبيعي لأي منا أن يكتبك في صفة الغياب، وأنت وحدك من أجاد الرثاء في حضرة الآخرين كما في حضرة نفسه التي استبق غيابها فأنشد لروحه التي رآها تمشي خلف النعش محلقةً، تطوف بين منفى وآخر في محطات العمر وقطار الزمن، كأنه كان يرى ولادة أخرى في ربيع آخر يدركه قبل صيف وبعد موت يبشر بالولادة، والولادة سر الحياة بعد موت في الخريف، حين تتساقط أوراق الأشجار، فتغطي الأرض لتحرسها من مطر الشمال، ثم تنبت ثانية من جديد، - كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة- وكما تعيد الأشياء تشكيل ذاتها بذاتها في موسم الحصاد، حين تكون الأرض حبلى بالحب.

أي أرض تخلو من قصيدتك

عطشى،فمن يروي تراب الحب بيننا

بعد الغياب...

صمت ينادي من خلف جدار الصمت، والوقت تاريخ ولادة لا تاريخ موت، كأن بيننا وعداً أخيراً وصلاة عند باب القيامة بصوتك المخملي تتلو علينا كلام نشيدنا الوطني" سجل أنا عربي"، وتقرأ لنا تراتيل حبك، " على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، وتمنحنا حق الرجوع في الحنين للبلاد" لماذا تركت الحصان وحيداً، وتعود بنا الى تلك المنصة، حيث جاوزت الوداع حين ابتسمت لحيفا، " ليس اجمل من هكذا موت"، وتأخذنا مرات ومرات في مواجهة مع تلك الجندية الحمقاء، "هو أنت ثانية الم اقتلك"، وتخرجنا لحكمتك بكامل صدقها" كم كذبنا حين قلنا نحن استثناء"، وتدربنا على تحمل الوقت، "بكوب الشراب المرصع باللازورد، انتظرها"، وتمنحنا فصلاً كاملاً لا يموت ولا يُنسى" لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي".

بعد شوطٍ من الكتابة، أعود كمن يعود الى حضن حديقة امتلأت بالزنابق، لا أعرف الى أين وصلت، وماذا كتب؟!! وهل حقاً بدأت؟!! أم تقمصت بعض الكلام الذي هو له، كان يقوله وهو المصاب بالأمل، فيرتعش قلبه وينطق القلم، كان يكتبه ليدوننا ولنعيده من بعده يوم يكون الغياب، حالة لا مفر منها ولا هرب، هذا الكلام له، كلام الواقعي يمتطي حصان القصيدة واللغة، وكيف اطاعته؟!! كعاشق وصل السبيل وارتشف منه حبات فرح سقى بها عرش الزمان، وكيف أطاعها؟!! يوم قدم قلبه كاملاً في حضرة الغياب لكنه عاد باسمه الأفقي الشكل والتكوين، عاد يطبع قبلة على خد القصيدة، عاد يبكي زماناً لم نعد فيه عذارى يوم استبحنا دمنا بأيدينا، ووقفنا نشهد فرقتنا وانقسامنا.

هذي البلاد

بلاد الطيبين، صورة كاملة

لمن ينشدون حقهم

في الحياة...

في مثل هذا اليوم غيب الموت عاشق فلسطين، وأحد فرسانها الكبار، شاعر المقاومة والحب، شاعر الارض والإنسان والقضية، شاعر الوجود في ملحمة الاسطورة، الشاعر الكبير محمود درويش، هذا الاسم الذي علا نجماً يضيء سماء القصيدة ولن يموت يوماً لأنه حفظ سر البقاء، فخلد للأبد.

وفي مثل هذا اليوم فقدت البلاد عاشقها، فبكت يوم عاد في كفن، عاد لحضن أمه الأرض التي حملها في قلبه وهناً على وهن، ومضى يجول في المنافي بحثاً عن عناق، عن وطن لم يجد ختمه في جواز السفر، لكن وجده محفوراً في دمه، فنام حيث استراح جسداً وروحاً في آن، ومضى يكتبنا من عليائه ويلقي علينا السلام، هذا السلام حين يمر.

شارك هذا الخبر!