الشريط الاخباري

في مواجهة الاستراتيجية الصهيونية بقلم د. مصطفى البرغوثي

نشر بتاريخ: 05-10-2021 | أفكار
News Main Image

المنظومة الصهيونية أكبر وأوسع من إسرائيل وحكوماتها، ولكنها تشملهم، كما تشمل امتدادات واسعة في كل العالم، وهي تمارس استراتيجية من ستة عناصر ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

العنصر الأول: حملة القمع الواسعة ضد المقاومة الفلسطينية بأشكالها كافة، من عمليات الاغتيال والقتل والتدمير، إلى استخدام الرصاص الحي ضد مظاهرات المقاومة الشعبية مما أدى إلى استشهاد ثمانية شهداء في بيتا وحدها خلال ثلاثة أشهر، إلى تنفيذ حملات اعتقالات واسعة ويومية في كافة مناطق القدس والضفة الغربية، واستخدام سلاح الاعتقال الإداري غير القانوني، فترات غير محدودة.

والغرض من ذلك كله نشر حالة من الرعب والتخويف وكسرروح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، من دون الاتعاظ من حقيقة أن كل وسائل القمع على مدار أكثر من سبعين عاماً لم تزد الفلسطينيين إلا إصراراً على المقاومة.

العنصر الثاني: محاولة تدجين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال وتخديرهم بالأكاذيب عن مشاريع التحسين الإقتصادي، في تكرار لما ورد في "صفقة القرن"، بطرح الحلول الاقتصادية بديلا للحلول السياسية، وحق الفلسطينيين في الحرية.

العنصر الثالث: وهو الأخطر، يتمثل في محاولة كيَ الوعي الفلسطيني، وخصوصا لدى جيل الشباب، بنشر التطبيع الثقافي مع الاحتلال ومكوناته، والعمل المنهجي لتزوير الرواية والتاريخ الفلسطيني، وترويج الأسرلة بين المواطنين الفلسطينيين في الداخل والقدس والأراضي المحتلة. وتتطلب هذه الهجمة من كل قوى المجتمع الفلسطيني السياسية والمدنية تصديا منهجيا ومتواصلا، وخصوصا ما يتعلق بتعزيز الرواية الفلسطينية وتثقيف الأجيال الشابة بها.

العنصر الرابع: عمليات تغيير الواقع على الأرض عبر نشاطات الاستيطان الاستعماري الذي كان دوماً الأداة الرئيسية لإنشاء الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، بالإضافة إلى أدوات أخرى كشق الطرق الإلتفافية، وطرق الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتكرة من الإسرائيليين، والحواجز التي لا تقل عن ستمائة وخمسين حاجزاً عسكرياً، وجدار الفصل العنصري الذي التهم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى عمليات مصادرة الأراضي، والاستيلاء على أملاك الغائبين، واستخدام وثائق بيع مزورة لتشريع استيلاء المستوطنين على الأراضي الفلسطينية.

وتضاف إلى ذلك عمليات التطهير العرقي والتهويد في ما يسمى مناطق (ج) حسب اتفاق أوسلو والتي تضم ما لا يقل عن 63% من أراضي الضفة الغربية، وكذلك محاولات فرض وقائع جديدة في الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية، مثل كنيسة القيامة والمسجد الإبراهيمي في الخليل، والمسجد الأقصى الذي يتعرض لعمليات اقتحام متواصلة من المستوطنين اليهود، وما تجرأت على فعله حكومة نفتالي بينت بالسماح لليهود بأداء الصلوات فيه.

العنصر الخامس: والذي يستخدم لتعزيز العناصر الأربعة الأولى، يتمثل في محاولة نزع إنسانية الفلسطينيين بوصمهم بالإرهاب، والتخلف، وانعدام الديمقراطية والانقسام الداخلي، مع تركيز خاص على محاولة حرمانهم من حقهم في المقاومة بكل أشكالها، فالمقاومة المسلحة توصف بالإرهاب، والمقاومة الشعبية بالعنف، والمقاومة الفكرية والثقافية بالتحريض، ويشمل ذلك حملة مسعورة ضد المناهج الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني التي تقدم الإغاثة والمساعدة الصحية والتعليمية والزراعية، وسرقة أموال الضرائب الفلسطينية بحجة دفع ما يماثلها لأُسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي، حتى لو كانوا مثل رزان النجار الشابة الصغيرة التي أطلق الرصاص عليها، وهي تسعف جرحى مسيرات العودة وكسر الحصار، أو الشاب ساجد مزهر من مخيم الدهيشة الذي قتله جنود الإحتلال وهو يسعف الجرحى كذلك.

