بيت لحم/PNN- واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، عمليات الاعتقال الممنهجة بحقّ المواطنين الفلسطينيين، والتي طالت كافة الفئات، كما واستمرت في تنفيذ جملة من سياساتها التّنكيلية الممنهجة، وانتهاكاتها المنظمة لحقوق الأسرى والمعتقلين التي كفلتها المواثيق والأعراف الدّولية، وبرزت جملة من القضايا خلال شهر شباط/ فبراير 2021، نستعرضها عبر حالات رصدتها المؤسسات المختصة في شؤون الأسرى.
ووفقًا لمتابعة المؤسسات الحقوقية الخاصّة بشؤون الأسرى، فإنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقلت، نحو (415) فلسطينياً/ة، خلال شهر شباط / فبراير 2021؛ من بينهم (68) طفلاً/ة، و(12) من النّساء، ووصل عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة (70) أمر اعتقال إداري، بينها (21) أمرًا جديدًا، و(49) تجديد.
وتشير مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة –القدس) في تقرير صدر عنها اليوم الأربعاء، إلى أنّ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ حتّى نهاية شهر شباط/ فبراير 2021، نحو (4400) أسير، منهم (36) أسيرة، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو (140) طفلاً، وعدد المعتقلين الإداريين إلى نحو (440) معتقلاً.
ويستعرض التقرير جملة من السياسات التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي تنفيذها، منها: استخدام العلاج أداة قمع وتنكيل بحقّ الأسرى، وسياسة العزل الإنفراديّ/ حالة الأسيرات الفلسطينيات في سجن "الدامون"، وسياسة الاقتحامات الممنهجة والظروف الاعتقالية القاسية/ حالة الأسرى في سجن "عوفر"، عمليات الاعتقال الممنهجة بحقّ الشبان، والفتية على وجه الخصوص في القدس.
الأسيرات الفلسطينيات في مواجهة السّجن والسّجان
لا تنتهي معاناة الأسيرات في سجن "الدامون" عند حد التّنكيل والضّغط والتّرهيب والتّحقيق القاسي، بل تستمر عمليات "ابتكار" أدوات وأساليب لإذلالهنّ وقمعهنّ والمساس بكرامتهنّ، حتى حرمانهنّ من الحقّ في العلاج، والرعاية الصحية، وعدم توفير الأدوية اللازمة لهنّ، والمماطلة في تشخيصهنّ، لتمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إضافة إلى فرض جملة من السياسات التّنكيلية عليهنّ، كالعزل الإنفراديّ.
يُغلِقُ سجن الدامونِ أبوابه على (36) أسيرة وهذا مجمل عدد الأسيرات حتى نهاية شهر شباط/ فبراير، من بينهنّ (11) أمًّا و(10) أسيرات مريضات، إضافةٍ إلى (7) جريحات، عدا عن ذلك فإن (25) أسيرة تمّ الحكمُ عليهنّ من بينهنّ (8) أسيرات، حُكمن بالسّجن الفعليّ لمّدة (10) سنوات أو أكثر، و(3) أسيرات معتقلاتٌ إدارياً، فيما ما تزال بقية الأسيرات موقوفات.
سجن الدامون، والذي تأسس إبان الانتداب البريطانيّ وكان إسطبلاً للخيول، غير صالحٍ للعيش الآدميّ، ويفتقر لأدنى متطلبات النظافة والتهوية. ورغم ذلك، تقبع فيه الأسيرات، وتُمارس بحقّهنّ مختلف السياسات المجحفة، والتي تهدف إلى سلبّهنّ حقوقهّن، وأسماها الحريّة، كسياسة الاعتقال التعسفّي، والتعذيب والإهمال الطبّي، والعزل الانفراديّ، والملاحقة السياسيّة للمدافعات عن حقوق الإنسان، وغيرها.
