الشريط الاخباري

تقرير: ظاهرة حرق الخردة تتصدر المشهد في ريف الخليل.. مبادرات وأصوات رافضة بلا جدوى

نشر بتاريخ: 11-11-2019 | بيئة نظيفة
News Main Image

رام الله/PNN- ناقش تقرير أخير لمجلة آفاق البيئة والتنمية/ مركز معا، قضية حرق الخردة في بعض التجمعات السكانية بمحافظة الخليل والتي شهدت تزايداً كبيراً في الأشهر الأخيرة، ما ترك حالة من السخط بين السكان وسط مطالبات بفرض عقوبات رادعة على مسببي هذه الظاهرة.

ظهر العمل بتجارة الخردة في فلسطين، وفق معد التقرير فراس الطويل، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، ثم انتشرت مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 في العديد من المدن والبلدات؛ وتحديدا في محافظة الخليل، التي تستأثر بنسبة 40% من حجم هذه التجارة (حسب إحصاءات غرفة صناعة وتجارة الخليل عام 2014)؛ في حين شكلت تجارة الخردة 60% من اقتصاد بلدة إذنا في العام 2014 (حسب مجلسها البلدي)؛ أما إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فأظهرت أن أهم السلع الصادرة من فلسطين كانت حجر البناء (بنسبة 29%)؛ يليها خردة الحديد بنسبة 18% من إجمالي قيمة الصادرات لعام 2011.

وتعتمد هذه المهنة على شراء الأجهزة المعدنية والبلاستيكية التالفة كالثلاجات، والغسالات، والسيارات، ومولداتها، وكوابل الكهرباء، والأواني المنزلية والكراسي وغيرها من داخل إسرائيل؛ ثم تجميعها في مجمعات خاصة تعمل على حرقها وإعادة فرزها وتنظيفها؛ تمهيدا لتصديرها إلى مصانع الصهر في إسرائيل؛ بهدف إعادة استخدامها. وللخردة مجمعات كبيرة في إذنا، ودير سامت والكوم، وبيت عوا في محافظة الخليل. علما أن عدد سكان التجمعات الثلاثة يصل إلى 50 ألف نسمة.

ناشط بيئي: الخردة هلاك للبشر وللنباتات والحيوانات

أخذ الناشط البيئي إياد رجوب على عاتقه محاربة ظاهرة حرق الخردة من خلال رصد وتوثيق عمليات الحرق ونشرها على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك. منذ سنوات يقوم بحملة فردية ضد هذه الظاهرة، مدعوما من سكان قريته الكوم الذين قال إنهم ليسوا ضد ظاهرة الحرق فحسب، وإنما يطالبون بإغلاق محلات الخردة كلها، نظرا لما تشكله من خطر على صحتهم وبيئتهم.

ويشرح الرجوب لآفاق البيئة والتنمية طبيعة معاناة السكان الناتجة عن حرق الخردة: "مئات الأطنان المكومة في كل مكان كالجبال، تكون مليئة بالزيوت والوقود والصدأ والشحوم وأسيد بطاريات السيارات، وكلها تتفاعل مع بعضها في هذه الأكوام، وتنبعث منها سموم وغازات على مدار الساعة، ويستنشقها السكان باستمرار، خصوصا أنها تحيط قرية الكوم من جميع الاتجاهات، لدرجة أنك إذا مررت من الشارع العام الذي تتكوم على جانبيه محلات الخردة لا تستطيع أن تستنشق الأكسجين الذي يُفترض أن تستنشقه في المكان، وبدلا منه تستنشق رائحة نحاس ومعادن وأبخرة وغازات لا تعرف طبيعتها، فهي تزكم الأنوف".

