بقلم: تيسير خالد
تناقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية في الايام الماضية أن الرئيس الاسرائيلي اسحق هرتسوغ وجه وفق بعض التسريبات تحذيرًا لعدد من أعضاء حزب " شاس " الذين التقى بهم في المشاورات التي أجراها حول رئيس الوزراء الاسرائيلي القادم من " حليف لهم يثير قلق العالم " في إشارة إلى ايتامار بن غفير الشخصية السياسية اليمينية وحليفه في " الصهيونية الدينية " بتسلئيل سموتريتش على خلفية مواقفهما من العرب والقضية الفلسطينية والاستيطان وأنه شدد على مستمعيه ألا يفشوا كلامه فهو ليس للنشر .
واضح ان هرتسوغ اراد ان تصل رسالته الى بن غفير وسموتريتش عبر حركة “ شاس ”، التي احتلت موقعا متقدما في انتخابات الكنيست الاسرائيلي، التي جرت في الأول من نوفمبر الجاري ، مع أنه في نفس جلسة المشاورات أشار الى أنه تحدث عن بواعث قلقه وقلق العالم من المواقف المتطرفة ، التي اعتمدها بن غفير رافعة في دعايته الانتخابية ، ولم ينس الرئيس الاسرائيلي وفق تعليق مكتبه على تلك التسريبات الاشارة الى الوضع المتفجر في الحرم القدسي الشريف او وفق التعبيرات الاسرائيلية في " جبل الهيكل " وبأنه نصح بن غفير في حوار صريح وصادق إعادة النظر في مواقفه .
وفي الواقع ان الرئيس الاسرائيلي قال نصف الحقيقة ، أي أنه عبر عن قلقه وقلق العالم من الشركاء المزعجين في الحكومة التي قرر تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيلها وفق ما هو متعارف عليه في دولة اسرائيل بعد كل انتخابات للكنيست الاسرائيلي ، فقد عبر عن القلق وهو قلق ينتاب قطاعا هاما من الرأي العام الاسرائيلي ، بل وينتاب الادارة الأميركية وكثير من قادة الدول التي ترى في اسرائيل انعكاسا لصورتها ومصالحها ، كما هو الحال في الدول الغربية.
النصف الآخر ، الذي لم تفصح عنه التسريبات هي النصائح ، التي جاد بها على كل من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ، فالموت للعرب ، وليس الموقف من العرب يثير قلق الرأي العام في ارجاء المعمورة ، لأنه صنو شعارات النازية ، التي مهدت الطريق لجرائم الهولوكوست ، التي ارتكبها أدولف هتلر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية. لماذا التماهي مع النازية بهذه الفظاظة والوقاحة ، أليس من الانسب أن يحول بن غفير وغيره من الفاشيين في اسرائيل ، وهم كثر وترعاهم الدولة ، شعار الموت للعرب بشعار الموت للإرهابيين . هيرتسوغ يعرض على بن غفير وسموتريتش مساومة تخفف من حدة القلق، وهي مساومة لها امتداد في الوعي اليهودي وفي المواقف التاريخية القديمة من المسيحيين والمسيحية على سبيل المثال لا الحصر . ففي بداياتها ، وعندما كانت المسيحية تشق طريقها بصعوبة كانت لعنة ( الهالاكاه – التشريعات اليهودية ) تطارد المسيحيين. " رب لا تجعل للمرتدين رجاء ، ولتمحق المسيحيين في الحال " وقد استمرت تلك اللعنة الى أن وجدت حلولها لاحقا مع الكنيسة الكاثوليكية بمساومات على تنقيح اللعنة لتصبح " رب لا تجعل للمرتدين رجاء ولتمحق المهرطقين في الحال " ولترسو في نهاية المطاف على " رب لا تجعل للوشاة رجاء ولتمحق المهرطقين في الحال " . وهكذا يجب ان تكون عليه الحال في العلاقة مع العرب ، الموت للعرب يثير القلق ، أما الموت للإرهابيين فمسألة مختلفة وقابلة للنقاش.
