بيت لحم/PNN- سيرين خالد- السجن بشكل عام هو فضاء لحجب الحرية وتحييد الانسان الفلسطيني وكسره وقمعه، من قبل الأجهزة الأمنية الاستعمارية الاستيطانية وبالتالي تجسيد مفهوم الرقابة والعقاب، والسعي لتفريغ المناضلين من محتواهم الوطني وهو ما يطلق عليه الاسرى بالعموم ان الأسير قابع في بطن الحوت.
لحظات الاعتقال
تعرضت لثلاث اعتقالات مجملهم بلغت مدة الاسر خمس سنوات ومعظمها تجسدت بالاعتقال الإداري، حيث كان يتم اقتحام منزل عائلتي في كل مرة من قبل عشرات الجنود المدججين بالسلاح واذكر في احدى المرات التي تم اعتقالي بها كان الجنود يقتادون سيارة مدنية.
وفي كل مرة كان يتم تكسير المنزل وتفتيشه والاعتداء علي وعلى افراد العائلة ومن ثم اقتيادي مكبلاً بعد ان يكونوا قد رفضوا ارتدائي ملابس شتوية خاصة ان كل الاعتقالات كانت تكون في فصل الشتاء، حيث كان يتم الاعتداء علي بالضرب من قبل الجنود خاصة في الاليات العسكرية التي كانوا يقتادونها، ومن ثم يتم تحويلي للاعتقال الإداري وزجي بالسجن.
الاعتقال الإداري
الاعتقال الإداري يندرج تحت المادة ١١١ من قانون الطوارئ البريطاني الصادر عام ١٩٤٥، والذي يعتبر اليوم "سيف مسلط على رقبة كل فلسطيني" حيث يعتبر اعتقال مجحف وقسري ولا يتم تقديم الأسير الى المحاكمة او توجيه أي تهمة له وهذا ما حصل معي، حيث انه كان بالنسبة لي صعب معرفة سبب الاعتقال وكذلك للمحامي الخاص بي، حيث ان المخابرات تتحدث وتسمي ان هذا الشخص خطر على امن المنطقة وتعطي تسمية لملفه بانه ملف سري لا يحق لأي احد يراه.
اذكر في اعتقالي الأخير عام ٢٠٢٠ تم اعتقالي واقتادوني للاستجواب لدى شرطة الاحتلال، وهناك قال لي المحقق ان الأسئلة هي ذاتها التي وجهت لي عام ٢٠١٨ اثناء اعتقالي وان كنت ارغب ان ابقى على ذات الإجابات، أي انه لم يتم توجيه لي أي سؤال وهذا يبين ان الأسئلة مبنية على الشك والاشتباه، وبذلك تم تمديدي اكثر من ثلاث مرات في كل اعتقال.
اذكر في مرة من المرات كنت قد انهيت عاماً كاملاً تحت الاعتقال الإداري في السجن، وفي اليوم الذي يفترض الافراج عني جاءني قرار من المخابرات بانه تم تمديدي ست شهور.
يعتبر الاعتقال الإداري من الجرائم المنظمة من قبل دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين كباقي الإجراءات التعسفية خاصة المرتبطة بقانون الطوارئ مثل الابعاد القسري الذي تعرض له الكثير من المناضلين.
في حالة الاعتقال الإداري يتماهى المخابرات مع القضاء مع باقي الأجهزة الأمنية للاحتلال للإبقاء على الأسير أطول مدة ممكنة داخل السجن لتظهر المحكمة مجرد ديكور او محاكمة صورية شكلية، ليس فيها أي قرار منصف بحق الأسير وانما حديث بالعموميات في محاولة لإظهار الأسير على انه إرهابي.
وقد امضى عدد من الاسرى سنوات طويلة من أعمارهم تجاوزت العشرة سنين برسم الاعتقال الإداري، ابرزهم كان علي الجمال الذي امضى سبع سنوات دفعة واحدة في الاعتقال الإداري.
وبهذا الخصوص كنت قد خضت معركة الاضراب الإداري ورفضا له عام ٢٠١٩ والذي استمر أربعون يوماً.
حياة الأسير داخل الأسر
السجن هو الفضاء الاستثنائي الذي يمارس فيه السجان عملياً القهر والتنكيل والتعذيب المعنوي والجسدي بحق الانسان الفلسطيني، ولكن بالرغم من هذا الامر فان تجربتي داخل الاسر لا تنطوي فقط على هذا البعد وانما ترتبط بشكل أساسي بكيفية تحويل السجن الى فضاء لصياغة الانسان الجديد عن طريق تطوير الوعي ومداركه، ولهذا في السجن يسير الاسرى على قوانين ناظمة سواء للعلاقة بين جميع الاسرى او للحياة داخل الاسر.
يتم ترتيب الأوضاع وتحسين العلاقات بين الفصائل وبناء العلاقات والنسيج بين جميع الاسرى وفيما يتعلق بالظروف المعيشية يتم تنظيم أوقات النوم بحيث يستيقظ الجميع الساعة التاسعة صباحاً، واوقات الهدوء كانت الساعة الثانية عشر ليلاً، على الصعيد الاخر وهو الأهم التأكيد على أهمية البعد الثقافي بحيث يتم عقد ندوات وجلسات بشكل يومي في ساعة محددة ومطالعة الكتب التي تصل الى السجن من الخارج.
حالة الانحدار القيمي الوطني التي تمثلت بثقافة أوسلو الفردانية والانا والمشهدانية، استطاع الأسرى تجاوزها من خلال التأكيد على تملكهم للاستعداد للتضحية والايمان بعدالة القضية وحتمية النصر ورفض الخطاب البكائي الذي لا يرى بالأسرى الا جموع تنتظر الفرج ويتجاوز وصفهم حالات كفاحية ثورية تشكل طليعة مجتمعاتهم وتمثل النموذج التضحوي، من خلال ممارستهم العملية النضالية.
وبهذا الشكل كما أشار "وليد دقة" ظل جميع الاسرى محافظين على جماعيتهم وروحهم الوطنية رافضين ما اطلق عليه "وليد دقة" "صهر الوعي" اي غسل الادمغة ونزع التسييس واستدخال ثقافة الهزيم، حيث ظل الأسير نداً رافضاً للاحتواء والتدجين وهو ما يعتبر من تجليات الثقافة الوطنية وتعبيرات الهوية الوطنية التي تشكل الحامي للكل الفلسطيني من السقوط في حبائل السياسات الممنهجة للاستعمار.