بيت لحم /PNN/ في ظل تنامي ظاهرة الإدمان في فلسطين، يُشكّل “المركز الوطني الفلسطيني للتأهيل” في بيت لحم خطوة رائدة في تقديم العلاج المتخصص للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المواد المخدرة، حيث يُعدّ المركز الوحيد في الضفة الغربية الذي يوفر خدمات علاجية وتأهيلية متكاملة ومجانية.
وقال مدير المركز، الدكتور سائد البلبيسي، في حديث لـPNN، إن المركز أُنشئ عام 2015 وتم افتتاحه رسميًا في العام 2019، ويُعدّ أحد مراكز وحدة الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية. وجاءت الحاجة الملحة لتأسيس المركز نتيجة الارتفاع الملحوظ في عدد الحالات منذ عام 2011، ما دفع إلى تشكيل “اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات وعلاج الإدمان”، ومن ثم تطوير منظومة علاجية شاملة، بدأت بمركز العلاج بالبدائل في رام الله، وتوّجت بإنشاء مركز التأهيل في بيت لحم كمركز نهاري وليلي.
وأضاف البلبيسي أن المركز يمتد على مساحة تقارب 1630 مترًا مربعًا، ويتكون من ثلاثة طوابق مجهّزة بالكامل لتقديم خدمات علاجية شاملة، تشمل التقييم النفسي والطبي والاجتماعي، والعلاج بالبدائل، وخدمات التمريض والطب النفسي، إضافة إلى برامج التأهيل وإعادة الدمج المجتمعي.
وأوضح أن استقبال المرضى يتم بسرية تامة ومجانًا، حيث يُستقبل المريض برفقة أحد أفراد عائلته، ويُستبدل اسمه برقم حفظًا للخصوصية. تبدأ رحلة العلاج بمرحلة إزالة السمية، ثم ينتقل المريض إلى مرحلة التأهيل التي تشمل برامج جماعية وفردية، إضافة إلى النشاطات البدنية داخل صالات رياضية وملاعب كرة قدم وطائرة.
وأشار إلى أن مدة العلاج تتراوح ما بين 45 يومًا إلى شهرين، حسب حالة كل مريض، مع وجود برنامج متابعة لاحق من خلال العيادات الخارجية. ومنذ افتتاحه، استقبل المركز نحو 2760 حالة من الذكور والإناث، ويلاحظ ازدياد ملحوظ في عدد المراجعين.
وبحسب البلبيسي، فإن معظم الحالات تعاني من إدمان على الحشيش الصناعي (الهايدرو والنايس) والماريجوانا، إضافة إلى مواد كالهيروين والكوكايين، وكذلك الكحول. وأكد أن “الوصمة الاجتماعية” تبقى التحدي الأكبر، حيث يتردد العديد من المرضى وأهاليهم في التوجّه للمركز، داعيًا الأسر إلى التعامل مع الإدمان كمرض مزمن يحتاج إلى علاج لا إلى إخفاء.
ولفت إلى أن المركز يواجه تحديات لوجستية كذلك، خاصةً في ظل الوضع السياسي والحواجز العسكرية التي تعيق وصول المرضى من مختلف مناطق الضفة الغربية.
وعن الخطط المستقبلية، كشف البلبيسي عن وجود توجهات لافتتاح مركز جديد في شمال الضفة، إضافة إلى مركز خاص بعلاج النساء والأطفال ضمن خدمات داخلية، لتوسيع نطاق التغطية العلاجية.
كما أشار إلى أن المركز يعمل بالشراكة مع عدة جهات دولية، من أبرزها مجلس أوروبا، ومجموعة “بامبيلو”، والمركز الأوروبي المعني بالمخدرات، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة الصحة العالمية، إلى جانب الدعم الأساسي من وزارة الصحة الفلسطينية.
ونوّه البلبيسي إلى أهمية دور الإعلام في التوعية، داعيًا إلى تكثيف الحملات الإعلامية لتسليط الضوء على هذه الخدمة النوعية التي لا تتوفر في أي مركز آخر داخل فلسطين، مضيفًا أن مركز بيت لحم يُعدّ الثالث عربيًا الذي يعمل بمعايير علاجية دولية معترف بها عالميًا.
وفي سياق الحديث عن قصص النجاح، أشار البلبيسي إلى تجربة شاب فلسطيني يبلغ من العمر 26 عامًا، درس الخدمة الاجتماعية وسافر إلى أمريكا لاستكمال دراسته، وهناك وقع في فخ الإدمان، لكنه قرر العودة للعلاج، فخضع لبرنامج مكثف داخل المركز، وبعد تعافيه بدأ ببناء مستقبله من جديد، وتزوج وأصبح مديرًا لشركة.
وختم البلبيسي حديثه برسالة إلى أسر المدمنين، مؤكّدًا أن الإدمان مرض يمكن علاجه، داعيًا الجميع إلى التوجّه إلى المركز دون تردد، خصوصًا أن الخدمة تقدم بسرية تامة، وجودة عالية، ودون أي مقابل مادي.