صادف الأربعاء الفارط مرور ثلاثة عقود على توقيع اتفاق أوسلو في العاصمة الأميركية "واشنطن" بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، ففي عام 1993 أيد حوالي ثلثي المجتمع الفلسطيني (65%) اتفاق أوسلو في استطلاع للرأي العام أجراه مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في شهر أيلول/ سبتمبر 1993، وفي تشرين أول/ أكتوبر العام 1995 أيد حوالي ثلاث أربع المجتمع الفلسطيني (72%) اتفاق طابا (أوسلو 2). لكن يُظهر استطلاع للرأي العام أجراه المركز للبحوث السياسية والمسحية هذا الشهر (أي بعد ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو) أنَّ هذا الاتفاق فَقَدَ تأييد المجتمع الفلسطيني؛ حيث أيد ثلثي المجتمع الفلسطيني (63%) قيام السلطة الفلسطينية بالتخلي عن اتفاق أوسلو، وترى نسبة عالية (71%) أنَّه كان من الخطأ قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاق أوسلو، وتقول أغلبية تبلغ 68% أنَّ اتفاق أوسلو قد أضر بالمصلحة الفلسطينية.
لم يمنح اتفاق أوسلو أملاً واسعاً عند المواطنين بإقامة دولة فلسطينية على الرغم من الاحتفالات التي جرت في ذلك الوقت؛ فوفقا لنتائج استطلاع الرأي الذي اجراه مركز البحوث والدراسات الفلسطينية عام 1993 فإنَّ 45% من المواطنين اعتقدوا أنَّ الاتفاق سيؤدي لقيام دولة فلسطينية وتحقيق الحقوق الفلسطينية مقابل 34% اعتقدوا أنَّه لن يؤدي لإقامة دولة فلسطينية واعتقد 20% من المواطنين أنَّهم غير متأكدين من ذلك. وانقسم المواطنون حول وقف الانتفاضة من أجل مشروع الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي (47% مؤيد لوقف الانتفاضة مقابل 43% معارض لوقفها). لكن أغلبية واسعة (80% من المواطنين) ترى أنَّ للمعارضة الفلسطينية التعبير عن رفضها للاتفاق عبر الحوار الديمقراطي مقابل 13% فقط قالت بالعنف إذا اضطروا إلى ذلك.
إنَّ العودة إلى نتائج استطلاعات الرأي العام التي جرت قبل ثلاثين عاماً لم تأتِ لمجرد سوق هذه الأرقام لكن للتوضيح أنَّ الانقسام في آراء المواطنين آنذاك كانت تُظهر أنَّنا سنصل إلى حالة الإحباط التي تواجهنا اليوم؛ خاصة أنَّ مسألة الخلافات الداخلية، لم تكن بين القوى السياسية فقط
إنّما أعمق من ذلك في أوساط الجمهور الفلسطيني، لم تُعالج بطريقة تُعزز من توحيد الجهود والحفاظ على الوحدة الوطنية في ظل تعددية سياسية واجتماعية وانقسام جغرافي، وعدو يسعى للفتنة وتدمير القدرة الذاتية للفلسطينيين.
إنَّ مرور ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو؛ أي مشروع السلطة الفلسطينية كأداة للانتقال إلى ممارسة حق تقرير المصير وبناء الدولة الموعودة، تحتم على الفلسطينيين جميعاً إجراء تقييماً شمولياً لما جرى فيها على مستوى المشروع الوطني وبما حملته من ايجابيات وسلبيات، في إطار فهمٍ واسعٍ للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحاصلة لدى الفلسطينيين وفي الجبهة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي، ونظرٍ عميقٍ للتطورات الإقليمية وفي بنية النظام الدولي وتأثراته على المسألة الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
آن الأوان لعملية تقييم جماعي تستخلص العبر من دروس الحاضر قبل أن يصبح ماضياً سحيقاً بعقل وقلب مفتوحان، ودون لوم أو تشفي، وبهمة القادرين على تخطي الأخطاء، وعلى تجاوز الخطايا، وعلى بناء المستقبل بالاعتماد على ابتكار الشباب وابداعهم بوسائل وأدوات يفتقر إليها الكهول أسرى حكايا الماضي وأدواته وصراعاتهم والخوف على رصيدهم السالف؛ لاستنهاض ما تبقى من أمل لدى الفلسطينيين.
إنَّ إعمال العقل يتطلب اتخاذ أدوات تفكير متعددة؛ فالتجار يتخلصون من البضائع بأقل من تكلفتها كي لا تتكدس في مخازنهم، وقبطان السفينة يتخلص من بعض حمولته كي يحافظ على سلامة السفينة في مواجهة أهوال البحر وتلاطم الأمواج بها، وقادة المؤسسات يتحملون بعض المخاطر المحتملة ذات التأثير الضعيف مقابل منع مخاطر لها تأثير كبير على المؤسسة وأهدافها. ومع ذلك هناك العديد من المناهج والنماذج والأدوات في العلوم الاجتماعية والسياسية لإعمال العقل في المراجعة والتقييم للوصول إلى بر الأمان أو الجهة المقصودة في الربح والسلامة وفي الحفاظ على الأهداف المرسومة وطنياً والإبقاء على الأمل