غزة /PNN/ بعد مرور سنة على حرب غزة (مايو/ أيار 2021)، لا تزال المشاريع المصرية التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي والتي تهدف لإعادة إعمار آلاف المنازل السكنية والمنشآت العامة والخاصة والبنى التحتية لقطاع غزة متأخرة ،بالرغم من المنحة التي قدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمقدرة بنصف مليون دولار…. وتجدر الإشارة إلى مصر أثناء حرب غزة (مايو 2021 ) تمكنت من التوسط بين حماس والحكومة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار وتهدئة الأوضاع وهي الخطوة التي عادت بها مصر للقضية الفلسطينية، مع توطد العلاقة بين مصر وحماس بعد سنوات من الغياب.
المشاريع ونسبة إنجازها
في اطار عودة المصالحة بين مصر وحماس من بوابة مشاريع الإعمار ،دخلت هده الأخيرة قيد التنفيذ في صيف 2021 مرحلتها الأولى من الإعمار والتي انتهت بإزالة الركام، والتي تم إنجازها في 65 يوما. في حين بدأت المرحلة الثانية بـ 6 مشاريع، تمثلت في إنشاء 3 تجمعات سكنية بمدينة الزهراء (وسط) وبلدة جباليا (شمال) ومدينة بيت لاهيا (شمال)، وتطوير شارع الكورنيش (شمال)، إضافة لتطوير ميدانين رئيسيين (تقاطع طرق) بإنشاء جسرين. في حين تم تغييب مدينتي رفح وخان يونس، من الإعمار وهما الأقرب جغرافياً إلى مصر.
المشاريع كانت تسير بوتيرة متسارعة حسب ما أعلنت عنه وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية في غزة على أن تنتهي خلال ثلاثة أشهر بداية من شهر مارس الماضي ، غير أنها توقفت نهاية نفس الشهر بقرار سيادي مصري فقد واجهت هذه المشاريع العديد من الصعوبات منها انخفاض مخزونات الإسمنت ومواد البناء، في ضوء قيام الجانب المصري بفرض قيود على صادراته المتعلقة بمواد البناء إلى غزة، ما دفع باتحاد المقاولين إلى الإعلان عن وقف تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها والمشاريع تحت التنفيذ، بعد أن قفزت أسعار مواد البناء إلى أكثر من 30% بفعل الحرب الأوكرانية.
هذا التوقف وضع الاقتصاد في غزة على المحك خاصة مع انعدام البدائل نظرا للقيود الإسرائيلية على واردات الإسمنت وحديد التسليح خشية وصوله لحركة حماس واستثماره في عملية بناء الأنفاق والمواقع العسكرية. من جهة أخرى صرحت حركة حماس أنها حاولت أن تجري اتصالات مكثفة مع مسؤولي في الحكومة المصرية لإقناعهم بالتراجع عن قرار فرض قيود على دخول مواد الإعمار لغزة لما لهذا القرار من آثار اقتصادية كارثية على غزة، كون عملية الإعمار تسير ببطء شديد شبيه بالتوقف ولا يمكن لغزة أن تتحمل مزيداً من الضغط الاقتصادي.
هذا وقد رد مسؤولين من الحكومة المصرية أن التوقف كان بقرار سيادي من قبل الرئاسة بالعمل على تقليص صادرات السلع الاستراتيجية في ضوء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، خشية أن تؤثر سلباً على احتياجات السوق المحلي.
المبالغ والدعم لايكفيان
أعلنت القاهرة أن العمال أنجزوا المرحلة الأولى من إعادة الإعمار (إزالة الأنقاض من المباني المدمرة) وهم بصدد إطلاق المرحلة الثانية (تشييد المباني السكنية والبنية التحتية). ولكن بعد مرور شهر، أبلغ السيسي المشاركين في “منتدى شباب العالم” في شرم الشيخ أن المشروع الشامل والطويل الأمد لإعادة إعمار غزة سيتطلب من المانحين تقديم أكثر من 500 مليون دولار. (في تموز/يوليو، قدر “البنك الدولي” أن تكلفة إعادة الإعمار ستتراوح ما بين 345-485 مليون دولار، لكن هذا المبلغ لا يمثل سوى العامين الأوليين من عملية إعادة الإعمار الطارئة قصيرة المدى)”.
