بيت لحم /PNN/ يشكو سكان قرية نحالين، غرب بيت لحم، من تدهور متسارع في بيئتهم الزراعية ومصادر مياههم الطبيعية، خاصة نبع عين فارس، نتيجة ضخ مستوطني بيتار عيليت الواقعة فوق أراضي القرية كميات من المياه العادمة نحو الوديان والأراضي المزروعة، في ممارسة وصفها الأهالي بأنها "التهديد الأخطر لوجودهم الزراعي" منذ سنوات.
و تواجه عين فارس وأراضي نحالين مرحلة خطرة من التدهور البيئي والزراعي بفعل ممارسات الاستيطان، في ظل تغييب واضح لحقوق السكان وغياب أي مساءلة دولية.
ويؤكد أهل القرية أن استمرار هذه الاعتداءات يهدد الأمن الغذائي والهوية الزراعية للريف الغربي في بيت لحم، ويستدعي تحركًا دوليًا لحماية أحد أهم الموارد الطبيعية في المنطقة.
تلوّث متعمّد يضرب نبعًا تاريخيًا
يصف المزارعون في نحالين نبع عين فارس بأنه "شريان الحياة" للزراعة المحلية، إذ طالما وفّر المياه لري ما بين 300 و500 دونم من الأراضي الزراعية المزروعة بالزيتون واللوزيات والخضروات. لكنّ مياه النبع باتت، وفق السكان، ملوّثة وغير صالحة للري بعد سنوات من ضخ المياه العادمة من المستوطنة.
يقول المزارع محمد خالد فنون إن أراضيه :"لم تعد تنتج كما كانت: "أصبحت المياه غي صالحة للري، وتلفت مساحات واسعة من أشجار الزيتون. ننزل مرة أو مرتين في الأسبوع، لكن الوضع يزداد صعوبة مع القيود والاعتداءات."
ويؤكد الأهالي أن المستوطنة تفرغ مياه الصرف الصحي عبر قناتين: الأولى تتسرب إلى باطن الأرض وتصل الخزان الجوفي، والثانية تجري مباشرة عبر الوادي وصولًا إلى محيط النبع، مسببة روائح كريهة وانتشار حشرات وتدهورًا سريعًا للتربة.
ضرر بيئي وزراعي واسع
تقول جنى هلال، مديرة وحدة المياه والبيئة في معهد أريج للابحاث التطبيقية، إن عين فارس أصبحت "نموذجًا حيًا لاعتداءات الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية"، مشيرة إلى أن إسرائيل وأذرع المستوطنين "سيطروا بالكامل على 30 نبعًا من أصل 56 نبعًا فلسطينيًا في الضفة الغربية"، وأن هذه السيطرة تمثّل حرمانًا مباشرًا للفلسطينيين من أحد أهم حقوقهم الطبيعية.
وتضيف: "يقوم مستوطنو بيتار عيليت بضخ المياه العادمة نحو عين فارس، ما يلوثها ويدمر الأراضي الزراعية. المزارعون والمزارعات هم الأكثر تضررًا من هذا الاعتداء المباشر."
وتؤكد بلدية نحالين أن التلوث المستمر أدى إلى ارتفاع ملوحة التربة، وتلف مساحات من الزيتون ومحاصيل الخضار، ما تسبب بانخفاض الإنتاج الزراعي وحرمان عشرات العائلات – وخاصة النساء العاملات في القطاع الزراعي – من مصدر رزقهن.
قيود على الوصول إلى الأراضي
يشير نعيم نجاجرة، القائم بأعمال رئيس بلدية نحالين، إلى أن المستوطنات المحيطة – وعددها ست مستوطنات أبرزها بيتار عيليت – تفرض قيودًا مشددة على حركة المزارعين: "الناس ممنوعون من الوصول إلى أراضيهم، ومن يقترب يتعرض للاعتقال أو الاعتداء. الاحتلال أغلق طرقًا زراعية ورفع سواتر ترابية لمعاقبة السكان."
ويضيف أن سياسة ضخ مياه الصرف أدت إلى "تدمير الأراضي بشكل ممنهج، في محاولة لدفع السكان إلى ترك أراضيهم وتقليص الوجود الزراعي الفلسطيني".
تهديد لحقوق الإنسان والقانون الدولي
يشير تقرير سابق أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2012 إلى أن المستوطنين استولوا على 30 نبعًا فلسطينيًا بشكل كامل، ما حرم المجتمعات المحلية من حق الوصول إليها، في خرق واضح للقانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وتقول هلال إن الاعتداء على عين فارس"يمثل انتهاكًا مباشرًا للحق في المياه النظيفة والغذاء والبيئة الصحية"، ودعت المؤسسات الدولية إلى "توفير حماية عاجلة للنبع والسكان".
محاولات محلية للحفاظ على الأرض
رغم القيود، يواصل المزارعون تنظيف القنوات الزراعية، وإعادة تأهيل الأراضي حين تسمح الظروف، بينما تعمل البلدية على إنشاء عبارات لتصريف المياه الملوثة بعيدًا عن النبع.
و يؤكد المهندس علي غياظة أن حماية التربة ممكنة في حال توقفت مصادر التلوث: "إذا تم وقف ضخ المياه العادمة، يمكن إعادة غسل التربة وحراثتها وتمديد عمرها الزراعي. المشكلة الأساسية هي استمرار الاعتداء."
وفي رسالة تعبّر عن تمسّك الأهالي بأرضهم، تقول أم موسى، فهيمة عيسى غياظة: "هذه الأرض إلنا وبتظل إلنا غصبًا عنهم… اللي يرضى واللي ما يرضى."
ويطالب اهالي نحالين ومؤسسات حقوقية ودولية دعوات للمجتمع الدولي إلى حماية النبع عبر وقف ضخ المياه العادمة نحو الأراضي الزراعية و تأمين حرية وصول المزارعين إلى أراضيهم.
كما يطالب اهالي القرية بإعادة تأهيل الأراضي المتضررة و توفير حماية دولية للموارد المائية كما شددوا على ضرورة تعزيز التوثيق والدعم القانوني لحقوق المزارعين.
جاء هذا التقرير ضمن مشروع المناصرة لرفع الوعي الدولي حول قضايا إدارة المياه وانتهاكات الاحتلال بحق الينابيع في محافظة بيت لحم، المنفَّذ من قبل معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج)، وبدعم من مؤسسة هينرش بُل. ولا تعبّر الآراء الواردة بالضرورة عن وجهة نظر المؤسسة الداعمة.
منتج منفذ : شبكة فلسطين الاخبارية PNN