PNN/يرتبط باليه القطار الأزرق Le Train Bleu بلوحة «امرأتان تركضان على الشاطئ» لبابلو بيكاسو. فهي أول ما يظهر أمام الجمهور على خشبة المسرح، كأنما ينطلق كل شيء من وحيها، وللفنان الإسباني والرسام العظيم صاحب المكانة الرفيعة والشهرة الواسعة، مساهمات أكبر من ذلك في فن الباليه. كانت تتم عادة مع صديقه جان كوكتو الكاتب الفرنسي، والشاعر والناقد، والفنان المسرحي والسينمائي، الذي وضع أكثر من فكرة للباليه، وألف أكثر من سيناريو لهذا الفن. ومن أشهر الأعمال التي جمعت بين بابلو بيكاسو وجان كوكتو في هذا الميدان، كان باليه باراد، الذي أحدث جدلاً وضجيجاً، عندما عرض للمرة الأولى في باريس عام 1917، بل إن الأمر وصل إلى نشوب معارك وخلافات نقدية، ومشادات كلامية وبدنية أيضاً، وفي باليه باراد قام بيكاسو بتصميم المناظر والمجسمات المتحركة ورسم الملابس، وطغى بتأثيراته البصرية، وعلى رأسها اللون الأزرق، على عناصر الباليه الأخرى كافة، فبدا العمل كلوحة من لوحاته، لكنها كانت لوحة راقصة متحركة. أما باليه القطار الأزرق، الذي عرض للمرة الأولى على مسارح باريس عام 1924، فيقل فيه تأثير بيكاسو بصرياً. وإن كانت أجواء السيناريو الذي ألفه جان كوكتو، لا تبتعد كثيراً عن لوحة بيكاسو «امرأتان تركضان على الشاطئ» Deux femmes courant sur la plage فاللوحة التي يغلب عليها اللون الأزرق كبحر وكسماء، تصور امرأتين تمسك كل منهما بيد الأخرى، بينما تطلق جسدها ببعض أجزائه العارية، في مواجهة الهواء الذي يداعب ذلك الجسد ويحرك شعرها ويعبث بثيابها الخفيفة. وهي تستمتع بذلك، وتشعر بالحرية وبالاندماج مع الطبيعة روحياً وجسدياً، وهي تلامس الرمال بقدميها. والقطار الأزرق هو قطار ينقل مجموعة من الشباب والفتيات، إلى أحد الشواطئ الفرنسية لقضاء إجازتهم الصيفية. وعلى ذلك الشاطئ تدور أحداث الباليه وتؤدى رقصاته. وقد ظهر هذا الباليه بعد عامين من إنجاز بابلو بيكاسو للوحته الشهيرة، التي سبقت إلى عالم الوجود الإبداعي، وعبرت عن أجواء المرح والانطلاق التي تكون موجودة عادة في الصيف على الشواطئ. أما السيناريو الذي ألفه جان كوكتو، فهو غريب إلى حد ما، كبقية أعماله في فن الباليه، ومنها باليه باراد، وباليه الفتى والموت، فلا يمكن القول إنها مفهومة تماماً، وواضحة كل الوضوح. حتى إن بدت الفكرة بسيطة تخلو من الحبكات والعقد والصراعات الدرامية، لكن يظل بعض الغموض يلف أحد جوانبها، وقد صار هذا الغموض سمة تميز عالم جان كوكتو في فن الباليه. ومن أهم ما يميز باليه القطار الأزرق، هو وجود اسم مصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل، بين أسماء الفريق الذي قام على تنفيذه. وكان دورها بالطبع هو تصميم ملابس الراقصين والراقصات، التي كانت بلا شك تنتمي إلى أحدث صيحات الموضة، وقت عرضه للمرة الأولى في حقبة العشرينيات من القرن الماضي. وتحديداً ملابس الفتيات، اللاتي حررتهن كوكو شانيل، وصممت لهن ثياب البحر التي كانت جريئة في زمنها، لكنها اليوم تبدو محتشمة ومتحفظة إلى حد ما. وقد اعتمدت كوكو شانيل، على اللون الأزرق في ملابس البحر لمجموعة الراقصين من الرجال، وكان التصميم موحداً، من حيث اللون وبقية التفاصيل. أما الراقص المنفرد، أو الشاب الوسيم، فقد منحته تصميماً مختلفاً لثياب البحر، تغلب عليه الألوان الزاهية الدافئة. أما الراقص المنفرد الآخر، أو لاعب الغولف، فصممت له ثياباً رياضية مرتبطة بزمنها بالطبع، وتبدو وفقاً لمعايير ومقاييس الزمن الحالي، كملابس رسمية خانقة.
