تل أبيب -PNN- يبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، قريباً، تحقيقاته في عملياته البرية داخل قطاع غزة ولبنان، في خطوة يُتوقّع أن تكون حساسة ومشحونة، على حدّ وصف صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية التي أوردت التفاصيل اليوم الإثنين، مشيرة إلى أن التحقيق سيجري على نحو لا يقل عن التحقيقات التي جرت بشأن المعارك والإخفاقات التي أدّت إلى هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويُعقد في الأيام القريبة، في قيادة الجيش، مؤتمر بإشراف رئيس الأركان إيال زامير، والذي سيُطلق سلسلة التحقيقات المتعلقة بأطول حرب (عدوان) في تاريخ جيش الاحتلال، هذه المرة على مستوى المناورة البرية في غزة، والقتال البري في جنوب لبنان، وكذلك احتلال مخيمي اللاجئين في الضفة الغربية قرب طولكرم وجنين والسيطرة عليهما.
واتُّخذ القرار بشأن التحقيقات هذا الأسبوع، في جلسة مغلقة مع عدد من قادة الألوية في الجيش، حيث قدّم نائب رئيس الأركان، تمير يدعي، خلاصة التحقيقات المتعلقة بالسابع من أكتوبر، والتي اكتملت وتمت بلورتها ضمن عملية منظمة لاستخلاص الدروس، وبناء القوة ضمن الخطة متعددة السنوات التي يجري إنهاؤها هذه الأيام، ووضع الأسس المركزية لمسارات العمل في الجيش. وبهذا، يكون جيش الاحتلال قد أنهى تقريبًا التحقيقات المتعلقة بالسابع من أكتوبر، باستثناء طلبات استكمال محددة من المستوى السياسي.
ست معارك أساسية
بحسب الخطة التي كشف عنها التقرير العبري، ستُقسَّم التحقيقات إلى ست معارك كبيرة:
المعركة الأولى بدأت في نهاية أكتوبر 2023 لاحتلال مدينة غزة والدخول الأول لقوات جيش الاحتلال إلى شمال القطاع، عبر فرقتين مدرعتين نظاميتين، هما الفرقة 162 التي وصلت من الساحل، والفرقة 36 التي شطرت شمال القطاع جنوب مدينة غزة (ما عُرف لاحقًا بمحور نتساريم)، بينما عملت شرقًا أيضًا فرقة الاحتياط 252 في بيت حانون.
أما المعركة الثانية، فهي احتلال خانيونس على يد الفرقة 98 التي شغّلت نحو عشرة ألوية قتالية في وقت واحد، أي أكثر من ضعف حجم فرقة واحدة.
والمعركة الثالثة هي احتلال رفح في مايو/ أيار 2024 على يد الفرقة 162، إضافة إلى مسألة التنسيق مع مصر في محور فيلادلفي.
المعركتان الرابعة والخامسة هما مناورتان نفذهما جيش الاحتلال في مدينة جباليا شمال القطاع، الأولى من قبل الفرقة 162، ثم في منتصف العام الماضي مرة أخرى، هذه المرة بواسطة قوات الفرقة 98.
وسيتناول التحقيق السادس عمليات لم تكن ضمن خطط العام الماضي، من قبيل "عربات جدعون أ"، التي أثارت انتقادات واسعة داخل الجيش، و"عربات جدعون ب" التي توقفت في اللحظة الأخيرة بسبب اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس واستعادة جميع الأسرى الإسرائيليين، باستثناء رفات جندي تطالب إسرائيل باستعادته.
ومن المتوقع أن تستند التحقيقات في البداية إلى تحقيقات الوحدات التي أُجريت في الألوية والفرق التي ناورت داخل القطاع، والتي استُخلصت منها دروس عملياتية أثّرت على أساليب التدريب، ودورات التأهيل الأساسية في قواعد التدريب، واستخدام وسائل القتال. لكن التركيز على مستوى هيئة الأركان في تحقيقات العمليات البرية الطويلة سيكون على قضايا كبرى أثّرت على النتيجة النهائية، وعلى حقيقة أن الجيش الإسرائيلي أنهى الحرب دون أن يهزم حماس عسكريًا، رغم أن ذلك كان هدفًا معلنًا للحرب.
