الشريط الاخباري

الانتخابات الفلسطينية والعقبات الماثلة بقلم: جمال زقوت

نشر بتاريخ: 11-04-2021 | أفكار
News Main Image

بقلم: جمال زقوت

كثيرة هي العقبات التي ما زالت، وربما ستظل شاخصة أمام إجراء الانتخابات الفلسطينية، والأهم أمام الوظيفة الرئيسية المتوخاة منها، وهي إنهاء الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي وترميمه ومعالجة آثاره على الصعيدين الوطني والاجتماعي، بما في ذلك إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية ديمقراطية. لقد اجتهدت الفصائل، سيما طرفي الانقسام في محاولة تسويق اتفاقها بأن الانتخابات والاحتكام للمواطن يمكن لها أن تعالج الانقسام وتستعيد الوحدة بعد أن فشلا في تنفيذ كل ما كان قد اتفق عليه في محطات كثيرة واتفاقات متعددة على مدى السنوات الماضية.

لقد أخذت الفصائل في لقائي القاهرة بهذا المنحى، مشيرة إلى أنه سيَلي الانتخابات تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك لتطمين الفصائل أن مسار الانتخابات لن يُفضي إلى إقصاء الأقلية من قبل الأغلبية، من دون بذل أي عناء جدّي ليس فقط باتجاه بدء معالجة الواقع المأساوي الناجم عن الانقسام، بل وأيضاً ضمان الالتزام المتبادل الذي ستُفضي إليه العملية الانتخابية ذاتها. صحيح أن الفصائل وقّعت على ما يُسمى «وثيقة شرف» للتعامل مع العقبات الذاتية، سواء كانت لجهة أمن الصناديق أم المتصلة بحرية التعبير، والاجتهاد في المرجعية القانونية، وكذلك الأمنية، والتي حملت في طيّاتها شُبهة الإقرار المتبادل بالواقع الانقسامي وتشريعه، وما يحمله من مخاطر تكريس الانقسام سواء استكملت العملية الانتخابية أو تعطلت. غياب الأجوبة الملموسة وروح المسؤولية الوطنية الجامعة لمجمل المعضلات الكبيرة وأولها تطمين المواطن، وخاصة الأجيال الشابة وغيرها من الفئات التي دفعت ثمن الانقسام على جلدها خلال خمسة عشر عاماً من الإقصاء والتهميش، وضرورة نقلها من حالة التوتر والرغبة في الانتقام وليس مجرد المحاسبة، إلى التعامل بشعور من الحسّ والوعي الوطنيين الذين نحن بأمس الحاجة لهما.

صحيح أن من ساهم في ترسيخ حالة الشرذمة الوطنية يتحمل مسؤولية امتداد هذه الحالة للقوى المهيمنة على المشهد وما رافقها من إقصاء أو خروج عن التيار المركزي الذي تمثله حركة (فتح) أساساً، وأيضاً صحيح أن هذه الحالة ناجمة عن حالة التفرد والهيمنة على المشهد العام بما في ذلك داخل حركة (فتح) نفسها، والتي يصرّ الممسكون بتلابيب قرارها السياسي والتنظيمي على عدم إجراء أي مراجعة سواء كانت لمسار أوسلو السياسي، أو فلسفة الحكم والإدارة التي ساهمت في بروز ظواهر خطيرة، أدّت إلى انفضاض قطاعات شعبية واسعة عن هذا التيار، والأهم تغييب تداول السلطة داخل هذا التيار باحترام متطلبات تعزيز الخيار الديمقراطي والحاجة لتدافع الأجيال.

إن غياب معالجة جادّة لهذه القضايا داخل حركة (فتح) ومنظمة التحرير، وإبقاء مصير غزة غير واضح باعتباره جزءاً من الكيانية الوطنية يستحق أن يحتل سلم أولويات المعالجة منذ الأمس، وليس فقط بعد الانتخابات. فالأزمات المتراكمة منذ خمسة عشر عاماً كانت تتطلب أن تكون هي مفتاح العملية وليس إخفاء مخاطر انفجارها وتركها رهينة نتائج غير محسوبة العواقب، والتي ربما تدفع مجدداً إلى التفرد بقرار التأجيل أو الإلغاء أو عدم الالتزام بنتائج العملية إن أتت بغير حسابات من رسموا خريطة طريق المحاصصة عبر الانتخابات.

مدخل التفاهم القائم على جدلية الوحدة والتنافس كان يمكن لها أن توفر حالة استنهاض للتفرغ للمعركة الأكبر المتمثلة في الاحتلال، وليس بالتعامل مع آثار سياساته القمعية المتوقعة سواء باعتقال المرشحين أثناء العملية الانتخابية أو بعدها كما جرى سابقاً وما زال يجري كل يوم.

في مطلق الأحوال، إن مثل تلك الاستراتيجية كان يمكن لها أن تساعدنا موحَدّين في التصدّي الجدّي الميداني والسياسي إقليمياً ودولياً لإجبار إسرائيل على عدم جعل (الفيتو)، الذي تشهره سيّما في محاولة عزل القدس عن مكانتها الوطنية وعن العملية الانتخابية الكاملة فيها، تمسكاً بوعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب و«صفقة القرن»، وكأنه العامل الحاسم في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني، والمخاطر الوخيمة لذلك، سيّما إذا كان البعض ينتظر مثل هذا الموقف للخروج من أزمته بعد فشل صفقة المحاصصة، الأمر الذي سيحوّل التدخل والفيتو الإسرائيليين إلى أثمان إضافية ندفعها من حقوق شعبنا، بدلاً من أن تكون معركة الانتخابات فيها عملية كفاحية على الأرض وفي أزقة المدينة، ومؤسساتها ومنشآتها، وفي الوقت نفسه معركة دبلوماسية دولية في الصراع الطويل لانتزاع حقوق شعبنا وفي مقدّمتها حقه في الحرية والعودة وتقرير المصير، باعتبار الانتخابات خطوة على هذا الطريق.

معالجة هذه القضايا والعقَبات لا يمكن أن تتّم بروح المنافسات الفئوية، ولا المزايدات الشعبوية التي قد تعصف بأي أمل لاستعادة الوحدة وتتحول لمادة إضافية، كما أنها لا يمكن أن تواجَه بذات سياسات التفرد والمساومات التي أَنهكت شعبنا وأفقدته الثقة بقدرته على لمّ الصفوف.

فقط بجلوس الجميع مجدداً على طاولة واحدة، مسلحين بروح الوحدة والمسؤولية الوطنية، يمكن لنا أن نجترح حلولاً وخيارات تُفضي إلى تعزيز قدرة شعبنا على التصدي الوطني الموحد لحماية إنجازاته وخياراته الديمقراطية، والدفاع الباسل عن حقوقه الوطنية الثابتة، والتي لا يمكن الفصل بينهما في معركة البناء والتحرر المترابطة. وفي هذا الصدد، فإن الدعوات التي أطلقتها بعض القوائم الانتخابية بحاجة لمتابعة جدّية حتى لا تظلّ صرخة في واد!

أخيراً، وفي مطلق الأحوال، فلم يعد بالإمكان العودة إلى آلية الحكم القائم على التفرد ومحاصصة الانقسام، ولا بد من مؤسسات جامعة وطنية وحكومية تتحمل المسؤوليات وتراجع كل السياسات التي مسّت بحقوق الناس وبقدرتهم على الصمود.

شارك هذا الخبر!