بقلم: عيسى قراقع استشهد شيخ الأرض المناضل ورمز المقاومة الشعبية سليمان الهذالين (75 عاما) يوم 17/1/2022 بعد ان تعرض للدهس المتعمد من قبل شاحنة عسكرية إسرائيلية يوم 5/1/2022 في قريته البدوية "ام الخير" بمسافر يطا جنوب محافظة الخليل خلال مقاومته ودفاعه عن ارض القرية ومنازلها والتصدي لسياسة التهجير والطرد القسري. خمسة عقود وشيخ الأرض سليمان الهذالين يقارع المحتلين والمستوطنين وهمجيتهم بعصاه التي يتكئ عليها رافعا العلم الفلسطيني في وجه الجنود المدججين بآلات القمع والقتل، كان حارسا للأرض يحميها بعباءته وصرامته ويتقدم الى الامام بحطته البيضاء المنسدلة على كتفيه وبصوته البدوي الصلب الهادر، كان جيشا على خط الدفاع الأخير، نموت ولكنهم لن يمروا.
"أنا الارض لا تحرميني المطر" قالها شيخ الأرض لتلك السحابة التي مرت فوق فضاء تجمعات مسافر يطا في أقصى الجنوب، فهل هي نبوءة ان تنفجر السماء مرة واحدة بعد استشهاده ثلجا وامطارا وغضبا وبردا، أطبقت دجى ودخانا وجهاما على القتلة المجرمين؟
هل هي نبوءة ان نرى زيتونة عتيقة مثمرة منتصبة تتحرك في شقوق الأرض، تتصدى للجرافة والدبابة ولوحوش البر على هيئة انسان عجوز يسمى سليمان الهذالين؟ يلوح بعلم ومجرفة وينتصب ككتيبة في وجه الطغاة الحاقدين، يطردهم بعصاه الخروبية، عمري اكبر من عمر دولتكم، لا طريق لكم الا فوق ارواحنا الثائرة.
انا الطابو والهوية، انا الزمان والمكان هنا، انا لحم الأرض وعظامها، انا التراب والحصى والرمل والينابيع الدافقة، انا القديم القديم، البيت والبرهان والتاريخ والحقائق الدامغة، حياتي تسير امامي وحياتكم أيها الغزاة البرابرة تنحدر الى الهاوية.
أحفادي اكثر من سلالتكم كلها، أيها القادمون من الخرافة والعدم، بلا رائحة ولا قومية وبلا عائلة، أيها المخلوقون في مصانع الموت وفي المعسكرات والحرب، القادمون الينا من مدارس العنصرية والكراهية، لا حضارة تدل عليكم، لا منفى استوعبكم ولا كبشا افتدى خطاياكم، مرضى تائهون خائفون لا ترون العالم الا من فوهة بندقية، دونيون قضيتم حياتكم خلف الجدار، فوق البرج المسلح، حياتكم أداة ووظيفة استعمارية.
في يدي حجر وتحتي حجر، انا الأول والأخير في هذه البلاد، لا تدخلوا الأرض التي لا تعرفكم، لا تعبثوا بما ليس لكم، الشوك والعشب والدوالي والبلوط والزعرور والمقامات وصوت الغزال في البراري، كل ما على هذه الأرض يكرهكم ويجفل منكم، الطير والفراش والنحل والندى ودودة القز وحرير اللوز والزعتر في حقولنا العامرة.
لا شيء هنا يشبهكم، خذوا وعدكم المزيف واسفاركم وتوراتكم ومعابدكم وهلوساتكم وعودوا الى ربكم المسلح في لهيب يوم القيامة، تحت قشرة هذه الأرض ينام اجدادنا وشهداؤنا وابناؤنا، تحت جلدتها تنام قرانا التي دمرتموها وشردتم أهلها، تحت هذه الأرض بحر من دمنا وصراخنا، أولادنا وبناتنا ومحاريثنا وجمرات مواقدنا وقهوتنا وانفاسنا فلا تختنقوا بنا.
