الشريط الاخباري

لن يتحقق السلام بدون دولة فلسطينية

نشر بتاريخ: 19-02-2017 | أفكار
News Main Image

بقلم/ سمير عباهرة

تبدو ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترمب عاجزة تماما عن فهم طبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والذي يعتبر من اعقد الصراعات التي عرفها التاريخ وأطولها في تداخلاته الجغرافية والسياسية والايديولوجية وعلى ما يبدو ان وضع حد لنهايته بات يصطدم بعقبات كثيرة قديمة وجديدة بعدما ثارت هناك امالا عريضة لدى الجانب الفلسطيني في امكانية حصول الفلسطينيين على حقوقهم وفق حل الدولتين والذي كان يلقى قبولا من كافة الاطراف ذات العلاقة بالصراع وفي مقدمتهم الولايات المتحدة في عهد الادارات السابقة والتي كانت تنادي بحل الدولتين حتى وصول الرئيس الامريكي ترمب الى الحكم الذي انقلب على تلك المفاهيم.وبقي العالم يردد لسنوات طويلة وتحديدا منذ ربع قرن المرتكزات التي تقوم عليها عملية السلام على اساس حل الدولتين ووقف شامل للاستيطان حتى ان كثيرا من دول العالم اعترفت بدولة فلسطين ومنها دولا اوروبية. وعندما وصل دونالد ترمب الى الحكم تغيرت تلك المفاهيم وأصبح يتبنى مفاهيم نتنياهو في تحقيق السلام. ففي المؤتمر الصحفي الذي جمع ترمب ونتنياهو لم يأتيا على ذكر حل الدولتين ومسألة الاستيطان وهو ما يبدد اي فرصة لقيام سلام. والغريب في الامر ان ترمب يصر على تحقيق السلام لكنه لم يحدد الاسس والمرتكزات الجديدة الذي تقوم عليه عملية السلام في ظل التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني واكتفى ترمب بالقول "ان بلاده ستسعى بكل قوة لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة بالتعاون مع اسرائيل وتحقيق اتفاق سلام كبير مع الفلسطينيين لكن الطرفين هما من يتوجب عليهما التفاوض والتوصل لهذا الاتفاق فيما ستقف امريكا الى جانبهما". ويضيف ترمب " اعتقد ان نتنياهو وإسرائيل راغبان بالتوصل الى سلام مع الفلسطينيين وان يشاهدا الاتفاق الكبير والواسع فيما يجب على الفلسطينيين التنازل عن جزء من الكراهية التي يعلموها للجيل الشاب فهم يعلمونهم الكثير من الكراهية ويجب عليهم الاعتراف بإسرائيل ". ترمب يكون بذلك قد حرر نتنياهو من الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بل اعطى نتنياهو الضوء الاخضر لتكسير كافة قرارات الشرعية الدولية وتجاهل تماما وجود طرف رئيسي من اطراف الصراع يمتلك من الخيارات والبدائل ما يجعل ادارة ترمب تعيد حساباتها، فرغم الدعم الاستراتيجي الامريكي لاسرائيل والحفاظ على تفوقها النوعي والكمي الا ان ذلك لم يستطع توفير الامن والامان لاسرائيل وان حصول الفلسطينيين على حقوقهم فقط كفيلا بتوفير الامن والامان في المنطقة لينعم العالم بسلام. هذه حقيقة توصلت اليها دول العالم بما فيها الولايات المتحدة في عهد بوش الاب والذي كان من اكثر الادارات تشددا في عهد المحافظين الجدد لكنهم اعترفوا بحق الشعب الفلسطيني بضرورة اعطاءه دولة مستقلة. مهما كانت التداعيات فان الفلسطينيون سيبقون متمسكون بحقوقهم في اقامة دولة مستقلة لهم، وان نتياهو سيكون واهما جدا فيما لو كان يعتقد بامكانية خلق معادلة جديدة للصراع خارج الحقوق الوطنية الفلسطينية في ظل الموقف الامريكي الجديد لان من شأن ذلك ان يصطدم بجبال من العراقيل وفي مقدمة تلك العراقيل الجبهة الداخلية الاسرائيلية اذ ان اليمين الاسرائيلي بزعامة نتنياهو وجد نفسه محاصرا من قبل الاوساط السياسية الاخرى التي باتت تنادي بالفصل مع الفلسطينيين وان اقامة دولة فلسطينية يمكن فقط ان تنهي الصراع ويحقق السلام والامن والامان. انفتاح ترمب على حل الدولة الواحدة كخيار محتمل يواجه كثيرا من المعيقات ويبدو حلا غير قابل للتطبيق فمفهوم الدولة الواحدة يعني انها دولة واحدة يتساوى فيها الفلسطينيون واليهود تحت سقف واحد وحقوق واحدة متساوية وهو مفهوم يضرب ما ينادي به نتنياهو باقامة دولة يهودية ولذلك فان جذور الرفض لهذا الاقتراح سيكون اسرائيليا حيث يدرك نتنياهو بان العامل الديمغرافي سيتحكم بمستقبل تلك الدولة في ظل الزيادة العددية للفلسطينيين بما يمكنهم من تبؤ الحكم في المستقبل. وهكذا فان الذي يطالب بالاعتراف بيهودية دولة اسرائيل لن يقبل باقامة الدولة الواحدة وعليه فان الحل الوحيد الباقي بين الحلول هو حل الدولتين او اعادة الصراع الى عناصره الاساسية والى مربعه الاول.

تراجع ترامب هو الحدث الابرز في مواقف الادارات الامريكية التي عاصرت عملية التسوية منذ اطلاقها وان كان موضوع حل الدولتين قد بقي متداولا نظريا في مواقف الادارات السابقة الا ان ادارة ترامب قد تخلت عنه نظريا وبقيت المفاهيم العملية واحدة في مواقف كافة الادارات، وهو بحد ذاته تراجع عن مسألة استراتيجية كانت تنادي بها ادارة الرئيس الامريكي الاسبق بوش الاب بتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط الذي يتطلب حلا للصراع الفلسطيني الاسرائيلي اذ ان الاستقرار في المنطقة يشكل احد المصالح الامريكية في هذه المنطقة التي تعج بالتناقضات والأحداث والحروب والنزاعات العرقية والسياسية. هذا مع الاشارة الى ان مسألة الاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وكذلك اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير كان يدخل في اطار اقامة الدولة الفلسطينية.لكن سرعان ما تبخرت تلك المفاهيم في مواقف الادارات الامريكية وبقيت تستحوذ بشكل كامل على كل الجهود السياسية المرتبطة بالعملية التفاوضية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ولم تسمح لاية جهة كانت ان تدخل على هذا الخط حتى ان الرباعية الدولية جرى تهميشها على يد التفرد الامريكي وبقيت الولايات المتحدة تتمسك فقط بإدارة الصراع في ظل غياب موقف امريكي متوازن بين قطبي الصراع بل وفرت الدعم لما تقوم به اسرائيل من خرق وحرق للشرعية الدولية. هناك تناقض واضح في المواقف الامريكية الجديدة بخصوص الصراع وإذا كان الرئيس الامريكي دونالد ترامب يعتقد ان "السلام "هو الهدف النهائي فما هي مرتكزاته عندما اكد حتى لو كان السلام بين اسرائيل والفلسطينيين لا يتضمن حل الدولتين .. اذا كيف سيتم التوفيق بين هذان الطرحين وما هو مفهوم السلام وكيف سيتحقق في ظل عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم بإقامة دولة مستقلة لهم.

شارك هذا الخبر!