فعلى سبيل المثال، ستفحص فرق التحقيق سبب عدم إعداد قيادة المنطقة الجنوبية مسبقًا خططًا لاحتلال كامل قطاع غزة، ومن المتوقع أيضًا أن تفحص ما إذا كان القرار بالبدء أولًا في شمال القطاع كان صائبًا، وما إذا كان وجود الأسرى الإسرائيليين الأحياء طوال فترة حرب الإبادة على القطاع قد أثّر على قدرة الجنود على تعميق الضربات ضد حماس. إضافة إلى ذلك، ستُبحث أسباب إطالة أمد "المعارك الكبرى". فعلى سبيل المثال، اضطرت الفرقة 162 إلى ترك مهامها في شمال القطاع والنزول لاحتلال رفح بسبب نقص في القوات. أما الفرقة 98، وهي فرقة نخبوية ذات قدرات متقدمة، فقد حصلت على "شيك مفتوح" من حيث حجم القوات والوقت غير المحدود تقريبًا، للعثور على أسرى أحياء واعتقال قيادات في فصائل المقاومة، لكنها واجهت صعوبة في تنفيذ المهمة.
مسألة "صعبة" أخرى ستُطرح أمام المحققين هي العودة إلى جباليا، فمع أن الفرقة 162 فكّكت في المدينة قواعد عسكرية مركزية تابعة لحماس تحت الأرض في أواخر عام 2023، وأعلنت أن كتيبة حماس المحلية قد هُزمت، إلا أن الحركة تمكنت عمليًا من مواصلة العمل هناك، واضطرت قوات الفرقة 98 للعودة إلى المنطقة لتنفيذ عملية كبيرة في مخيم اللاجئين بالمدينة.
وستكون عمليتا مركبات جدعون، الأولى والثانية، في صلب التساؤلات حول الفعالية العسكرية لهذه الخطوات. فباعتبار حماس تنظيمًا عسكريًا هُزم بحلول 2024، وفقًا للجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي، اتُّفق حينها بين المستويين السياسي والعسكري على التوجّه نحو اتفاق بشأن الأسرى، لكن لم يُنفَّذ منه سوى جزء محدود في يناير/ كانون الثاني، وعلى خلاف الخطط، عاد الجيش الإسرائيلي للقتال في القطاع في أبريل/ نيسان من هذا العام.
كذلك ستفحص التحقيقات مجمل الأداء العسكري في العملية الطويلة داخل القطاع، وليس فقط أداء القوات البرية. فعلى سبيل المثال، سيُبحث الإخفاق الاستخباراتي في تحديد شبكة أنفاق القتال التابعة لحماس، وعدم المعرفة المسبقة بكيفية العثور عليها، والقتال داخلها، والوصول إلى جميعها، إذ ترى إسرائيل أن الحركة ما زالت حتى اليوم تحتفظ بكيلومترات من الأنفاق في الجانب الخاضع لسيطرتها من الخط الأصفر. واضطرت قوات جيش الاحتلال، وفقًا لذات التقرير العبري، إلى الارتجال وتطوير أساليب للتعامل مع الأنفاق خلال القتال نفسه، رغم أن الجيش احتكّ بهذه الظاهرة في الماضي، وبشكل أكبر خلال العقد الذي سبق الحرب.
وسيُشرف على التحقيقات القادة أنفسهم، ومع ذلك، توصي المؤسسة العسكرية بتعيين فرق رقابة خارجية للتحقيقات المتعلقة بالمناورة، برئاسة ضباط احتياط برتبة لواء سيتم تعيينهم لاحقًا، ومن المتوقع أن يحسم رئيس الأركان زامير هذه المسألة.
لبنان والضفة الغربية المحتلة
من المتوقع أن تتوسع خطة التحقيقات خلال الأشهر المقبلة. وسيُجري جيش الاحتلال الإسرائيلي تحقيقات مشابهة أيضًا حول العملية البرية في جنوب لبنان، "لإزالة تهديد اجتياح قوة الرضوان"، وكذلك حول احتلال مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، التي لا تزال تحت سيطرة كتيبتين بشكل دائم. وسيُقسَّم التحقيق في القتال على الجبهة الشمالية أيضًا إلى محاور، بحيث سيُحقق في البداية في ما يُسمّى "معركة الدفاع" خلال السنة الأولى، حين كانت غزة الجبهة الرئيسية، كما ستُفحص العمليات التي استهدفت تقليص قدرات حزب الله، سواء عبر الغارات الجوية الكثيفة أو عشرات العمليات البرية السرية.
أما العملية التمهيدية للعملية البرية في لبنان، فسيُحقَّق فيها كموضوع مستقل، إلى جانب الغارات الجوية التي رافقتها وسلسلة الاغتيالات التي قضت على معظم قيادة حزب الله. وسيحقق الجيش الإسرائيلي أيضًا في العدوان على سورية واحتلال المزيد من الأراضي السورية قبل نحو عام.