الداخل المحتل / PNN - بعد أسابيع من التفاؤل، تنقل الإذاعة العبرية، صباح اليوم، الأحد، عن مصادر إسرائيلية قولها إن المداولات حول الصفقة مع “حماس” عالقة أو مجمّدة، بيد أن المداولات بشأنها مستمرة رغم عودة الطاقم المفاوض من الدوحة لتل أبيب.
وفي الأثناء، جدّدت عائلات الرهائن اتهام نتنياهو بتعطيلها لغايات في نفسه، فيما يقدّم محرّر صحيفة “هآرتس” تفسيراً مغايراً عن التحليلات السائدة لعدم إنهاء الحرب على غزة وإتمام الصفقة الآن.
وفي التزامن مع المجازر في شمال قطاع غزة، يدّعي تقرير وزارة الصحة الإسرائيلية الذي سيُقدّم للأمم المتحدة اليوم أن الرهائن تعرّضوا للتنكيل والاعتداءات من قبل “حماس”.
فيما تتهم إسرائيل حركة (حماس) بدفع العراقيل أمام الصفقة، خاصة رفضها تسليم لائحة بأسماء الرهائن والأسرى الأحياء داخل القطاع، علماً أنها كانت أبدت ليونة بقبولها صفقة جزئية متدرّجة دون وقف الحرب والانسحاب الفوري من القطاع.
في المقابل، تؤكّد عائلات الأسرى أن هذا ليس سوى ذريعة يلجأ لها نتنياهو لمنع توقيع صفقة تعيدهم، وهذا ما انعكس في لافتات وشعارات المظاهرات الأسبوعية في تل أبيب وغيرها ليلة أمس. وهذا ما تراه أغلبية الإسرائيليين ممن يرون أن الصفقة لا تخرج لحيز التنفيذ بسبب حكومة نتنياهو، طبقاً لاستطلاعات جديدة أيضاً.
ومن المتوقّع أن تتناول حكومة الاحتلال في الجلسة الأسبوعية اليوم موضوع الصفقة قبل أن يخضع رئيسها نتنياهو لعملية جراحية بعد إصابته بالتهاب البروستاتا البكتيري الحاد، ومن المنتظر أن يمارس صلاحياته وزير الجيش كاتس، أو وزير القضاء لافين، ريثما يخرج من المستشفى.
ويستعرض محرّر صحيفة “هآرتس” العبرية ألوف بن تحليلاً مغايراً في مقال بعنوان “لماذا لا توجد صفقة”، يقول فيه إن الحكومة وقادة الجيش لا يريدون وقف الحرب والانسحاب من القطاع والصفقة، لافتاً إلى أن نتنياهو يواصل تبرير ذلك بالإشارة لضرورة استكمال “النصر المطلق”.
ويرى بن أن التحليلات السائدة تقول إن اعتبارات سياسية تحرّك نتنياهو: الخوف من تفكيك بن غفير وسموتريتش للحكومة، وإن رؤساء المؤسسة الأمنية يريدون صفقة لكنهم عاجزون. ويضيف: “هذه القصة تخدم الطرفين: من خلالها يستطيع نتنياهو اتهام قادة الجيش بالانهزامية بعكس موقفه الصارم، وهم يستطيعون من خلالها طرحه كضعيف وألعوبة بيد المتطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش. غير أن الوقائع على الأرض تثير علامات سؤال ثقيلة حول هذه القصة المتداولة”.
ألوف بن، الذي سبق واتهم إسرائيل هو الآخر بارتكاب جرائم حرب داخل القطاع، يوضح أن المجهود الإسرائيلي الحربي الآن مستمر في جبهتين: شمال غزة، حيث يتواصل التدمير والتطهير تمهيداً للضم، وربما الاستيطان كعقاب على السابع من أكتوبر، وهنا لا يوجد خلاف بين نتنياهو والجيش. كذلك في جبهة اليمن مواقف نتنياهو وقادة الجيش متطابقة: الكل مع التصعيد، والكل يشرح أن الضربات في اليمن هي تدريب وتمهيد لضربة كبرى في إيران حيث هناك فرصة تاريخية لتدمير مشروعها النووي”.
