الشريط الاخباري

مفاجأتان في معتقل المسكوبية

نشر بتاريخ: 25-05-2018 | أفكار
News Main Image

بقلم عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين

هناك مفاجأتان، وهناك نجوم لا نراها تنام خارج اجفاننا، وهناك مساء كله دخان، نقدم اجسامنا ولحمنا واحلامنا لوطن يتنبأ بمسارات ارواحنا ، ولا زلنا نخرج من جثثنا لنطلق آخر ما تبقى فينا من حياة، ولا زلنا نخرج من أقبية الظلام لنضيء آخر ما تبقى فينا من جمر ونيران. هناك مفاجأتان ، يقول المحقق الاسرائيلي للطفل القاصر عبد الحميد عواد 16 سنة في سجن المسكوبية بعد ايام طويلة من جولات التحقيق والتعذيب ومحاولات انتزاع اعتراف ومعلومات، فقد استمر التحقيق معه لمدة 13 يوما، ويبدأ التحقيق يوميا من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة العاشرة ليلا، تحقيق طويل ومستمر الى درجة انه مرت عليه خمسة ايام متتالية لا يملك وقتا في الزنزانة للاستحمام، علامات القيود على رسغيه، عيناه محمرتان من العصبة السوداء، ظهره يؤلمه من الشبح على ذلك الكرسي المحني الظهر. ما هذا التحقيق مع هذا الولد الذي لم يتكلم عن اي شيء؟ وما هذا التحقيق الذي يتناوب فيه جهابذة المخابرات الاسرائيلية لأجل معرفة ان كان هذا الطفل قد رشق حجرا او شارك في مظاهرة ضد المستوطنين ؟ يملكون كل هذا الوقت، يترقبون ان يتخلى الطفل عن أيامه القادمات. خلال أيام التحقيق الصعبة وفي ساعات الليل المتأخر، أخبره المحقق بأن له مفاجأة، أدخله الى غرفة وطلب منه أن لا يتكلم بتاتا، وتفاجأ بوجود والده امامه مقيدا معصوب العينين، نظر الولد الى أبيه، لم يستطع معانقته، لم يستطع أن يقول له لا تقلق يا أبي، أنا ابنك، تراب يديك، حجرك الصوان ، لن أسقط تحت تهمهم السوداء، لن أخذل الشجرة التي رويتها بالحب والماء. بعد ثمانية أيام أبلغه المحق ان له مفاجأة ثانية، أدخلوه الى غرفة فإذا بوالدته تقف أمامه معصوبة العينين، ما هذا الجنون الاسرائيلي؟ ليته يستطيع أن يحضنها ويقبل يديها ويستمد من حنانها وبركاتها قوة أخرى للصمود، انهم سفهاء يا أمي ، لا اخلاق ولا نوازع إنسانية تدفعهم لكي يعتقلوك مع والدي ، لن اخضع لهم، وليستمروا في التحقيق أكثر وأكثر، لقد كبرت الآن. اعتقال الوالدين والاهل للضغط على الاطفال المعتقلين ، أصبح اسلوبا همجيا يدل على مدى البربرية والوحشية الاسرائيلية التي تمارس بحق القاصرين ، تعذيب نفسي، تأثير اجتماعي وعاطفي، يعتقدون ان الاعصاب سوف تنهار، ويعتقدون ان الاولاد سوف يستسلمون ويبتعدون عن الشارع والمظاهرة وأناشيد الحرية ومواجهة المحتلين. تقول الدكتورة فردوس العيسة: إن المحققين الإسرائيليين يستخدمون اسلوب التعذيب النفسي بشكل واسع كونه لا يترك ندبا ولا علامات على الجسد مع انه اكثر قسوة وأبعد اثرا من الندوب على الجسد، فالتعذيب النفسي يستهدف الانسان بكليته ويدمر هويته، فتعذيب النفس مزيج من الرغبة في الحصول على معلومات من جهة وايقاع الالم والرعب من جهة ثانية. المحققون الذين يضعون الطفل امام والديه في غرفة تحقيق المسكوبية يستهدفون تدمير الطفل نفسيا واحداث صدمات انفعالية لديه تبقى معه على المدى البعيد، فاستغلال تعلق الطفل بوالديه لأجل ممارسة الضغوطات وانتزاع الاعترافات تحول الى جريمة مركبة يتعرض لها مئات الاطفال الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي. ان اعتقال الطفل في ساعات الليل وهو نائم، وضربه والتنكيل به وإهانته ووضعه في اجواء مخيفة منذ اللحظة الاولى، ترمي الى تطويع الانسان وجعله قابلا للكسر والمس بصحته النفسية والجسدية وتحطيم حياته المستقبلية. عاد الطفل الى الزنزانة ... المشهد لا يزال ماثلا امامه ... والديه بين قبضات المحققين، لكنه رفض ان يتوسل ويتضرع ويفقد السيطرة، صحيح ان روحه تشوشت وتآذت، ولكن هناك بركان لحالة غضب تسري في جسده. الطفل يسأل متى يدرك العالم والمؤسسات الدولية الحالة المزرية الخالية من الكبرياء والقيمة والاحترام التي يتعرض لها الاطفال الاسرى على يد الاحتلال الاسرائيلي؟ متى يقرأون كتاب الشيطان ليدركوا ما يجري في السجون والمعسكرات من آلات تستخدم لطحن البشر ودون رقابة وقانون؟

شارك هذا الخبر!