وتقوم فكرة الباليه على مجموعة من الرجال والنساء، يقضون إجازتهم الصيفية على شاطئ البحر، ويبدأ برقصة جماعية هي رقصة الافتتاح. التي تنتهي بأن يحمل كل راقص فتاته، بعد القيام بالعديد من التشكيلات الجسدية، والحركات التي تقترب من التمارين الرياضية أكثر من الرقص.
وكذلك ميزت كوكو شانيل، الراقصين المنفردين في هذا العمل، بملابس مختلفة عن المجموعات الراقصة من النساء. فتظهر الراقصة المنفردة، لاعبة التنس، بثوب رياضي أبيض اللون، طويل وواسع إلى حد ما ومنخفض الخصر. وقبعة بيضاء مفتوحة على الرأس، وكذلك منحت الراقصة المنفردة الأخرى، مصممة المجوهرات، ملابس البحر الفاخرة متعددة القطع، زاهية الألوان. وتألقت المجموعة النسائية الراقصة بثياب البحر المبهجة التي توحي بالمرح. واعتمدت كوكو شانيل، على الخطوط العرضية في جميع الملابس تقريباً، وكان لهذه الخطوط متعددة الألوان التأثير البصري الواضح، سواء عند تجمع الراقصين في تكويناتهم وتشكيلاتهم الجسدية، وفي تفرقهم أيضاً من أجل خلق تكوين واسع على خشبة المسرح ككل. ولم تكن كوكو شانيل هي الأنثى الوحيدة وسط فريق هذا العمل، فإن الرقصات من تصميم الراقصة البولندية برونيسلافا نينسكا. وكان بقية الفريق من الرجال، ومنهم الموسيقار الفرنسي داريوس ميو، الذي ألف موسيقى الباليه. وباليه القطار الأزرق هو باليه من فصل واحد، تقل مدته عن نصف الساعة، وكان جان كوكتو يميل إلى باليهات الفصل الواحد، وتدور معظم أعماله خلال هذه المدة القصيرة التي لا تتجاوز نصف الساعة تقريباً. وتقوم فكرة الباليه على مجموعة من الرجال والنساء، يقضون إجازتهم الصيفية على شاطئ البحر، ويبدأ برقصة جماعية هي رقصة الافتتاح. التي تنتهي بأن يحمل كل راقص فتاته، بعد القيام بالعديد من التشكيلات الجسدية، والحركات التي تقترب من التمارين الرياضية أكثر من الرقص. وبعد هذه الرقصة الجماعية، تبدأ أولى الرقصات الفردية، عندما يدخل الشاب الوسيم، ليستعرض جسده الممشوق، وقوته البدنية، ويؤدي بعض الحركات الأكروباتية. ويظهر كذلك قوة ذراعيه، عندما تتعلق فتاة بكل ذراع منهما، ويحملهما للحظات. وتتوالى قفزاته السريعة واستعراضاته، إلى أن تظهر مصممة المجوهرات، بثياب السباحة الفاخرة، فيزيد الفتى الوسيم من حركاته الماهرة للحصول على المزيد من الإعجاب، ثم يرقصان معاً أولى الرقصات الثنائية في الباليه. وتنتهي بدخولهما إلى الشاليه الخاص بالفتى الوسيم، ثم يخلو المسرح تماماً قبل دخول لاعبة التنس، التي تؤدي رقصتها المنفردة، التي تعتمد على الكثير من حركات لاعبي التنس بالفعل، كتحريك القدمين قليلاً يميناً ويساراً، ووضع الاستعداد للضربة الأولى، وتلقي الكرة التي يضربها المنافس، وتعتمد الراقصة على مضرب تمسكه بيدها، في أداء بعض هذه الحركات. وكذلك يؤدي لاعب الغولف رقصة منفردة، ممسكاً بمضربه هو الآخر، ويحاكي بعض حركات رياضة الغولف. ويتم تبادل العشق بين هؤلاء الأربعة، واكتشاف الخيانات المتبادلة، والتعبير عن الغضب، وانفضاح الأمور أمام المجموعات الراقصة، ثم ينتهي الباليه وكأن شيئاً لم يكن بالمزيد من اللهو والمرح.
كاتبة مصرية