محاولات نزع إنسانية الفلسطينيين ترمي إلى تحويلهم من ضحية للاحتلال والتطهير العرقي، والتمييز العنصري، إلى معتدين وإرهابيين، وتصوير إسرائيل التي تحتل أراضيهم وتقمعهم بالضحية.

العنصر السادس: محاولة عزل الفلسطينيين، بكل مكوناتهم واتجاهاتهم، من خلال التطبيع مع كل من المحيط العربي و الإسلامي، والأفريقي على حساب القضية الفلسطينية ، والعمل على تهميش القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، مع تقزيم الموضوع الفلسطيني في إطار الصراعات الإقليمية، وتجلى ذلك في خطاب نفتالي بنيت رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العام للأمم المتحدة بتجاهله التام للموضوع الفلسطيني، وتركيز خطابه على الصراع مع إيران.

من الضروري لكل فلسطيني وعربي فهم الاستراتيجية التي تبنتها المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية، ولكن ما لا يقل أهمية، التفكير بكيفية التصدي لها بعد وصفها وتحليلها، والتخطيط لذلك.

ولا يتسع هذا المقال، لكل ما هو مطلوب، ولكن هناك خطوات أساسية لا يمكن بدونها النجاح في التصدي لما تقوم به هذه المؤسسات.

أولها ضرورة إيجاد توافق وطني فلسطيني عريض حول استراتيجية وطنية كفاحية، بديلة لنهج أوسلو الذي فشل، وجعل ذلك التوافق أساساً لإنهاء الإنقسام الداخلي وتحقيق الوحدة الوطنية، وبلورة قيادة وطنية موحدة للنضال الفلسطيني.

ويشمل ذلك إعادة بناء الديمقراطية الداخلية المفقودة، بإستعادة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، حقه في إنتخاب قياداته، واختيار الرؤية السياسية الأنسب لمصالحه، وذلك من شأنه سحب البساط من تحت أقدام الدعاية و الادعاءات الإسرائيلية.

ويمثل العمل على الصعيدين العربي والدولي في ترويج الرواية الفلسطينية، ومكافحة كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي، وسيلة بالغة الأهمية لتعزيز النجاحات التي تحققها حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني، مثل قرار حزب العمال البريطاني، إدانة نظام الأبرتهايد والتطهير العرقي الإسرائيلي والدعوة لفرض عقوبات عليه، والتحول الواسع داخل التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وقرارات صناديق استثمار عالمية سحب استثماراتها من الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية، بالإضافة إلى تصاعد نشاط ونفوذ حركة المقاطعة وفرض العقوبات على نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.

ولا يوجد وصف قادر على حشد التضامن مع الشعب الفلسطيني في عصرنا، مثل وسم المنظومة الإسرائيلية بالأبارتهايد، وتذكير العالم بما نفذته من تطهير عرقي واحتلال عسكري ما زال مستمراً ضد الشعب الفلسطيني.

تعاني الحركة الصهيونية من أزمة عميقة، بحكم صمود الشعب الفلسطيني وبقائه على أرض وطنه، على الرغم من كل عمليات التطهير العرقي والتهجير، و كل عناصر الاستراتيجية التي تستخدمها، ونتيجة ذلك أن الوجود الديموغرافي الفلسطيني صار مساوياً أو يتجاوز بقليل الوجود اليهودي الإسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية، وهو وجود يتصدى بمقاومته للاستراتيجية الصهيونية، ويتعزز بوحدة مكوناته التي رأينا مظاهرها في معركة القدس، والتضامن مع الأسرى...وفي الوقت الذي يبدو فيه طريق المفاوضات مسدوداً بالكامل، فإن دروب النضال الفلسطيني محلياً ودولياً، مفتوحة على مصراعيها.

شارك هذا الخبر!