بقلم: مروان اميل طوباسي
لقد حذف خطاب رئيس وزراء حكومة الأحتلال الإسرائيلي "القيم الديمقراطية والليبرالية" التي تدعيها عادة حكومة نظام الأحتلال أمام العالم ، وركز بدلاً من ذلك على التهديد الإيراني واتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي المحتمل كما على الرؤية الدينية التوراتية للفكر الصهيوني ، وإلغاء وجود شعبنا الفلسطيني من على الخريطة التي أبرزها أمام قاعة فارغة في مقر الأمم المتحدة لإلقاء خطابه السنوي أمام الجمعية العامة ، ليشكل بها خريطة الطريق المطلوبة للشرق الأوسط الجديد . وذلك بعد أن بات اليمين الصهيوني الديني القومي الفاشي يتأهب لإحكام سيطرته الكاملة على نظام دولة الأحتلال الأستعماري الذي انشأته الصهيونية الليبرالية ، ويمضي في تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" .
فبعد سلسلة من التسريبات الاعلامية وتضارب التصريحات من مختلف الجهات حول موضوع التطبيع ، حسم ولي العهد السعودي وبعض المسوؤلين الامريكيين أمر عدم فشل مباحثات اتفاق التطبيع وعدم توقفها حتى الآن ، كما ان عدد من وزراء حكومة الأحتلال إشاروا إلى ان الاتفاق سيخرج إلى التوقيع قبل نهاية العام الحالي ، الأمر الذي ايده البيت الأبيض ، رغم اعتقادي بأن ذلك سيواجه مطبات وعقبات متعددة إسرائيلية وامريكية في اَن واحد لأسباب مختلفة تتعلق بالشأن الداخلي لديهم ومكونات الصراع في نظمهم السياسية.
الا ان هنالك اسباب عدة تجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لإتمام هذا الاتفاق الذي تريد له النجاح بغض النظر عن ما سيؤدي له على مستوى قضيتنا الوطنية التي تريد استمرار احتكار ادارتها دون حلها ، والتي لا ترى الإدارة الأمريكية بها أهمية ملحة أمام أولويات استراتيجياتها الآن في مواجهة الصين وروسيا.
أولها ، أنها تدرك مخاطر دخول الصين كما وروسيا بقوة إلى الإقليم، توقيع عدد من اتفاقات الشراكة الاستراتيجية مع عدد من الأقطار العربية.
وثاني هذه الاسباب هي حرص الإدارة الأمريكية على تحقيق إنجاز سياسي يسجل للرئيس بايدن وحزبه.
وثالث تلك الاسباب هو حرص الإدارة الأمريكية على إنقاذ استقرار دولة الأحتلال للاستمرار في خدمة الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
في كل الاسباب السالفة وغيرها يجري العمل على توافق المصالح المشتركة أو إيجاد مصالح مشتركة تتحقق من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ابتدا الحديث عنه عام قبل عقدين من الزمن ، لدمج إسرائيل بالواقع الجيوسياسي بالمنطقة على أن تبقى متفوقة عسكريا وتكنولوجيا ، وإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد تستند الى شطب الحقوق القومية لشعبنا وفق رؤية الاستراتيجية السياسة الخارجية الامريكية ، بعد أن اصبحت بعض ظروف المنطقة مناسبة لذلك بعد الخريف العربي ، وذلك من باب محاولات مواجهة المتغيرات الدولية الجارية لانهاء الهيمنة الامريكية التي تسعى الولايات المتحدة للابقاء عليها ، وايضا للبحث عن مخارج لحماية نظام دولة الأحتلال لتستمر في مهامها الوظيفية من جهة وكطرف بالمشروع الاستعماري ، ومن اجل تنفيذ الحلم الصهيوني الذي يؤمن به بايدن وغيره من الاوساط الواسعة لديهم من جهة اخرى رغم وجود تطور بمواقف الرأي العام لديهم يعارض ذلك ، وذلك بغض النظر عن سيناريوهات مخارج الأزمة البنيوية بدولة الأحتلال والتي تحتمل خيارات عدة ستوضحها لنا الأيام القادمة.
