جنين / PNN/ فيديو يارا منصور - تحرير النص دينا العرجا - من مدينة جنين بدأت حكاية جمعية “نملية من زمان – شغل ستّي وستك”، التي أسستها السيدة هيام أبو زهرة عام 2003، تخليدًا لفكرة ابنها الشهيد عماد أبو زهرة، والذي كان يرى أن حماية التراث الفلسطيني ليست مجرد حفظ لماضٍ قديم، بل فعل مقاومة لحماية الهوية وتأكيد الوجود.
وقالت هيام أبو زهرة إن الجمعية انطلقت من إيمان عميق بأن التراث يمثل الجذور التي يستند إليها الشعب الفلسطيني، وأن غيابه يعني فقدان جزء من الهوية.
وأشارت إلى أن ابنها الشهيد كان يؤكد دائمًا أن الموروث الشعبي هو الذاكرة الحية للفلسطينيين، وأن نقله بين الأجيال شكل من أشكال الصمود الثقافي والاجتماعي.
الشغف بالتاريخ والتراث دفعها لاكمال الطريق
وأوضحت أن شغفها بالأشغال اليدوية بدأ منذ سنوات عملها في التعليم، حيث كانت تقضي ساعات الليل في التطريز وصناعة المشغولات اليدوية رغم مسؤولياتها العائلية.
و توضح، أن اختيارها للتسمية ، كونه " تجسيد لهدف الجمعية والتراث الوطني الذي " يحمل عبق وتاريخ فلسطين . فهي تعبر عن جمالية الوقت الماضي بتراثنا واسرار هذا التراث الجميل الذي لا أستطيع نسيانه ، وعلينا أن نكافح ليبقى حياً ، فالنملية ، كانت بديلاً للثلاجة ، وموجودة في كل منزل ، ولم تكن مكلفة ومعقدة ، وتستخدم ببساطة ، ونتائجها فعالية ومفيدة وتخدم الجميع ، بعكس اليوم ، فكل شيء مكلف ومرهق خاصة للاسر الفقيرة ومحددودة الدخل ".
هذا هو سبب التسمية للجمعية
وذكرت أن سبب تسميتها بالنملية ، كونها كانت تغلق بطريقة محكمة حتى لا تدخلها الحشرات، ولا تستطيع الحيوانات التي كانت تربى في المنازل قديما، الدخول اليها ، ولشدة احكامها لدرجة ان النمل لايستطيع الدخول اليها ،ولهذا السبب سميت النملية ، التي شكلت الوسيلة الوحيدة لأجدادنا لحفظ الطعام وتخزين المؤن قبل اختراع الثلاجة فى العصر الحديث ،
وتضيف " لم يكن يخلو منها أي منزل، وتوضع بالمطبخ، وشكلت في بعض الأزمنة ، جزء أساسيا من جهاز العروس قديماً ، وصندوق العروس الذي تهديه لها أسرتها ، ويخرج معها وقت زفافها من أجل حفظ ملابس العروس وحفظها للطعام ، فقد استخدمت لحفظ كل ما هو غالى وثمين".
وبحسب ما اشتهرت فيه، واستخدمت لأجله، توضح هيام أن النملية التي اعتبرت جزءا اساسيا من مقتنيات المنزل الاساسية، كانت تصنع وتجهز لدى النجارين ، وتتألف من ثلاثة طوابق، قسم لحفظ الطعام وقسم آخر لحفظ الملابس، والجزء السفلى لوضع مرطبانات المخلل والاجبان، اضافة الى وجود جارورين، لوضع المعالق والسكاكين ومستلزمات الطبخ ، وتضيف" القسم الاول العلوي ، يوضع له باب من المنخل من اجل التهوية وحفظ الطعام، وكانت بديلا للثلاجة وللخزانة".
و بالعودة للتاريخ ، تتذكر الناشطة أم عماد ، أن النملية ، ظهرت القرن الماضي ، وانتشرت على نطاق واسع خلال مراحل ما بعد وقبل النكبة عام 1948 ، وبقيت موجودة برونقها وفعالياتها وخدمتها للناس حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي ، منوهة ، بأن البعض ، ما زال حتى اليوم ، يحتفظون بالنملية في منازلهم ويستخدمونها .
استشهاد ابنها دفعها لتطوير مشروع ابنها
وبعد استشهاد ابنها، واجهت فترة صعبة لكنها استطاعت بمساندة زوجها وعائلتها تحويل الفكرة إلى مشروع قائم يخدم نساء أخريات ويحمل رسالة تتجاوز حدود العمل اليدوي.
