الشريط الاخباري

أنها ليست غزة المستهدفة فقط ، أنه الكُل الفلسطيني بقلم مروان اميل طوباسي

نشر بتاريخ: 14-10-2023 | أفكار
News Main Image

أن الأحداث الحالية قد جاءت نتاجاً لتراكم عقود طويلة من الاستعمار والأحتلال والقهر ولاسيما منذ عام ٢٠٠٨ والذي شهد آلاف الضحايا والمصابين من ابناء شعبنا المحاصرين في سجن غزة المفتوح المشابه لغيتوهات النازية سابقا في أوروبا ، والقائم بفعل الأجرام الإسرائيلي ، بالإضافة الى قيام إسرائيل المستمر بتدمير متتالي لقطاع غزة والبنية التحتية فيه الذي تم اعادة اعماره اكثر من مرة .

إن واقعنا الفلسطيني الوطني الراهن لا يقتصر على غزة فقط بل في كل المدن والمخيمات على امتداد الوطن التي تشهد اليوم تغول الأحتلال ومستوطنيه باعمال القتل اليومي بمعدل شهيد يوميا منذ ستة أشهر كما أشكال المحارق في حوارة وغيرها وما يحدث الآن في غزة  ، بسياقاته ومُركباته التي صاغت هذا المشهد المتداخل من اعجاز المقاومة لدى ابناء شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة والتي قد أعطت أملا جديدا لأبناء شعبنا في قدرته على إلحاق الهزيمة بالمحتل الإسرائيلي ، وخاصة بما تلخص في السابع من اكتوبر وبطولته .

إن المشروع الوطني الفلسطيني التحرري بأهدافه المتمثلة بهزيمة المشروع الاستعماري، والعمل من أجل إنضاج كافة الشروط والعوامل اللازمة لهذا الانتصار نحو حق تقرير المصير والاستقلال الوطني واسقاط نظام الفصل العنصري ، يتمثل في توظيف كافة المُمكنات لتحقيقه بما يتطلب منا التصدي لمجموعة من التحديات الراهنة على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي ، والتي يجب ان تتلخص بثبات الموقف السياسي التاريخي وفهم المتغيرات الدولية اليوم التي تستهدف الهيمنة الأمريكية وصعود قوى جديدة نحو عالم اكثر عدالة . الا ان الولايات المتحدة بالمقابل وللحفاظ على هيمنتها تريد إشعال العديد من بؤر التوتر والحروب والربط بينها بما يخدم مصالح مجمعاتها الصناعية العسكرية والمالية في ظل اوضاعها الاقتصادية المتراجعه والمواجهة المفروضة مع الصين وروسيا من جهة اخرى .

إن ادراك ما نواجهه على أرض فلسطين بانه مشروع استعماري استيطاني إحلالي مركّب يمثل امتدادا لاطماع الغرب الاستعماري الذي انشأه على حسابنا نحن اصحاب الارض الاصليين عام ١٩٤٨ ، يمثّل في سياساته وتحولاته المتعددة بُعداً لشكل الاستعمار الاستيطاني الجديد والاطماع الامبريالية للغرب التي لم تنتهي ليس فقط بواقعنا وانما بافريقيا وشرق أوروبا والبلقان وفي بحر الصين ومحاولاتهم بامريكيا اللاتينية حتى الآن رغم هزيمتهم هنالك من قوى اليسار فيها  . وبممارسة الاحتلال وسياساته المتعددة القائمة على قاعدة المحو والإلغاء والاقصاء لغير اليهود ، رمزياً وفعلياً، ولشعبنا الفلسطيني، ولأهدافه المُعلنة التي يعمل الاحتلال على تحقيقها من خلال ممارستهم سياسة التطهير العرقي وجريمة النكبة المستمرة منذ سنة ١٩٤٨ وحتى الآن والتي تتم بفعل تلك الايدولوجية الصهيونية الاقصائية العنصرية وصمت الغرب بل وتعاونه في تنفيذ ذلك من خلال حماية دولة الاحتلال من المحاسبة والعقاب .