ان محطات كثيرة أثبتت أن التطبيع الذي سلكته بعض الأنظمة العربية شكّل انحرافاً خطيراً في الموقف العربي التاريخي من القضية الفلسطينية، بل ولم يحقق السلام والاستقرار وبقي الاسرائيلين غير مرحب بهم امام الشعوب العربية.
الا انه وخلال العشرين عاما الماضية حصلت متغيرات جذرية بالواقع السياسي العربي بل والدولي ايضا قبل المتغيرات الهادفة الى تغيير النظام الدولي . لقد خدمت تلك المتغيرات الرؤية الصهيونية في تدمير واقع الدولة الوطنية العربية واستمرار محاولاتها لانهاء التراث التاريخي الكفاحي لمنظمة التحرير ورؤية التحرر الوطني ومحاولات الضغط عليها بكافة الوسائل لانخراطها بالمخططات الامريكية.
أن الحركة الصهيونية العالمية اليوم تريد من شعبنا الفلسطيني الإقرار بروايتهم المزعومة فقط من أجل السماح لنا بالتواجد "كسكان" من الدرجة المتدنية في ما يسمونه "يهودا والسامرة" وفق رؤية يهوشع بن نون وتلامذته من سموتريتش وبن غفير حتى نتنياهو ومن بينهم . والتخلي عن مبدأ حق تقرير المصير على ترابنا الوطني.
هم يريدون منا الاستسلام لتلك الرؤية والتنكر لوقائع التاريخ ولحقوقنا الوطنية وكفاح شعبنا الأصلاني وفق كافة القرارات الاممية التي بقيت حبرا على ورق حتى الان في زمن النظام احادي القطب والهيمنة المناهضة لحقوق الشعوب ، لتشكل بذلك ملامح هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه.
أن مواجهة ذلك لا يتطلب فقط الأطمئنان للموقف السعودي في المباحثات الجارية حول تمسكها ببنود المبادرة العربية كما تعلن هي ، ومتغيرات رؤية القيادة الجديدة فيها التي تحاول اتقان لعبة التوازن الدولي بعلاقاتها وفق قاعدة مصالحها الوطنية اولاً . ان المعيار الأساس للسلام بالمنطقة يفترض ان يكون بتنفيذ مبدأ حق شعبنا بتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين للوصول إلى ما يفترض ان يحققه السلام وفق قول السفير السعودي المعتمد لدى تقديم أوراق اعتماده قبل يومين أمام الأخ الرئيس . اتفاق ترغب هي منه تحقيق مصالحها بالمنطقة وتطوير دورها الريادي الإقليمي واشاعة الاستقرار والسلام والازدهار كما تُعلن ، والذي بات الإعلام يتحدث عن تفاصيله وتنفيذ مشاريع كبرى كمدينة نيون وغيرها ، دون ذكر ما له علاقة بجوهر جريمة الاحتلال وضرورة انهائه وحل قضية شعبنا.
أن ما تم تسريبه بالاعلام من سلسلة المطالب الفلسطينية المتواضعة التي لم تحظى جميعها حتى بقبول الولايات المتحدة التي تمسكت برفض إقامة دولتنا المستقلة كما نفهمها نحن ، كما والتي لم تلبي ما جاء في رسالة الأخ الرئيس أبو مازن الواضحة بخصوص ذلك عندما أكد في كلمته أمام الجمعية العامة قبل ايام "انه واهم من يظن أن السلام يتحقق في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية ودون حصول شعبنا على كامل حقوقه " ، الأمر الذي أكد به شمولية الموقف الفلسطيني المفترض امام محاولات اجتزاء الموقف الثابت تحت اثر الضغوطات ألامريكية التي تهدف الى القفز عن الحقوق السياسية الوطنية لشعبنا وممارسة سيادته على أرضه ، الأمر الذي يجب استمرار التمسك به تحت كل الظروف في مواجهة الولايات المتحدة .