تقول الأسيرة خالدة جرّار المعتقلة منذ 31/10/2019، "أن إدارة سجن "الدامون" ترفض إحضار طبيبة نسائية إلى المعتقل لمتابعة الأوضاع الصحية للأسيرات، وتتعمّد الإدارة عند إجراء الفحوصات الطبية لنّا بين مدد زمنية طويلة ومتفاوته، بنقلنا إلى "الرملة" عبر عربة "البوسطة" وهي تُشكّل رحلة (مميتة وقاسية)، لعدم وجود طبيبة نسائية في سجن "الدامون"، وتتواصل الرحلة لساعات طويلة دون طعام، أو شراب، أو قضاء الحاجة، وفي ظروف خانقة، يبقوننا ونحن مقيدات الأيدي، والأرجل داخل عربة "البوسطة"، ويدخلوا الأسيرات الواحدة تلو الأخرى إلى الطبيبة، بتسويف طويل، وتأخير متعمد يتجاوز الـ 6 ساعات، ما يتسبب بحالة نفسية صعبة وإرهاق جسدي وأوجاع مؤلمة للأسيرات لا سيما الجريحات والمريضات منهن، وكثير من الأسيرات يرفضن هذه الفحوصات بسبب سوء الرحلة، وعذاباتها، ومدتها الطويلة وإهانات السجانين".
وتُجسّد حالة الأسيرة المريضة نورهان عوّاد مثالاً واضحاً على سياسة الإهمال الطبيّ بحقّ الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، حيث أطلقت قوّات الاحتلال النار على عوّاد أثناء عمليّة اعتقالها في تاريخ 23/11/2015، وأصابتها بأربعة رصاصات، واحدة في الفخذ في الرجل اليسرى، وثلاثة في الجانب الأيمن من البطن. ومنذ ذلك الوقت، تعاني عوّاد من أثار هذه الرصاصات وأوجاعها، خاصّة تلك المستقّرة في منطقة البطن، حيث وصفت الوجع للمحاميّة بأنّه أشبه إلى وخزات قويّة. وبعد عام من الاعتقال، تمّ الحُكم على عواد بالسّجن الفعلّي لمدّة 10 سنوات، رغم أنّها كانت مصابة وقاصراً.
تواجه الأسيرات الفلسطينيات سياسات تعسفية أخرى، بما في ذلك العزل الانفراديّ، حيث ادعت إدارة سجون الاحتلال، في تاريخ 10/6/2020، تعديّ أسيرتين (فدوى حمادة، وجيهان حشيمة) على سجّانة، فتّم عزلهما انفرادياً لمدة 72 يومًا في عزل سجن الجلمة. وقبل نقلهنّ إلى سجن الجلمة، تم تقييد أيديهنّ بالقيود البلاستيكية لساعات في غرفة بسجن "الدامون".
وواجهت المعتقلتان الفلسطينيتان صعوبات كبيرة أثناء وجودهما في العزل الانفراديّ، حيث تم احتجازهما في زنزانة 3م*3م، غير نظيفة وغير صحية فيها كاميرات مراقبة تنتهك حقهما في الخصوصية.
وفي شهر تشرين الثاني من العام 2020، تمّ عزل الأسيرة فدوى حمادة مجددًا لمّدة 106 أيام في ظروفٍ مشابهة، وفي عزلٍ تامٍ عن العالم الخارجيّ وعن رفيقاتهّا في الأسر، ورافقتها في العزل من تاريخ 19/1/2021 الأسيرة نوال فتيحة، وعايشت نفس الظروف، حيث تمت معاملتهما معاملة سيئة وتم التلفظ بالشتائم ضدّهما، وتكبيلهما بالأبراش الحديديّة، وعدم الاكتراث لمطالبتهما الحثيثة، ولوضعهن الصحيّ، وحُرمتا من الخروج لساحة الفورة، وبذلك انتهكت سلطات الاحتلال كلّ الاتفاقيات والمواثيق الدولّية، مسببّين ضرراً جسدياً ونفسياً للأسيرات المعزولات، علمًا أنّ إدارة السجون أنهت عزلهما في الـ22 شباط.
واستهدفت سلطات الاحتلال النساء الفلسطينيّات على اختلافهّن، فلم تسلم الأمهّات و/أو الطالبات و/أو المدافعات عن حقوق الإنسان من الاعتقال، منهّن: الأسيرة ختام سعافين (59) عاماً، حيث جسّدت حالتها مثالاً على الملاحقة السياسيّة للمدافعات عن حقوق الإنسان، واستخدام الاعتقال الإداريّ ذريعةً وجود ملف سريّ لا يمكن للمعتقل أو محاميه من الاطّلاع عليه.
