الشريط الاخباري

المهاجر المنعزل عبء على نفسه وعلى المجتمع بقلم اياد ابو روك

نشر بتاريخ: 09-12-2025 | أفكار , فلسطينيون في المهجر
News Main Image

تستقبل المجتمعات الاوروبية منذ سنوات اعدادا كبيرة من المهاجرين القادمين من مختلف دول العالم وتقدم لهم فرصا واسعة للعيش الكريم وتمنحهم الامان والمسكن والعمل والحريات الاساسية تلك الحقوق التي حرم منها كثيرون في بلدانهم الاصلية لذلك يبدو منطقيا ان يشعر المهاجر بالامتنان لهذا الفضاء الذي اتاح له بداية جديدة وحياة مختلفة جذريا عما تركه خلفه ومع ذلك يظهر في صورة المهاجر العربي والشرقي تحديدا تناقض صارخ لا يمكن تجاهله فبعضهم يبدي حبا كبيرا للبلد المضيف ويؤكد انه وجد فيه الراحة والكرامة والحقوق لكن هذا الحب يتوقف عند حدود ضيقة سرعان ما تتكسر حين يتعلق الامر بالاندماج الحقيقي في المجتمع

فجزء من المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط يتعامل مع الاندماج بوصفه تهديدا لهويته وليس باعتباره فرصة لتوسيع افقه او بناء حياة مشتركة داخل مجتمع جديد ويذهب بعضهم ابعد من ذلك حين يحاول فرض خطاب ديني متشدد يتعارض جذريا مع القيم المدنية التي تقوم عليها الدول الاوروبية فهم يرفضون المشاركة في المناسبات الثقافية او الاعياد العامة ويرون ان اي تفاعل اجتماعي مع الاوروبيين هو خطر على ايمانهم او قيمهم الشخصية وفي الوقت نفسه يتمسكون بالبقاء في هذه البلاد ويتمتعون بكل ما تقدمه من مزايا دون ان يشعروا باي مسؤولية تجاه المجتمع الذي يعيشون داخله

هذه العقلية تعد شكلا من اشكال الاستفادة الانتقائية من منظومة حقوقية متقدمة دون قبول واجباتها الاساسية فهي تستفيد من الامان والحرية والدعم الاقتصادي لكنها ترفض الاسس الاخلاقية التي يقوم عليها هذا الفضاء مثل المساواة وحرية المعتقد واحترام الاخر وتعددية المجتمع وهذا الرفض لا يقتصر على المواقف الشخصية بل يتحول احيانا الى خطاب منغلق يسعى لتشكيل تجمعات منعزلة داخل المجتمع الاوروبي مما يعزز مناخ الشك والتوتر ويقوض كل محاولات بناء جسور الثقة المتبادلة

الاشكالية الكبرى ليست في الدين بل في توظيفه لتبرير العزلة والانفصال الدين في جوهره اخلاق ورحمة ووصايا انسانية عامة تحترم البشر اينما كانوا بينما يتحول هنا الى اداة لخلق مسافة عدائية مع المجتمع المضيف ونشر تصور يقوم على ان المهاجر غير مطالب بالاندماج لان عليه فقط ان يحافظ على هويته كما هي وكان الهوية كيان ثابت غير قابل للتطور او الاتساع وبهذا يتحول بعض المهاجرين الى نموذج مضاد تماما للقيم الاوروبية التي بنيت على التسامح والحرية ورفض اي شكل من اشكال التشدد

في المقابل تظهر نماذج عربية مشرقة استطاعت ان تقدم صورة مختلفة تماما نماذج عملت ونجحت واثبتت ان الهوية ليست سجنا بل قدرة على التحرك بين ثقافتين والانتماء الى مجتمع جديد دون فقدان الجذور هؤلاء لم يكتفوا باخذ الحقوق بل قدموا للمجتمع قيمة اضافية وشاركوا في الحياة الاقتصادية والتعليمية والثقافية وكان انتماؤهم للبلد المضيف واضحا ومسؤولا وهذه النماذج هي التي تثبت للمجتمع الاوروبي ان المهاجر يمكن ان يكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة

الاندماج ليس تنازلا عن النفس بل فعل احترام متبادل والمشكلة ليست في الاختلاف الثقافي بل في من يرفض ان يكون فردا مسؤولا داخل مجتمع مدني حديث ان البقاء في بلد ما يعني الاعتراف بقيمه وقوانينه ومبادئه وعلى من يرفض ذلك بوعي كامل ان يراجع اسباب وجوده في هذا المكان لان الموقف القائم على الرفض والتشدد لا يضر فقط بصورة المهاجرين بل يعرقل قدرة المجتمعات الاوروبية على بناء مستقبل مشترك قائم على المساواة والحرية والكرامة الانسانية

السؤال الحقيقي هو ماذا يريد هؤلاء من هذه البلاد وهل يبحثون عن وطن جديد ام مجرد مساحة للاستفادة دون التزام ان مستقبل الهجرة في اوروبا سيعتمد على قدرة المهاجر على الانخراط الفعلي في منظومة قيمية شفافة وواضحة ومن لا يرغب في ذلك سيظل عالقا بين عالمين لا ينتمي لا اليهما ولا منهما بينما العالم يتحرك الى الامام بثقة ورؤية واضحة

اياد أبو روك

شارك هذا الخبر!