وبيّنت أن الجمعية بدأت بتجميع نساء يمتلكن مهارات في التطريز، وصناعة المأكولات الشعبية، والأعمال اليدوية التراثية، ليشكّلن نواة أولى للمبادرة.
وقالت هيام إن الهدف كان تمكين النساء، وتحويل التراث من مجرد ذكرى إلى مشروع إنتاجي وثقافي حي.

نمليات حديثة بنفس شكل التراثية
ومنذ تاسيسها تحرص هيام على تصميم وانتاج مشروع النملية الحديثة في مركزها ، بنفس الشكل والصورة والمواصفات التقليدية القديمة ، حيث يوجد ثلاث منها ، تستخدم بنفس الطريقة وتضم منتجات النساء من الطعام التراثي الفلسطيني المتميز بجودته ونكهته ، وتقول “ النملية ، ثلاثة أقسام ، الأول ، للاطعمة القديمة من المخللات والمجففات ، ونعرض على سطحها قلائد البامية المجففة والثوم والرمان ، وقسم لعرض ابداعات النساء من المطرزات والاشغال اليدوية التراثية، وتستخدم الجوارير اكسسوارات مطرزة ”.
اضافة للنملية ، يوجد في المركز ، الكثير من المقتنيات التراثية منها : ثلاجة قديمة وفريزر قديم ،ومقتنيات قديمة مثل الجاروشة ومدق كبة وصواني قش قديمة، وأيضا "اللجون" الذي كان يتم حفظ الخبز فيها، وطناجر النحاس والهاون القديم والفانوس القديم الذي يعمل على الكاز، ومستلزمات العروس القديمة، وكافتها ،
كما توضح ، مقتنيات فلسطينية قديمة ، عفى عليها الزمن ، لكنها تشعر "بالفخر والاعتزاز لقدرتها على الحفاظ عليها، ونشرها بين الشباب والجيل الجديد حتى يتعرف على تراثنا ، وتقول " فور افتتاح ، المشروع ، حظي باقبال واعجاب كبير من الزوار خاصة الجيل السابق وكبار السن الذين عادت بهم الذكريات الى الزمن الماضي ، واعجبوا بها وصوروها من اجل الحفاظ على هذا العبق التاريخي ، فهذا تراث لايباع وواجبنا حماية وتخليده مهما طال الزمان ".
الناشطة هيام أبو زهرة.

الجمعية وجهة للنساء
وأضافت أن مقر الجمعية أصبح اليوم مساحة إنتاج وعرض للمطرزات، والمأكولات التراثية، والمشغولات اليدوية، إضافة إلى تنظيم برامج تثقيفية واجتماعية ودينية، وتدريب الشباب والفتيات على مهارات التراث لضمان استمراريته وانتقاله للأجيال القادمة.
كما توثّق الجمعية العرس الفلسطيني التقليدي بمراحله المتعددة، مثل زفة العريس بعد الحمام، وزفة العروس على الفرس، والدبكة الفلسطينية، بهدف حفظ الطقوس الشعبية المتوارثة وإبقائها حاضرة في الوعي الجمعي.
وأكدت أبو زهرة أن خلال مشاركاتها خارج فلسطين تمثل نموذج المرأة الفلسطينية، التي رغم ما تواجهه من فقدان وأسر وحرمان، تستمر في إنتاجها وإبداعها حفاظًا على ذاتها وهويتها وتراثه.
يشار الى الجمعية النسائية الثقافية للتراث الشعبي الفلسطيني في جنين تأسست بمبادرة شخصية من الشهيد الصحفي عماد ابو زهرة نجل رئيسة الجمعية ، الناشطة هيام أبو زهرة ، المولودة في مدينة حيفا بتاريخ 13/3/1948 ، وبعد النكبة الكبرى التي حلت بفلسطين في نفس العام ، لجأت أسرتها الى مدينة جنين ، فاستقرت وتعلمت فيها حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة ، ثم حصلت على وظيفة للعمل كمدرسة في وكالة الغوث الدولية ، لكنها لم تكمل لظروف قاهرة ، تزوجت عام 1966 من مربي الاجيال الاستاذ صبحي أبو زهرة ، وأنجبت 8 أبناء بينهم إبنتان،كافحت مع زوجها لتعليمهم ، بعدما تعلمت فنون المهارات اليدوية المرتبطة بالتراث الشعبي العريق .
تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.