وعُرفت سعافين بنشاطها النسويّ والمجتمعيّ، وتشغل سعافين منصب رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينيّة، وعدّة مناصب أخرى. ولطالما اعتبرت سعافين مناضلة مجتمعيّة ونسويّة ونادت بحريّة الشعوب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ودورها في كلّ الميادين، فما كان من الاحتلال إلّا ملاحقتها في محاولةٍ لقمعها وإسكات أي صوت ينادي بحقوق الشعب الفلسطينيّ وحريّته، حيث اعُتقلت سعافين مرتيّن وتمّ تحويلها للاعتقال الإداريّ.
تتطّلع الأسيرات للحريّة، وللعودة إلى عوائلهنّ ودراستهّن وأعمالهّن، كما يتطلّعن إلى العيش بكرامةٍ وممارسة حقوقّهن الأساسية، التي لا يتوانى الاحتلال وسلطاته في انتزاعّهن منّهن وملاحقتهّن، حيث أن الشعب الفلسطينيّ ككّل يعيش الاضطهاد والحرمان من الحقوق في ظلِّ احتلالٍ قائم ونظام فصلٍ عنصريّ موجود.
سجن "عوفر" في مواجهة مستمرة لعمليات الاقتحام والتفتيش الممنهجة
لا تتوقف عمليات الاقتحام والتفتيش الممنهجة بحقّ الأسرى، التي تُنفذها وحدات خاصّة تابعة لإدارة سجون الاحتلال، في كافة السجون، وخلال شهر شباط/ فبراير واجه أسرى سجن "عوفر" مجددًا، عمليات اقتحام وتفتيش، حيث يشهد السجن تصاعدًا في مواجهة هذه السياسة منذ ما يقارب العامين، مقارنة مع السنوات القليلة الماضية، خلالها تستخدم قوات القمع، أسلحة خاصّة، والغاز المسيل للدموع، والكلاب البوليسية، وتخلف خرابًا في مقتنيات الأسرى.
هذا عدا عن الظروف الاعتقالية القاسية، والتي برزت بشكلٍ كبير مؤخرًا، بسبب نقص الاحتياجات الأساسية للأسرى، ومماطلة إدارة السجن في توفيرها، حيث يضّطر الأسرى، إلى الاعتماد بشكلٍ كلي على شراء احتياجاتهم من "الكانتينا"، وبأضعاف الأسعار، وذلك بدًلا من أن تقوم إدارة السجون بمسؤولياتها في توفر احتياجاتهم، في محاولة لاستغلال الأسرى وعائلاتهم ماديًا.
وما زاد من حدة الأزمة، تصاعد عمليات الاعتقال اليومية، والزجّ، بمزيد من الأسرى داخل أقسام خاصّة للمعتقلين الجدد، حيث أن كل معتقل جديد، يحتاج إلى مستلزمات أساسية، وتتّنصل إدارة السّجن من توفيرها، فيضطرّ الأسرى، إلى توفيرها لكل معتقل، لمساعدته في مواجهة ظروف الأسر بعد نقله من مراكز التّوقيف والتّحقيق إلى السّجن.
وتتعمد إدارة السّجن مؤخرًا من قطع الماء عن الأسرى لساعات، وكذلك ترفض توفير المعقمات، ومواد التّنظيف الأساسية، رغم الحاجة الملحة واللازمة لها، في ظل استمرار انتشار الوباء، وخاصّة في سجن "عوفر" حيث يُنقل إليه يوميًا معتقلين جدد.
وعلى مدار الشهور الماضية، وعبر جولات من الحوار وجلسات عديدة تمت بين الأسرى والإدارة، إلا أنّ غالبيتها إما انتهت بالفشل، أو بوعود، ومؤخرًا خلال الجلسات التي عُقدت، هدّدت إدارة السّجن الأسرى، بتنفيذ مزيد من عمليات القمع بحقّهم، وكذلك قمع، ونقل الهيئات التّنظيمية من السّجن.