هذه النصيحة تأتي على أرضية انتهازية ، هي مساومة كغيرها من المساومات، التي سرعان ما تعود من جديد لتحتل مساحة من وعي حاملها ، لأنها عبثا تحاول ترميم ايدولوجية قائمة على أساطير ( الهالاكاة – التشريعات اليهودية ) التي يؤمن بن غقير وغيره من الفاشيين في اسرائيل أنها مسألة ربانية عاشت وتواصلت مع الماضي البعيد والحاضر القريب . كيف لا وتلك الاساطير تدعو الى قطع نسل الكنعانيين ونسل العماليق . " أفضل غير اليهود اقتلوه وأفضل الأفاعي هشموا رأسها " هذه هي أيدولوجية كل من بن غفير وسموتريتش، التي ورثوها عن أساطيرهم.
نصائح الرئيس الاسرائيلي غير ذي صلة ولا تعالج تلك الايدولوجية ( الهالاكية ) المتأصلة في وعي رموز الفاشية الصاعدة في اسرائيل وفي قواعدها . وعلى كل حال فإن اسرائيل العلمانية انتهت أو هي في طريقها الى السقوط . ذلك لا يعني أن تاريخ اسرائيل العلمانية كان تاريخا مسالما ، على العكس من ذلك فقد كان ملطخا بدماء الفلسطينيين ، فقد بدأت بالمجازر وبهدم اكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية في حرب التطهير العرقي عام 1948 . وعندما تكون اسرائيل العلمانية في طريقها الى السقوط أمام زحف " الصهيونية الدينية " بلباسها الفاشي فإن المستقبل يبدو مظلما ، مستقبل الدولة . أما بالنسبة لأحفاد الكنعانيين وأحفاد العماليق في فلسطين من بحرها الى نهرها ، فإن حرب تطهير عرقي ثانية ، يحلم بها بن غفير وسموتريتس ، لن يكون لها مكان في عالم اليوم ، الذي يتعاظم قلقه من تفشي العنصرية النازية في دولة الاحتلال.
وبصرف النظر عن نصائح هيرتسوغ ، فقد أصبح نتنياهو الآن في قبضة " الصهيونية الدينية " والاحزاب الحريدية التي احتلت من المقاعد في انتخابات الكنيست الخامس والعشرين عددا يفوق عدد مقاعد الليكود ، وزعيم حزب “ الصهيونية الدينية ”، بتسلئيل سموتريتش ، لا يكتفي بمواقفه العنصرية المعادية للعرب ، بل يدعو بشكل صريح لتحويل إسرائيل الى " دولة هالاكاه " ، أي دولة تحكمها الشريعة اليهودية ومثله يفعل كذلك ايتمار بن غفير . وبالنسبة للأحزاب الحريدية فلا مشكلة لها مع دولة تحكمها الشريعة الدينية ، فضلا عن أولوياتها في تخصيص المزيد من الأموال للرجال الذين يدرسون في المعاهد الدينية، وإلغاء متطلبات العمل من أجل الحصول على مخصصات لرعاية الأطفال وغير ذلك من المطالب . في ما مضى لم تكن هناك من قبل حكومة ليكود- حريديم لا تضم قوة علمانية كحزب يسرائيل بيتنا، أو كولانو، أو أزرق أبيض أو العمل – كان هناك دائما طرف عمل على إضفاء التوازن على ادارة شؤون الدولة . الآن لا يوجد هناك طرف كهذا . وقد وصلت الامور في هذه الدولة حدا من السخف أن يصبح الليكود هو الحزب المعتدل في الحكومة.
أخيرا لست في وضع يسمح لي بتقديم نصيحة لرئيس دولة معادية ، ومع ذلك كان الاجدر بالرئيس الاسرائيلي أن يوجه خطابه ونصائحه مباشرة الى بنيامين نتنياهو بأن غرسه قد أعطى ثمارا مرة وكشف اسرائيل على حقيقتها وأماط اللثام عن مستقبل مظلم ينتظرها . أما نصائح المساومة فهي تسويق من الباطن لنبت شيطاني ولباطل بات الكثير من قادة اسرائيل غير مؤهلين لوقف زحفه على مؤسسات دولتهم ، طالما هم يحجمون عن مجابهة الماضي والتخلص من استبداده ، لأن التجربة في جولات انتخابات متكررة على امتداد العامين الماضيين أثبتت أنهم فعلا قادة بهامات في مستوى العشب.