في السنوات الماضية، وبعد صراع غزة عام 2014، ساعد السيسي في توجيه حملة لجمع التبرعات أسفرت عن تعهدات إقليمية ودولية بقيمة 5.4 مليارات دولار، منها أكثر من ملياري دولار تمّ تخصيصها بشكل مباشر لإعادة إعمار غزة. ومع ذلك، تدّعي مصر أنه لم يتمّ الوفاء سوى بحوالي ربع هذه التعهدات. وفي الآونة الأخيرة، كانت معظم الحكومات الخليجية (باستثناء قطر) مترددة في المشاركة في إعادة إعمار غزة بسبب عداء «حماس» لها – ولا سيما الدعم الصريح للحركة لسلسلة الهجمات التي نفذها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن ضد السعودية والإمارات.
توتر العلاقات وتبادل الاتهامات
توقف مشاريع الإعمار أزم العلاقة بين مصر وحماس بعد أن كان متفقا أن يتم تسليم المشاريع في أجل أقصاه شهر جوان المقبل، خاصة أن التوقف كان بشكل مفاجئ دون سابق إنذار، فالقيادة المصرية لم تبلغ حماس من قبل بالتوقف، غير أن مصدر مصري مسؤول صرح لصحيفة بيروت أوبزرفر اللبنانية أن السبب في ذلك هو تصرف حماس بشكل غير مسؤول وخطير بالإضافة إلى تعريض استقرار المنطقة والأمن العام للخطر والتهديد بالتصعيد كل مرة مما أدى إلى وقف المشاريع.
غير أن توقف المشاريع لم يكن بداية توتر العلاقات بين مصر وحماس، فشهر ديسمبر الماضي أبدت حماس انزعاجها من التباطؤ في بدأ تنفيد المشاريع أو كما تعتبره تلكؤاً مصرياً في تنفيذ استحقاقات التهدئة في القطاع المحاصر، واعتبرته تنصلًا من تعهداتها السابقة بما يصب في صالح دولة الاحتلال التي تواصل مساعيها لخنق غزة وسكانها، في حين أرجعت مصر السبب إلى العراقيل التي تفرضها دولة الاحتلال بالإضافة إلى اختلاف الأولويات التي تضعها مصر لإعمار غزة، عن أولويات اللجنة الحكومية لإعمار غزة (تديرها حركة حماس) والمتمثّلة في “إعادة إعمار المنازل، والأبراج السكنية، والمنشآت الصناعية والتجارية”، التي دمّرها العدوان الأخير. أزمة حقائب المعتمرين
العلاقات المصرية مع حماس وصلت إلى منعرج خطير خاصة مع أزمة حقائب المعتمرين والتي تبادل فيها الطرفان وابل من الاتهامات، وتعود حيثيات القضية الى احتراق 600 حقيبة للمعتمرين الفلسطينيين من قطاع غزة في مدينة العريش المصرية بداية شهر أفريل الحالي. حيت اتهمت حماس السلطات المصرية بسرقة حقائب المعتمرين والتعامل بطريقة غير لائقة مع المسافرين الفلسطينيين، بشكل عام، والحجّاج والمعتمرين، بشكل خاص، وتصعيب عملية انتقالهم عبر معبر رفح. وفرض قيود واجراءات تُعقّد عملية السفر وتجعلها رحلة متعبة وطويلة وخطيرة. على الرغم من تقاضي أموال مقابل حمياتهم وطالبتها بإعادة أموال التأمين ،
وكشفت وزارة الأوقاف في غزة في بيان لها أن الجانب المصري أبلغهم أن الحقائب احترقت نتيجة تيار كهربائي وأن الحادثة لم تكن متعمدة على أن يتم تعويض المتضررين من الحادثة في أقرب وقت. في ما لم تصدر مصر أي تصريح رسمي حول الواقعة.