 وهنا اعيد ما نقلته على  لسان القائد الأسير  مروان البرغوثي في كلمتة يوم أمس بالتظاهرة التضامنية باليونان  ؛ "إن مُرتكز الهوية الوطنية الفلسطينية يتمثّل في ثنائي المقاومة والتحرير ، وكل انتكاس في أحد المرتكزين، أو كلاهما، يجد ترجماته على صعيد الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة، ويفتح المجال أمام الهويات الفرعية لأن تتقدَّم، وهذا يجعل وحدة الخيار المتمثّل بالمقاومة ووحدة الهدف ممثّلاً بالتحرير ، مركّبات بنيوية للهوية الوطنية الفلسطينية." 

وبالتالي فإن النظر إلى الأمور والاحداث بمعزل عن  كافة أبعاده المختلفة والتي تتمثل منذ عقود بجرائم  التطهير العرقي إلى ممارسة الفصل العنصري فعلاً ضد شعبنا في كل ارض فلسطين التاريخية  ، ودون اغفال أن مشروعهم  يتعدى طبعا قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ، حدود كيانهم المارق الذي قد انشئ من جهة اخرى بحدود تتعارض مع القرار الأممي ١٨١ في حينه ، فإن كل فلسطين هي جوهر ومرتكز ذلك ، بل أن أهدافه المتمثلة "بمملكة او أرض اسرائيل الكبرى " وفق معتقداتهم التوراتية والصهيونية ،  يتعدى بابعاده خريطة فلسطين لتشمل مناطق اوسع من جغرافية عدد من دول المنطقة العربية وحتى جزء من قبرص وفق الخرائط التي تعلنها حكومة الثلاثي نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ومعهم جانتس اليوم بعد انضمامه لحكومة الإجماع  على الحرب والعدوان قبل أيام  . هذا المشروع الذي يسعون له اليوم من خلال اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية بتوجيهات امريكية وفق رؤية الشرق الأوسط الجديد الذي لم يسقط من حسابات مخططاتها الاستراتيجية للمنطقة التي تستهدف بالاساس قضيتنا الوطنية واعادة تكرار ما قاموا به بامريكيا اللاتينية بسبعينات القرن الماضي كما باليونان وقبرص ، والبلقان الان لفرض واقع موالي لهم بضرب الحركات الوطنية وتراثها الثوري ، ومن خلال تصعيد الاستيطان وضم المناطق وتهويد القدس وحصارها بالجدار العنصري وتنفيذ اعمال القتل اليومي بالضفة والقدس الى جانب العدوان الهمجي الذي يستهدف ابناء شعبنا بمقدار من القنابل يفوق بكافة اشكال الاسلحة ومنها ما هو محرم دوليا ، فما يجري هو محرقة بكل معاني الكلمة ضد أهلنا في غزة اليوم لمحاولة تنفيذ الترانسفير . 

ان تعريف مشروعهم الاستعماري يَفتَرض هدف هزيمته وتفكيكه ، فهو ليس شريكاً بالسلام في ظل انحدار مجتمعاتهم المتباينة نحو اليمين العنصري رغم ازمتهم ، ولا جاراً يسعى لاستقرار المنطقة ، ومن الصعب تصوُّر الوصول إلى تسوية سياسية معه في ظل النظام العنصري الصهيوني الاستعماري القائم  ، لان ذلك يتعارض مع مركّباته ومرجعياته ومنهجيته وثوابته ومصالحه التي تمثلها الحركة الصهيونية العالمية وادواتها .

إن النضال التحرري الفلسطيني جزء لا يتجزأ من النضال التحرري في العالم من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والسلام. وباعتبار النظام الاستعماري في فلسطين انتداباً للنظام الدولي ، فمن الطبيعي أن تجد حركة التحرر الوطني الفلسطيني عمقاً وتحالفاً وتضامناً معها في شتى أرجاء الأرض، وبصورة خاصة مع الشعوب و القوى الديمقراطية وقوى الحرية والعدالة. وقد عبّرت عن ذلك حركة التضامن العالمية الواسعة وما تمثله مظاهرات الشعوب في كل مراحل الارهاب الاسرائيلي ضد شعبنا وهذا ما نشاهده ايضا هذه الايام في عواصم الدول المختلفة من تضامن شعبي مع فلسطين خاصة من القوى التقدمية واليسارية بأوروبا في ظل وجود حكومات من اليمين تساند دولة الاحتلال وتبرر لها جرائمها تحت ذريعة الدفاع عن النفس . وهذا يستدعي خطاباً فلسطينياً تحررياً وحراكا من اجل اوسع تضامن أممي مستمر ومتصاعد بين شعبنا الفلسطيني وشعوب الدول وقواه الحرة ، ليصبح إنهاء النظام الاستعماري في فلسطين والهيمنة الاستعمارية للغرب وفق مشروعهم الامبريالي  وعلى راسها الولايات المتحدة هدفاً لكل الشعوب والقوى المحبّة للحرية والعدالة والكرامة والتقدم في هذا العالم ، وشرطاً للسلام والأمن العالميين بما في ذلك بمنطقة شرقنا الأوسط. 

