تل ابيب /PNN /نشرت قناة "كان" العبرية تقريرًا يكشف عن نهب منظّم للحيوانات من قطاع غزة، بمشاركة جمعيات إسرائيلية وشحن جوي عبر مطارات الاحتلال، وتواطؤ كامل من مؤسسات فرنسية استقبلت هذه الحيوانات واحتفت بها. وتأتي جريمة النهب بينما احتلت الحمير، خلال الحرب على قطاع غزة، موقعًا محوريًا في حياة الناس اليومية، باعتبارها وسيلة النقل الأساسية في ظل شح الوقود جراء استمرار الحصار الإسرائيلي. وقد اكتسبت الحمير أهمية بالغة إلى درجة أن الغزيين نظموا قبل فترة تكريمًا لها بمهرجان شعبي، حمل طابعًا رمزيًا مؤثّرًا: سجادة حمراء، وزينة وورود، وسط الركام.
لم تقتصر هذه الظاهرة على قطاع غزة؛ فقد نشرت وسائل إعلام عبرية كذلك قصة سرقة تحت عنوان "حمار تم إنقاذه من الخليل"،
وبحسب قناة "كان" الرسمية، نفذ جنود من الجيش الإسرائيلي عمليات جمع عشرات الحمير من المناطق التي اجتاحوها داخل قطاع غزة خلال الحرب، بحجة أنها كانت "مريضة، مهملة، أو مصابة". وأضافت القناة أنه جرى تصوير العملية كما لو كانت "حملة إنقاذ بيطري طارئة"، بينما هي في الحقيقة مصادرة قسرية لممتلكات مدنية خلال صراع مسلح، يُصنفها القانون الدولي كجريمة حرب.
الحمير التي سُرقت من غزة نُقلت إلى مزرعة تأهيل تُدعى "להתחיל מחדש" (لنبدأ من جديد– Starting Over Sanctuary)، تقع في "موشاف حرّوت" جنوب تل أبيب، وتديرها الناشطة شارون كوهين، التي ظهرت في عدة مقابلات لتروي قصصًا "عاطفية" عن حمير "تعاني من صدمات نفسية"، وتُظهر علامات خوف من البشر، وتحتاج إلى عناية خاصة.
لكن هذه المزرعة ليست سوى محطة وسطى في سلسلة نهب كاملة: لا تملك أوراق ملكية، ولا تتواصل مع أصحاب الحيوانات، ولا تعترف بأي التزام أخلاقي أو قانوني تجاه سكان غزة. تُقدم نفسها كمكان "شفقة"، لكنها في الحقيقة تُدير مخزونًا مسروقًا من حيوانات مدنية فلسطينية، أُخذت تحت الاحتلال، وبحماية عسكرية.
وفي 18 أيار/ مايو 2025، تم شحن أول دفعة من الحمير – 58 حمارًا – من مطار بن غوريون الدولي إلى مطار لييج في بلجيكا، ومن هناك إلى ملاجئ فرنسية وبلجيكية. وتولّت شركة الشحن الجوي الإسرائيلية Orien Cargo العملية، تحت إدارة أيال غرشون، وبالتنسيق مع جهات دولية أبرزها مؤسسة Network for Animals التي تديرها غلوريا ديفيز وشانون إدواردز.
أما الدفعة التالية نُقلت إلى ملاجئ فرنسية أبرزها محمية "La Tanière – Zoo Refuge" قرب مدينة شارتر الفرنسية، التي استقبلت هذه الحيوانات بحفاوة، وقدمتها كرمز "للرحمة والتحضر".
فرنسا لم تكتفِ باستقبال الحمير، بل أعطت العملية "بعدًا سياسيًا"، حيث أصبح كل حمار يُروى على لسانه "قصة نجاة من الجحيم"، بينما سُحقت القصة الأصلية: أن هذا الحمار فلسطيني، له صاحب فلسطيني يعيش تحت نار الإبادة والتجويع.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على قطاع غزة؛ فقد نشرت وسائل إعلام عبرية كذلك قصة سرقة تحت عنوان"حمار تم إنقاذه من الخليل"، نُقل إلى مزرعة التأهيل نفسها، بحجة "سوء الرعاية". ويعود الحمار لمزارع فلسطيني، وتمت مصادرته خلال حملة عسكرية إسرائيلية.
لا توجد حرب في الخليل، ولا قصف ولا انهيار بنى تحتية. ومع ذلك، تم أخذ الحيوان كما لو أنه بلا مالك، ونُقل إلى داخل الخط الأخضر. هذه القصة تُؤكد أن ما يجري ليس استجابة طارئة لوضع إنساني، بل نهج منتظم لنهب ممتلكات الفلسطينيين، من غزة إلى الضفة.
من يشاهد الفيديوهات الإسرائيلية، يظن أنه أمام فيلم إنساني: حمير تأكل الجزر، وأطباء بيطريون يعتنون بها، وأوروبا "المتحضرة" تفتح ذراعيها للحيوانات المنكوبة. لكن هذه المشاهد ليست سوى غلاف ناعم لجريمة متكاملة: احتلال يسرق، وجمعيات تبرر، ودول غربية تصدّر القصة على أنها "رأفة ورحمة".