صورة قاتمة لكل أشكال الحياة رسمها الناشط الرجوب في منطقته، فالنتائج السلبية لظاهرة الحرق لا تحتاج لأية فحوص لإثبات ضررها، فهناك كما يقول ازدياد في أمراض السرطان، والجهاز التنفسي، وتشوهات الأجنة وحالات الإجهاض، وأمراض الجيوب الأنفية وهذه أصبحت تقريبا الوباء العام لدى معظم السكان، وليس أدلُّ على ذلك من ظهور حالة شبه عامة بظهور صوت "الخنّة" في الأنوف لدى نسبة كبيرة من الأطفال دون سن الرابعة عشرة. أما الثروة النباتية فهي ليست بمعزل عن الضرر، فهناك آلاف الأشجار في المنطقة أصبحت تموت شيئا فشيئا لدرجة الوصول لحالة الجفاف تماما وخاصة الزيتون واللوزيات، في حين أن معظم الأراضي الزراعية لم تعد صالحة للزراعة. والثروة الحيوانية أصبحت خاسرة لكل مزارع، فمعظم المواشي تموت أجنتها قبل الولادة ومنها ما تموت بعد الولادة بأيام.

أدوار رسمية خجولة

وبخصوص تجاوب الجهات الرسمية مع شكاوى السكان، يبين الرجوب أنها تتحرك عندما ترتفع الأصوات الرافضة، ثم يخفت اهتمامهم شيئا فشيئا، فمثلا تجاوبت سلطة جودة البيئة في منتصف أيلول، وحضرت طواقمها إلى المنطقة وأعطت استدعاءات لأصحاب المنشآت الذين يمارسون الحرق داخل محلاتهم. الموضوع الأخطر من وجهة نظر الرجوب متحدثا بلسان سكان منطقته هو أن "سلطة البيئة تعمل على تثبيت هذه الظاهرة في المنطقة وترخيص المحلات، لأن وجودهم حتى لو كان قانونيا في المنطقة وحتى لو تحت إشراف الجهات الرسمية سيبقيهم على حالهم، على اعتبار أن الجهات الرسمية تقوم بجولات ولا تبقى عندهم طوال الوقت".

وعلى إثر الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي دعت محافظة الخليل إلى عقد اجتماع في نهاية شهر أيلول، بالشراكة مع الدفاع المدني ولجنة الصحة والسلامة لبحث مشكلة حرق النفايات الالكترونية بكافة أبعادها وتأثيرها على القطاعات الصحية والزراعية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية. الاجتماع حضره أيضا رئيس بلدية اذنا وممثلون عن وزارات الصحة والزراعة وسلطة جودة البيئة، والعمل والحكم المحلي والاقتصاد الوطني.

خلص المجتمعون إلى التوصية للمتابعة مع النيابة العامة للتوافق مع جهات الاختصاص لإصدار إخطارات عدلية لأصحاب محلات الخردة والأشخاص الذين يقومون بأعمال الحرق، والتنسيق مع الضابطة الجمركية وبالتعاون مع الجهات المختصة لضبط تهريب النفايات الالكترونية في المنطقة. بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين من قبل جهات الاختصاص. لكن الناشط البيئي إياد رجوب يرى أن حملته وما تبعها من اجتماعات ووعود لم تغير من الواقع على الأرض شيئا، ورغم ذلك أكد عزمه على الاستمرار في فضح المتورطين. وعبّر عن اعتقاده في أن سبب استمرار ظاهرة الحرق منذ سنوات يعود لوجود مستفيدين في الجهات الرسمية الذين ينظرون إلى الظاهرة على أنها تدر عليهم كثيرا من الأموال سواء كرشاوى أو حصص أو شراكات، لذلك لن يكونوا مستعدين لمناصرة السكان على حساب أصحاب المحلات.

مبادرة طموحة لكنها غير كافية

من وسط سحب السخام الأسود الناجمة عن حرق الخردة في جنوب غرب الخليل، ولدت فكرة الحاج موسى الحروب 55 عاما، المدعومة من قبل بلدية إذنا، لتقليل كميات النفايات البلاستيكية في هذه المنطقة المنكوبة نتيجة عمليات الحرق المتكررة لاستخراج "النحاس، والحديد، والألمنيوم". تقوم الفكرة على جمع مخلفات البلاستيك وفرمها وبيعها للمصانع.