أن ما أتى به "بلينكن" بمرافقة البارجة الحربية والطائرات والقنابل المتطورة ، والذي ذَكَر بهيوديته بشكل عنصري لاثارة النزعة الدينية البغيضة امس هو من أجل أن يبرر لإسرائيل ما تقوم به من جرائم ضد الإنسانية ومن أجل حماية هذه المستعمرة كنقطة ارتكاز في مشروعهم ، ومحاولة اختصار ما تقوم به إسرائيل وكأنه حرب ضد حركة حماس ومن اجل ترهيب الدول العربية ودول المنطقة الاخرى بالقوة العسكرية . لكنها الولايات المتحدة هي من تمارس الاحتلال علينا وهي التي تتحمل المسوؤلية عن وعد بلفور ولم تغير كما قال الأخ الرئيس أبو مازن قبل اسبوع في احد المؤتمرات . فكيف لها اذن أن تحمي شعبنا وتوقف العدوان الاسرائيلي الذي يمارس سياسة التهجير الآن من شمال غزة بحق شعبنا الذي بات دون ماء وكهرباء بل ودون مسكن بالعراء ، الا اذل كان هو ما يتفق مع إرادة الإدارة الأمريكية ، وهو بالتأكيد كذلك لان تاريخ جرائمها وارهابها يلازمها . 

هذه المواقف المنحازة تكررها عدة دول من الاتحاد الأوروبي اليوم وبنفس سياق المنهج الفكري في تبعيتها الغبية للسياسة الامريكية دون مسوؤلية أخلاقية تمارسها لحماية الشعب الفلسطيني 

هنالك مهمة ملحة الآن أمام الإنسانية جمعاء لوقف التهجير القسري  والابادة الجماعية بحق شعبنا وفتح مممرات انسانية ليس للتهجير ولكن لادخال الماء والخبز والدواء كما في باقي الحروب وفق قوانينها . فحركة حماس ليست هي جوهر الأشكال رغم ما نتفق أو نختلف عليه معها ، انه الأحتلال الأستعماري وارهاب دولتهم المنظم الذي يستهدف الكُل الوطني ، ما يتوجب على الأوروبين فهمه وادراكه .

ففي ضوء التجربة الغنية لمقاومة الشعب الفلسطيني للنظام الاستعماري على مدى ما يزيد عن مئة عام، فإن الدرس المستخلص هو ضرورة التمسك وتبنّي مبدأ المقاومة الشاملة، والتي تعني استخدام كافة الوسائل والأساليب والأدوات السياسية والدبلوماسية والقانونية والشعبية باشكال المقاومة المختلفة ، من دون إقصاء أيٍّ منها او تغليب احدها على الاخر ، بما يتطلب  الحكمة والمسوؤلية الوطنية وحماية شعبنا باختيار الوسائل والادوات المناسبة لكل مرحلة من مراحل كفاحنا ، فالمقاومة هي حق للشعوب التي تخضع لاشكال الأستعمار المختلفة كفلته لها المواثيق الدولية .

إن شعبنا الذي نهض من تحت الرماد مرات عدة ، وسجّل أسطورة الفينيق في الصمود والبقاء والمقاومة ، جدير بحركة وطنية واحدة وموحدة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية واستنهاضها بشكل فاعل وديمقراطي، لتمتلك خطاب التحرر الوطني والتقدم والاستمرار كحركة تحرر وطني جامعة ، حتى يبقى شعبنا الفلسطيني في الوطن و الشتات حارس وصانع مستقبل المشروع الوطني الانساني بالحرية والعدالة .



 

شارك هذا الخبر!