مصر وحماس… العلاقات المتأرجحة
العلاقات بين مصر وحماس لم تكن مستقرة منذ أن وضع قطاع غزة تحت الحصار سنة 2006 وسيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو/حزيران 2007. ومرت العلاقة بين النظام المصري وحركة حماس بفترات مختلفة، تأرجحت فيها العلاقات بين الهدوء والمصالحة والخلاف
فمنذ سنة 2006 لم تكن هناك علاقة جيدة بين حماس و الحكومة المصرية خلال رئاسة محمد حسني مبارك، وذلك في ظل الحصار الذي فرض على قطاع غزة، لكن الرئيس المصري أن ذاك حسني مبارك كان له دور بارز في العمل على وقف الاقتتال بين حركتي فتح وحماس، حيث قدمت ورقة مصالحة سنة 2011 غير أن العلاقات لم تكن وطيدة إلى غاية تولي جماعة الإخوان الحكم في مصر برئاسة محمد مرسي القريب من حركة حماس، حيث شهدت تلك الفترة انتعاشاً كبيراً لقطاع غزة، حيث دخلت البضائع المصرية عبر الأنفاق المحفورة من قطاع غزة تجاه مصر، كما تم فتح معبر رفح البري بشكل شبه يومي.غير أن هذه العلاقات الجيدة لم تدم طويلا فسرعان ما تأزمت العلاقات بعد تولي السيسي الحكم حيث أصبحت حركة حماس حركة محظورة في مصر، ووجه لها القضاء المصري العديد من التهم أبرزها تورط حماس في تفجيرات في سيناء واقتحام عناصر من حماس السجون المصرية أثناء ثورة يناير وإخراج بعض الشخصيات من السجن وهي القضية التي تعرف باسم «سجن وادي النطرون».
ظلت العلاقات بين مصر وحماس متوتر لعدة سنوات إلى غاية سنة 2017 حيث بدأت بوادر الانفراج تظهر من خلال استضافة مصر للمكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة، حيث أعلن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بعد التقائه مسؤولين مصريين أن هناك خطوات تقدمية في إنجاز ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية.
ظلت بعدها العلاقات هادئة إلى غاية سنة 2019 حين توطدت أكثر حين تم في فتح معبر رفح أمام المُعتمرين الفلسطينيين، والإفراج عن عددٍ من عناصر الحركة اعتُقلوا عام 2015، من الجانب المصري وهو ما أسهم كثيراً في رَأْب التصدّعات في العلاقات بين الدولة المصرية وحركة حماس.
غير أن العلاقات لم تكن ذات منفعة على الجانب الفلسطيني فخلال هذه المرحلة لم تتدخل مصر في ملف القضية الفلسطينية ولم تتوسط لحل أي أزمة مما جعل العلاقة مع حماس باردة نوعاً إلى غاية سنة 2021 حين توسطت مصر بين حماس والحكومة الإسرائيلية لوقف حرب مايو 2021 غير أن هذا الصلح لم يدم طويلا ففي ديسمبر 2021 هددت حماس بالتصعيد مع مصر بسبب تأخر الشروع في تنفيد مشاريع الإعمار إلى أن حادثة حرق حقائب المعتمرين هي ما زادت الطين بلة خاصة مع التصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية و القدس خاصة ورغم العلاقات المتوترة فقد حاولت مصر الضغط على حماس لعدم تصعيد المقاومة وانتقال التصعيد لغزة غير أن حماس تجاهلت الطلب المصري وأطلقت أربعة صواريخ باتجاه المناطق الاسرائيلية، في أكبر تبادل لإطلاق النار منذ الحرب التي استمرت 11 يوما العام الماضي.