وعن بداياته يقول الحروب: "بدأت الفكرة قبل أربعة أعوام، حيث ذهبت في أحد الأيام إلى بلدة بيت عوا المجاورة، وفي الطريق إلى هناك وفي منطقة تسمى الخانق، لم يكن هنالك اتساع لمرور سيارتي وسيارة أخرى أمامي في الاتجاه المعاكس وذلك بسبب وجود مخلفات الكترونية ملقاة بشكل عشوائي على جانبي الطريق يمينا وشمالا، وفي لحظتها ولولا لطف الله لعملت حادثا. وبعدها علق في ذهني السؤال المهم: إلى متى الاستهتار بالبيئة وحقوق الناس؟ خصوصاً أن قضية النفايات والخردة تعاني منها منطقتنا منذ أكثر من 20 عاماً، وكل الوزارات والجهات المعنية وخصوصا البلديات تعلم بها ولا حلول في الأفق، لذلك قررت كمواطن البدء بهذا العمل حفاظا على البيئة وعناصرها المختلفة".

وتابع الحروب بلغته البسيطة: "من هنا بدأت الفكرة وقمت بشراء ماكنة من باعة الخردة وأجريت عليها تعديلات يدوية مثل إضافة شفرات وماتور مستعمل، وانطلقت بسيارتي يشاركني ابني احمد في جمع النفايات والمخلفات الالكترونية من الشوارع ومناطق الأودية التي توجد فيها هذه المواد، لأقوم وفي حيز صغير بجوار منزلي بجرشها وفرمها وتسويقها إلى المصانع المحلية كمواد خام للتدوير".

لم يكن تنفيذ الفكرة سهلا، وقوبلت بالاستهزاء من قبل بعض السكان، إلا أن ذلك شكل حافزا للرجل الخمسيني في الاستمرار ونشر الوعي "رويدا رويدا كنت أزيد من كمية النفايات والمخلفات الالكترونية التي أجمعها، خصوصا أن أصحاب المحال العاملين في الخردة أعجبهم أنني أصبحت أزيل عنهم أعباء ومجهود التخلص من هذه المخلفات، بحيث أصبحوا يتصلون بي ويقومون بعزلها لأقوم بتحميلها ونقلها إلى منشأتي الصغيرة، هذا الأمر أدى إلى اختلاف نظرة المجتمع السابقة لي، وتبدلت إلى نظرة احترام وتقدير".

مع مرور الوقت زادت كمية الجمع ودفعت بالحروب لجلب عاملين (اثنين) ليصل مجموع العاملين في الورشة إلى أربعة عمال، الأمر الذي انعكس على المردود المادي الذي يجنيه، ويوضح: "تمكنت من تحسين إنتاجي من خلال فصل المكونات، وأدخلت آلات جديدة من ابتكاري، وساعدتني في فصل المعادن عن منتوج البلاستيك، وهو ما لقي استحسان المصانع المحلية التي تقوم بتدويرها وإنتاج مواد مثل علاقات الملابس والكراسي البلاستيكية وجلود أرضيات السيارات".

ورغم أن فكرة الحاج الحروب ساهمت في تقليل كميات النفايات البلاستيكية إلا أنها لا تكفي لاستيعاب آلاف الأطنان الواردة إلى مناطق ريف الخليل، وهي بحاجة للاستثمار فيها بشكل أكبر، على الأقل لتقليل الأثر البيئي والصحي لاستمرار ظاهرة حرق الخردة. في المقابل يصر الناشط البيئي إياد الرجوب على محاربة الظاهرة من جذورها وصولا إلى استئصالها كليا، ليعود هواء المنطقة نقيا كما كان قبل أكثر من عشرين عاما. وبين فكرة الحروب وإصرار الرجوب، يبقى دور الجهات الرسمية هشاً في ملاحقة الظاهرة ومسببيها، ويستدعي مزيدا من الضغط وصولا إلى وضع حدٍ لها.

شارك هذا الخبر!