الشريط الاخباري

في ساحة المهد ... خيمة مصلوبة تصرخ اين ابنائي؟

نشر بتاريخ: 20-09-2016 | أفكار
News Main Image

بقلمl عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين

في الطريق الى مغارة الحليب ، حيث القطرة الاولى والابيض في الكون والقلوب، وعلى ساحة البلاط المقدس لكنيسة المهد في بيت لحم، وبين صوت الآذان وصوت الاجراس ، شيدت خيمة الاعتصام التضامني مع الاسرى المضربين عن الطعام والذين دخلوا شهرهم الثالث: الاشقاء محمد ومحمود البلبول ومالك القاضي، وهناك تسمع كل ليلة صراخ خيمة مصلوبة تنادي: اين ابنائي؟

في مدينة الميلاد، حيث رائحة التاريخ المرسوم بيد الزمن والانبياء والدماء، نقوش محفورة في الحجارة والاجساد و بين الآيات ، امنيات وتأملات للمحبة والسلام والخلاص، تسمعها بين الصلوات المتتاليات ، وهناك تشم شهوة الحرية وصراع الوحي مع الشياطين وانبثاق شجرة الحياة في أعالي السماء.

في مدينة الميلاد نعتصم كل ليلة في الخيمة ، عائلات الاسرى والفعاليات والمتضامنين ، رجال واطفال وشباب ونساء، صوت الاسرى المضربين تملأ الخيمة، الجدران موشومة بالشعارات والمطالبة بإنقاذ حياتهم ومنع حكومة الاحتلال من ارتكاب جريمة بحقهم.

في الخيمة تمضي الايام، تذوب اجساد الاسرى رويدا رويدا، الاخبار القادمة من المحامين والاطباء مفجعة ، يسود التوتر اجواء الخيمة، يعلو صراخها وهي تنادي على اولادها الغائبين، هنا القيد والخوف والانتظار.

خيمة ساحة المهد مصلوبة على كل الاتجاهات، دم يسيل على الخدين وفي المغارة، ذكريات حصار الكنيسة تقتحم الوقت وهي تنبش عن جثث المقتولين وحديث الموتى والمبعدين والمحاصرين والمأسورين، ولغة الخيمة ليست ككل اللغات ، بشر ولدوا في احضان السلاسل، وبشر ذهبوا للنبوءة وقرعوا جرس العالم، ولم يأت سوى الصمت والاحتلال والمستوطنين.

تقول الخيمة: ان الاسير مالك القاضي يصارع الموت ، دخل في غيبوبة حادة، وأصيب بنوبات قلبية وصار الوقت فوق رأسه كالسيف، وتقول: ان الشقيقين البلبول فقدا البصر والسمع، ولكنهما يحتضنان والدهما الشهيد مضرجا بالدم والرصاص في شوارع بيت لحم عندما اعدمته قوات الاحتلال في ذلك المساء من عام 2008، يشبعان بالرضى والدعاء.

هناك يقين، تخاطب الخيمة كل الحاضرين، ولهذه التضحيات معان قريبة وبعيدة، ليس الاحتلال قدر الشعب الفلسطيني، وليس صعبا ان نسقط سياسة الاعتقال الاداري بالجوع والارادة والوحدة، فمقياس الحرية هو ان تحرك جوعك في الصحراء، وتحرك يدك في مفتاح الباب ، وأن تدق وتدق حتى يقدح الحديد بالضوء.

ولا تكف الخيمة المصلوبة عن الصراخ، سبعة آلاف اسير وأسيرة يقبعون في السجون، قوانين تعسفية وعنصرية تطبق عليهم، حرمان من الحياة ومن الكرامة ومن العودة الى البيت والاولاد، اطفال يعذبون ومرضى يتألمون ، وأسرى قطعوا كل المسافات في زمن السجون ليصلوا الى الابد، وتصرخ الخيمة في الناس والحضارة والديقراطية ومباديء حقوق الانسان ، دم يراق ولا زال العالم تحت حراسة دولة اسرائيل مقيدا.

يصل الشهيد حسين عبيات الى الخيمة، يسأل عن مالك القاضي، يترك بندقيته مصوبة نحو مستوطنة جيلو، يغادر في الشظايا ويكبر في الانفجار، وقد رأى الناس كيف ربط العلم الفلسطيني بخيط من الحلم وصعد الى الاعلى.

يصل الشهيد احمد البلبول الى الخيمة ، يقبل هواء بيت لحم الدافيء ، يحتضن اولاده الصغار، يغادر بسرعة الضوء قائلا احبكم، فالطريق الى الغد جرح مفتوح.

تتوسع الخيمة، يمتد الاضراب المفتوح عن الطعام، هناك ماء في الروح، وهناك توتر وغضب لدى الجلادين والسجانين، وكانت الشمس قد ايقظت الاجساد المنهكة ، فتحت النافذة، النوم خرج حافيا في أزقة بيت لحم القديمة ، امام البيوت، في الحقول، هي مدينة تحمل على صدرها طفل الحرية.

في الخيمة المصلوبة في ساحة المهد سمعت المتضامنين يرددون قصيدة الشاعر التلحمي خليل توما: بيني وبين السجن خطوة بيني وبين الموت خطوة بيني وبين النصر خطوة

شارك هذا الخبر!