ان قضيّتنا الوطنية لا تُحل وفق التطبيع مع السعودية كما أنها لم تُحل وفق اتفاقيات التطبيع السابقة . فبحسب التقارير الاسرائيلية ، فان تلك الاتفاقيات تشمل مشاريع اقتصادية اقليمية التي يفترض ان يكون من شأنها تحسين شروط الحياة ، الا انها وأن تمت وفق هذا الإطار الذي يستند الى المال فانها ستنعكس سلبا ليس على مصالحنا الوطنية السياسية فقط ، فليس بالخبزِ وحدهُ يَحي الأنسان. وانما ايضا على دول المنطقة العربية وخاصة مصر بما فيها مصالحها المرتبطة بقناة السويس والأردن ايضا، بحسب ما نَشره بعض الخبراء من مشاريع مستقبلية .
ولذلك فان الوصول الى حلٍ سياسي لا يتحقق إلا بتكثيف النضال الوطني بأن يصبح الأحتلال مكلفاً وموجعاً للمحتلّ . بالتأكيد توجد معيقات لذلك ، ولكن المطلوب وضع كل الطاقات والإصرار على ذلك من خلال كل أشكال المقاومة السياسية والدبلوماسية والشعبية التي اقرتها مؤسساتنا الوطنية كما والقوانين الدولية لأي شعب يرزح تحت نير الاحتلال ، وهو ما فعلته كل حركات التحرر الوطني لدى الشعوب التي كانت خاضعة للاستعمار ، رغم تباين الظروف . كما ويتطلب الأمر توسيع قواعد التضامن الدولي مع الشعوب والقوى المناصرة لاستنهاض القدرات وكل مكامن القوة لدى شعبنا وإحرار العالم لمواجهة مخاطر تنفيذ المشروع الصهيوني التوراتي على الأرض لاستكمال مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي . وتوسيع المشاركة الشعبية كمصدر للسلطات وتنفيذ استحقاقات الحياة الديمقراطية التي اشار لها الأخ الرئيس في كلمته حول الانتخابات العامة بما فيها العاصمة القُدس.
ولذلك فأن اي اتفاقيات تطبيع لا تستند لأن تصل بشعبنا إلى حقوقه الوطنية كاملة ، لن يُكتب لها تحقيق السلام الثابت بالمنطقة وفق ما جرى بكل الاتفاقيات السابقة التي لم تعكس نفسها على الشعوب ، بل ولم تستفيد منها الدول العربية الموقعة أمام اطماع دولة الأحتلال والرؤية الأمريكية ولم تحقق الاستقرار بالمنطقة . ولذلك فانها ستساهم فقط في خدمة المشروع الأمريكي القديم حول الشرق الأوسط الجديد وممارسة مزيدا من الفوضى المنظمة التي تفسر تداعيات مظاهر الانقلاب وما نتج عنه من انقسام وما يجري بحق مخيماتنا بالشتات ، والضغط الغربي من اجل تقويض دور منظمة التحرير ك الذي طالما تحدث عنه الغرب نفاقا دون تفاصيل ودون حدود.
أن الفترة القادمة حبلى بالمتغيرات الدولية المتسارعة التي قد تأتي بتحولات في موازين القوى والظروف الموضوعية لتساهم لاحقا في تهيئة أرضية اتفاق شامل ينهي الأحتلال اولاً والصراع من خلال مؤتمر دولي تشارك به كافة الاطراف الدولية والاقليمية ، حَمّل الأخ الرئيس مسوؤلية انعقاده للأسرة الدولية وللأمين العام جوتريس . ولحين الوصول الى ذلك يتوجب اتخاذ ما يلزم من خطوات لإعلان فلسطين دولة تحت الأحتلال واستكمال عضويتها الكاملة بهيئة الأمم والمنظمات التابعة ، وهو ما يشكل الضمانة بعدم الولوج إلى اتفاقيات مؤقتة جديدة تعترضها معيقات كثيرة تتعلق بتناقض الرغبات ووقائع المجتمع الاسرائيلي كما والامريكي تعيد فقط استنساخ اتفاقيات مؤقته اخرى اوصلتنا إلى ما وصلنا له هذه الأيام.