ونفّذ الأسرى عدة خطوات احتجاجية كانت تنتهي غالبيتها بوعود جديدة من الإدارة في تحقيق مطالبهم، أهمها: وقف عمليات الاقتحام، وتوفير المستلزمات الأساسية لهم.
وهذا من الجدير ذكره، أن قرابة (900) أسير يقبعون في سجن "عوفر" من بينهم (50) طفلًا، يواجهون ظروفًا اعتقالية قاسية، وصعبة كما الأسرى البالغين، وتحرمهم من أدنى حقوقهم الخاصّة بهم كأطفال.
القدس:عمليات اعتقال وتنكيل ممنهجة استهدفت الشبان، والفتية على وجه الخصوص
استمرت سلطات الاحتلال بعمليات الاعتقال والتّنكيل الممنهجة بحقّ المقدسيين، مُستهدفة كافة شرائح المجتمع المقدسي، وبلغت عدد حالات الاعتقال (135)، من بينهم (39) قاصرًا، و(11) من النساء بينهم فتاة قاصر، وتركزت الاعتقالات في بلدة العيسوية، حيث بلغت حالات الاعتقال فيها 31 حالة اعتقال، ونستعرض هنا عددًا من الحالات التي تم توثيقها ومتابعتها خلال شهر شباط في القدس.
الشاب علاء أبو تايه
قدمت النيابة العامة للمحكمة المركزية في شهر شباط / فبراير، لائحة اتهام ضد الشاب علاء أبو تايه البالغ من العمر (22 عامًا)، وهو من بلدة سلوان، و"تضمنت إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، والمشاركة في مواجهات" في البلدة خلال شهر تموز/ يونيو عام 2017.
وكان الشاب أبو تايه أُصيب في الـ 17/7/2017، برصاص الاحتلال خلال مواجهات جرت في البلدة وأدت إلى إصابته في قدمه اليمنى، وأخرى في بطنه، حيث اخترقت رصاصة أمعائه، واستقرت حتى اليوم في الحوض.
وفي حينه، حاصرت قوات الاحتلال، مكان علاجه في مستشفى "المقاصد" لعدة أيام، وبسبب صعوبة حالته الصحية، انسحبت القوات من المستشفى، ولاحقًا اُستدعي للتحقيق عدة مرات وخضع لجلسات من التحقيق في حينه، حول الإصابة والمواجهات، وبعد (4) سنوات تم تقديم لائحة بحقه، وتتم إجراءات المحاكمة دون اعتقاله فعليا.
علمًا أنه ما يزال يعاني من أوجاع في أطرافه السفلية، وفي البطن، ويتناول الأدوية، والمسكنات، ويمشي على العكازات.
الشاب أحمد أبو سبيتان
أصابت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الشاب أحمد سامي أبو سبيتان (18 عامًا)، خلال لعبه مع أصدقائه في الثلج، بالقرب من بلدة العيسوية، وأُصيب برصاص مطاطي، في قدمه من الخلف، والثانية من الأمام، واعتدت قوات الاحتلال عليه بالضرّب المبرّح وحُقّق معه.
وبعد احتجازه لساعات، ومطالبته المتكررة بعلاجه وإسعافه، تم تحويله فجرًا إلى المستشفى، حيث رفضت القوات المرافقة له تحويله لإجراء صورة أشعة لمكان الإصابة، رغم تأكيد الطبيب الحاجة لذلك، واكتفوا بالفحص وتضميّد مكان الجرح، وأُفرج عن أبو سبيتان بعد يومين من التوقيف، بشرط الحبس المنزلي لمدة 5 أيام، وكفالة.
وجددت مؤسسات الأسرى، مطالبها للمجتمع الدّولي، والمؤسسات الحقوقية الدّولية، بالضغط على سلطات الاحتلال في مسار يكون أكثر فاعلية وجدية، لوقف انتهاكاتها المستمرة، بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ووقف عمليات الاعتقال الممنهجة التي تستهدف كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني، مؤكدة على أنّه وفي الوقت الذي تعيش فيه البشرية، ظرفًا استثنائيًا مع استمرار انتشار وباء (كورونا) فإنّ سلطات الاحتلال واصلت كافة أشكال الانتهاك بحقّ المواطنين الفلسطينيين، بل وصعّدت منها.