ارحلوا عن هذه الأرض المباركة، كل ما فيها ينتفض، "لو صبت جهنم فوق رأسها لهبت واقفة"، الأرض لا يسكتها الاستيطان والهدم والنسف والابتلاع والسرقات، الأرض لا تموت ولا تتحول ولا تقايض ولا تتبدل، الأرض هي الكائن الوحيد الذي لا يفنى، ارضنا روايتنا، لنا الامس والغد والحكاية كلها، كلامنا منقوش على الورد والغيم والفأس والضوء واللغة.
كلما حفرتم وجرفتم في هذه الأرض وجدتمونا، وجدتم سيوفنا وخناجرنا وعظامنا وفخارنا وجماجمنا واسماءنا واشباحنا وعيوننا المفتوحة، وجدتم قمحنا وعسلنا وزيتنا وملابسنا، لا هيكل لكم في هذه الأرض، لا نبات ولا جماد ولا حطام، هنا عظام اسلافنا الغابرة.
لستم اكثر من دولة أنشئت للإبادة، ظلالكم موحشة، كلما تحركتم تركتم وراءكم جريمة، كم بساتينا قصفتم وحرقتم اعمارها؟ ومدرسة وقرية ومخيم ومدينة، كم قمرا اطفأتم لياليه الجميلة، كأنكم خلقتم اعداءً للإنسان وللجمال وللأخلاق والطبيعة.
كم حربا ستخوضون حتى يكون لكم دولة ونشيد؟ كم مذبحة وعدوان وحفلات عسكرية؟ كم رصاصة في بيت النار؟ فلسطين كلها صارت ميدانا للتدريب، مسرحا للغارات والمتفجرات والسجون والحواجز والمحاكم والاعدامات الميدانية، دولتكم يجرها جنزير مصفحة، دولة مغلقة داخل معسكر متضخم بالحديد واسلاك الفاشية الفولاذية.
تعالوا الى سكان مسافر يطا تجدوني، عمروا سلاحكم، استنفروا، جهزوا بلدوزراتكم، مارسوا مهماتكم وهيبة وجودكم القائمة على حد السيف، انجزوا بطولاتكم القومية بالقتل والسطو والاعتقال والمجزرة، اقتلوا الأغنام، جففوا المراعي، اهدموا الخيام، صادروا خزانات المياه، امطروا الأرض بالرصاص في هستيريا مذهلة.
تعالوا الى قرية ام الخير التي هدمتموها اكثر من 15 مرة، وفي كل مرة تقوم وتنهض وتتعافى، تجدوني هناك ابني سنسلة، ازرع شجرة، احفر بئرا، ام الخير تعيش الحياة وتنتج الحياة، مستوطنة "كرمئيل" المقامة على ارضنا المغتصبة تعيش في العتمة والرعب كأنها مقبرة، كرمئيل بنيت فوق الأرض الضحية، كابوس يطاردها كلما حركت الأرض يديها والقت علينا التحية.
انا الشيخ سليمان الهذالين، انا البدوي الصخرة، احتلالكم ليس قدرا، والأرض من حولي حبلى بالانتفاضات والمواسم العامرة، الأرض تخرج عن مدارها وتقرر مصيرها مع شعبها وتكسر الدائرة.
انا الشيخ سليمان الهذالين، انام على الأرض، في الكهف وتحت الصفيح وفوق الاخشاب، اضربوا واعتدوا وهدموا واعتقلوا ادعسوني فالأرض ثوبي وجسدي، الأرض روحي وكفني، لن تنتصروا على ارض في جسد وذاكرة. انا الشيخ سليمان الهذالين، ادخلوا قرية ام الخير البدوية، تجدوني امامكم علما وعكازة وارادة حياة وآيات رحمانية وكوفية، احمل الأرض معي حيا في الدنيا وشهيدا في الآخرة.