غزة / PNN / تقرير مريم كمال - على عكس ما كان يتوقع العشريني محمد ضياء من مدية غزة بأن يتمكن من الالتحاق بسوق العمل في مجال تخصصه الجامعي، بعد إنهاء دراسته لأربع سنوات متواصلة.
الشباب يتحدثون لمراسلة PNN عن واقع البطالة والتفكير بالهجرةوتخرج ضياء، من إحدى الجامعات بغزة تخصص إدارة أعمال منذ عام 2018، إلا أنه انضم إلى جيش الشباب العاطلين عن العمل.
ويقول ضياء لمراسلة PNN: "أنا ترعرعت في ظل انقسام فلسطيني، وحصار إسرائيلي مشدد..... والدي تكفل بالعديد من المصاريف كي يعلمنا في الجامعة، ويبني لنا مستقبلنا، إلا أنه يبدو بأننا نسير في دائرة مغلقة".
ويضيف الشاب، الذي بدا عليه الحزن، "للأسف نحن نعيش في واقع معيشي صعب... لا أمل لنا في بناء مستقبلنا ولا نمتلك أدنى مقومات الحياة الكريمة أسوة بشباب العالم".
في محاولة منه لتحقيق حلمه بأن يعمل في مجاله، يسعى ضياء جاهدا من خلال تواصله مع رفاقه يعيشون في دول أوروبية لإيجاد أول فرصة للهجرة ومغادرة قطاع غزة.
ومع ذلك، لا يبدو الأمر سهلا على الشاب، الذي لا يمتلك سعر تذاكر السفر. لذلك، فهو يعمل كبائع متجول في أحد شوارع غزة الرئيسية، كي يتمكن من توفير المال الذي يمكنه من السفر.
ويقول، بينما يبدو على ملامح وجهه الحزن "لأكثر من عامين، أنا أعمل أكثر من 14 ساعة، كي أتمكن من الحصول على 30 شيكلا كي أتمكن من توفير مصاريف السفر"، مضيفا "ما إن أوفرها لن أبقى دقيقة واحدة في غزة، فهي مقبرة الأحلام للأسف".
لم يكن الوضع أفضل حالا بالنسبة للثلاثيني أحمد أبو سمرة، من سكان مدينة دير البلح وسط القطاع، الذي تخرج من كلية هندسة حاسوب بتقدير جيد جدا.
ويقول الشاب لوكالة (PNN) "حين كنت في قطاع غزة، لم أترك بابا من الشركات الخاصة وحتى المؤسسات الحكومية لم أطرقها، لعلي أجد وظيفة تعيلني وأسرتي، لكن للأسف كل محاولاتي باءت بالفشل".
ويضيف الشاب، المقيم في تركيا " لم أكن أفكر بالهجرة يوما ما، ولكن إن الظروف الاقتصادية والحياة المأساوية في غزة أجبرتني على اتخاذ تلك قرار الهجرة ومغادرتها، مخلفا والداي المسنين".
ويتابع الشاب، "الوطن ليس فقط تراب، ولكن الوطن هو حياة وأمان وسعادة، وكل ذلك أصبح مفقودا في غزة"، مشيرا إلى أنه "بالكاد يتمكن من تأمين مصاريف حياته اليومية وإرسال القليل من النقود لوالديه".
من جانبها، تقول حليمة السيد (والدة أحمد) بأنها تشعر بحزن شديد لغياب ابنها عنها منذ أكثر من خمس سنوات، مضيفة بأنها "لا تكاد تغادر غرفة ابنها وهي تتأمل صورته التي تتوسط غرفته". وتضيف الوالدة، بينما تحاول حبس دموعها،"لم أحتفظ به داخل أحشائي تسعة أشهر وأنجبه وأربيه كي يرحل بعيدا عني ويعيش مغتربا بعيدا عنا".
وتتابع المرأة الخمسينية "تتحمل كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية مسؤولية ما وصل إليه قطاع غزة، وحالنا..... نحن نعيش في خوف ورعب من شن إسرائيل حربا جديدة علينا، وكذلك أخاف على ابني من الضياع أكثر في الغربة".
الانقسام وحكومة غزة السبب في واقع الشباب السيئ
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة، والمحاضر في جامعة الأزهر بمدينة غزة، لوكالة الـ (PNN) بأن الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي تسببوا بشكل مباشر في تدهور الأوضاع في قطاع غزة.
وأضاف "لقد حرم شباب قطاع غزة من الحصول على وظائف، في ظل تراجع ملحوظ في عمليات التوظيف في القطاعين العام والخاص"، مشيرا إلى أن "حكومة حماس" لم تكن لديها خطوة جدية في التوظيف سواء في الحكومة أو في البعثات الخارجية بالتعاون مع الدول العربي كما كان في ليبيا والعراق وسوريا، فالحكومة في غزة عاجزة عن توفير فرص عمل.
إلى جانب ذلك، انتقد أبو مدللة دور سلطة النقد التي تديرها السلطة الفلسطينية، متهما إياها بأنها لا تتجاوب مع الشباب في إعطاء قروض إنتاجية لهم بفوائد أقل تتيح لهم إنشاء مشاريع صغيرة تساهم في تقليل نسبة البطالة وإنعاش الاقتصاد المحلي.
وأضاف "أصبحت القروض التي تمنحها سلطة النقد استهلاكية وليست إنتاجية، لذلك يلجا الشباب للهجرة خارج فلسطين وبالتحديد قطاع غزة لإيجاد فرص عمل في الخارج".
الاحصاء :الشباب الفلسطيني يمثل ثلي قطاع غزة ويعاني من البطالة والفقروبحسب الإحصاء المركزي الفلسطيني، تمثل فئة الشباب ثلثي سكان القطاع المحاصر، في الوقت الذي يعاني غالبيتهم من البطالة والفقر المدقع، حيث وصلت نسبة البطالة بحسب إحصاءات رسمية عند 45 بالمئة.
ولا تتوفراحصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، إلا أن تقارير صحفية كشفت النقاب عن 35 ألفاً تركوا غزة منذ عام 2018 بينهم 150 طبيب، ويبلغ عدد العاطلين عن العمل في القطاع بنهاية الربع الثاني من العام الماضي 212 ألف.
وبحسب حقوقيون فلسطينيون، فإن تدهور الأزمات قادت عدد كبير من الشباب نحو إدمان المخدرات، مما يرفع نسبة الجرائم الفردية وتفكك النسيج المجتمعي.
ودعا الحقوقيون السلطات الحاكمة في القطاع إلى ضرورة تهيئة الظروف الطبيعية للشباب للعيش في بلدهم دون خوف، أو محاولة الهروب من الحياة المأساوية، سواء كان من خلال الهجرة أو تعاطي المخدرات.
الحصار فاقم الازمات الاقتصادية وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على الجيب الساحلي، الذي يعيش فيها أكثر من مليوني إنسان، بعد سيطرة حماس عليه بالقوة عقب جولات من الاقتتال الداخلي مع القوات الأمنية الموالية للسلطة الفلسطينية في رام الله في عام 2007. وشنت إسرائيل أربعة حروب شرسة منذ عام 2008 حتى 2022، مخلفة عشرات الآلاف من الضحايا ما بين قتلى وجرحى، غالبيتهم من الشباب.