وفي تحليله المختلف يقول ألوف بن إن الصفقة مع “حماس” ستؤدي لنتائج لا يريدها نتنياهو وقادة الجيش: الصفقة ستعيد القطاع للفلسطينيين وتحول دون ضم واستيطان، وكذلك ستوقف الحوثيين عن القصف وعن محاصرة البحر الأحمر، وعندها سيكون من الصعب تبرير ضربة في إيران خاصة أن الهدوء في اليوم التالي سيولّد مبادرات دبلوماسية بين طهران والغرب. ورغم هذا التأكيد لا بد من السؤال: هل فعلاً إسرائيل بحاجة لتبرير وشرعية دولية لضرب إيران بعدما صمت ويصمت المجتمع الدولي على جرائمها المتتالية في غزة، خاصة أن حليفها ترامب يوشك على دخول البيت الأبيض؟
في المقابل، وفي كل الأحوال، يقول ألوف بن إنه طالما بقي المخطوفون في غزة تستطيع إسرائيل مواصلة المجهود الحربي وتعميق احتلالها لشمال القطاع وتتمنّى صدور ضوء أخضر أمريكي بضرب إيران.
في هذا المضمار، دعا وزير الجيش الأسبق رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، في تصريحات إعلامية اليوم، لـ”اغتنام الفرصة النادرة” في الفترة الانتقالية بين بايدن وترامب لضربة كبيرة في إيران تدمّر مفاعلاتها النووية وتوقف الحوثيين.
ويمضي ألوف بن في قراءة المنطق الذي يقود نتنياهو لرفض الصفقة: “بناءً على ما تقدّم يقترح نتنياهو صفقة جزئية فقط تبقي عدداً من المخطوفين في غزة ومواصلة سيطرته في شمال القطاع وتتيح له مواصلة الحرب تمهيداً لضرب إيران”. ويشير إلى أن نتنياهو يستغل عملياً حقيقة أن الحرب تحظى بدعم إسرائيلي شعبي واسع منذ ضربة “حزب الله” وسقوط الأسد.
كما يرى ألوف بن أنه رغم السجال المعلن والنقاش المعلن بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل حول السؤال لمن هذه المكاسب، لكنهم جميعاً يعملون بانسجام في شمال القطاع وفي اليمن ويستعدون لـ”أم الضربات” في إيران. في هذه الحالة سيبقى المخطوفون البؤساء في ذيل سلم الأولويات.
ومن المرجح جداً أن يكون تفسير ألوف بن مصيباً، وهو يبحث عن جواب للسؤال لماذا لا توجد صفقة بعد 450 يوماً من الحرب، خاصة إشارته للمآرب غير المعلنة لدى نتنياهو وحكومته وقادة الجيش، والمتعلقة بالطمع في ضم وتهويد شمال القطاع والاحتفاظ بتبرير لضرب إيران، فهم يبحثون عما يتعدى الحسابات الفئوية والشخصية فحسب: كيّ وعي الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال السعي لحدث تاريخي جلل يوازن ضربة “طوفان الأقصى”. علّ ذلك يخدم إسرائيل، هيبتها وقوة ردعها ومساعيها لحسم الصراع، ويمكّنها من إلغاء فك الارتباط الذي ندم نتنياهو على تأييده عام 2005 بضغط من شارون، واستعادة السيطرة على البلاد من البحر للنهر لدواعٍ أيديولوجية لدى الائتلاف الصهيوني الأكثر تشدداً برئاسته. وهذا ينسجم مع تطلعات نتنياهو بالبقاء على كرسي الملك المهتز حالياً، والبقاء في التاريخ بعدما سقط منه في السابع من أكتوبر بعيون الإسرائيليين.
المصدر / القدس العربي