أن الحديث عن الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتردد في حديث وتصريحات عدد من السياسين العرب وغيرهم، والذي يفترض أن يأتي بالازدهار الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة بمجتمعاتنا العربية كما يتم الاعلان عنه ، لن يتحقق في غياب العدالة لشعبنا الفلسطيني وانهاء الأحتلال اولاً، كما والتمييز العنصري والقتل اليومي وسيبقى دون ذلك ذراً للرماد بالعيون.
والاَن بعد أن قاربت دولة الأحتلال والولايات المتحدة ومن يسير في ركبهما إنهاء مقومات قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على جزء من الوطن التاريخي وفق حدود ٤ حزيران عام ٦٧ ، وهو ما شكل الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني الذي تم اعتماده حتى الآن بعد الموافقة على الخيار الأممي وفق مبدأ حل الدولتين.
وامام استمرار الإصرار الأمريكي وفق ما اشرت له على المضي في استحداث اتفاقيات التطبيع كبديل عن الحل السياسي الشامل بما يتضمن من مشاريع "سلام اقتصادي" لفائدة الشركات الاحتكارية الكبرى بالمنطقة، علينا التفكير بخياراتنا السياسية التي تحمي حق تقرير المصير والهوية الوطنية لشعبنا صاحب الأرض الذي يتوق للحرية اولاً والاستقرار والسلام والديمقراطية والتقدم بكافة المجالات ، والتي حين تتوفر شروطها سيكون من الممكن حينها الحديث عن شرق أوسط جديد نكون نحن الفلسطينيون جزء منه بعيدا عن الحروب والكراهية والاضطهاد والعنصرية، وتتمتع به الشعوب بحقوقها السياسية الوطنية اساساً بغض النظر عن شكل الحل السياسي الممكن ان كان بدولتين او دولة واحدة بضمان المساواة الكاملة بالحقوق السياسية اولا والمدنية والاخلاقية والقانونية، بما يتطلب إنهاء الفكر الصهيوني الأستعماري والفوقية اليهودية وافرازاته التي لا تستهدف شعبنا فقط بل كل شعوب المنطقة بمن فيهم الإسرائيلين اليهود ايضا ، والذين يتوجب عليهم أن يدركوا مستقبلهم بالشرق الأوسط الجديد ليس من خلال التطبيع مع دول بعيدة الحدود فقط دون اسس سلام ، لكن من خلال انخراط قواهم الليبرالية التقدمية التي قد تتسع مع الأزمة التي يعيشونها الان، بمشروع نهضوي تحرري إنساني نقيض يخوضون غماره مع أبناء الشعب الفلسطيني الأصيل لانهاء احتلالهم الأستعماري. وذلك لبناء مستقبل أفضل يعيش فيه أبناء شعبنا الفلسطيني المقيمون داخل الوطن والعائدون من الشتات القصري بفعل جرائم النكبات التي ما زال يتهددنا تكرارها ، ويهود إسرائيل المشاركون في النضال التحرري ضد الأستعمار الأستيطاني الصهيوني العنصري بسلام وأمن واستقرار كما كانوا يعيشون سابقا باعتبارهم فلسطينيين إلى جانب الآخرين من ابناء شعبنا في الوطن فلسطين.
أن تمدد مشاريع الحركة الصهيونية لا يشكل خطرا على شعبنا فقط وانما على كافة الشعوب التي ما زال البعض منها يفتقد ايضا لحقه في تقرير المصير ويخضع لرؤية سياسية وفكرية تُجاري الإطماع الأمريكية ومخططاتها المعادية للشعوب وتسعى لتمدد الفكر الصهيوني استنادا لمقولات توراتية حول وجود اليهود عبر التاريخ في تلك المناطق البعيدة عن فلسطين.