بيت لحم/PNN- نجيب فراج- لم يكن صدفة ان يواظب الرئيس ياسر عرفات وبعده الرئيس محمود عباس باحتفالات طائفة الأرمن بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الأرمني حيث تبدأ احتفالاتها بوصل موكب بطريرك الارمن الى بيت لحم يوم الثامن عشر من الشهر الجاري باستقبال رسمي من قبل المسؤولين في الدوائر الامنية والمدنية وعلى راسهم رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتبة المقرر ان يحضر قداس منتصف الليل ليلة الثامن عشر من هذا الشهر.
ويفتخر الفلسطينيون بشكل عام انهم ينتمون الى ديانات وطوائف مختلفة ويتعايشون مع بعضهم البعض بشكل متين لا انفصام فيه بحسب العديد منهم، ولعل الفخر لا يعود فقط لوجود المسيحي الى جانب المسلم في هذه الديار وتحملهما المعاناة المستمرة من قبل الاحتلال ومواجهته بالصمود والثبات وحسب بل يتفاخرون بوجود طوائف تنتمي لشعوب عانت الامرين ولجأ قسم منها الى فلسطين وعاشوا مع شعبها الذي قاسى اثار النكبة المستمرة.
انهم ابناء طائفة الارمن الذين ينتمي ابنائها من الناحية القومية الى ارمينيا وقد هجر منها نحو ثمانية ملايين لاجيء جراء المذابح التي حلت بهم في الزمن العثماني من بينهم الاف لجأوا الى فلسطين، فسكنوا فيها وانتموا اليها وحملوا اسمها قلبا وقالبا، ليطلق عليهم الارمن الفلسطينيون.
تمارس الطائفة الارمنية في فلسطين كافة النشاطات المتعلقة بها وتحظى بحرية مطلقة اسوة ببقية ابناء الشعب الفلسطيني، ومن بين هذه النشاطات ممارسة الشعائر الدينية حيث تحتفل الارمنية في هذا الوقت من كل عام بعيد الميلاد المجيد.
وكان بطريرك الارمن مانوغيان قد قال في مناسبات عديدة اثناء وجوده في بيت لحم " من بيت لحم قلب فلسطين النابض انبثقت رسالة السلام للبشرية جمعاء وها نحن اليوم لا نعيش السلام وكثيرون سمعتهم يقولون ان اردت ان تبحث عن السلام فلربما تجده معلقا على جدار الفصل في مدخل بيت لحم، ما هو السلام وكيف لنا ان نعيشه في زمن ما زالت هذه الارض تنضح دما والما “، وقال مخاطبا الفلسطينيين "اننا اليوم من وهج طفل الميلاد نؤكد لكم اننا لسنا شركاؤكم فقط في التاريخ بل في بناء المستقبل ايضا من رحم معاناتنا سنبني الوطن وسنبني فلسطين السلام والانسان وسنبني معكم مجتمعا يقبل قيم التعايش والاخر ويعمل لخير البنيان المشترك مجتمعا يرسم طريق السعادة والحرية والامان لاجيالنا القادمة وينبذ العنف والارهاب والتمييز الفئوي او الديني او العنصري، فلسطين حاملة الرسالة ستبقى مصدر امل ونموذجا يحتذى به من قبل جميع الدول، ويوما قريبا ما فان ثمار السلام ستظهر، وبذور الدولة ستتجذر وروح التعايش ستحلق في السماء، لتنقل رسالة لجميع البلدان التي تعاني من ويلات الصراع والارهاب وتقول لهم انظروا الى فلسطين واحذوا حذوها فهي اميرة السلام وخاتمة الكلام وحارسة الانام".
يفتخر ابناء الطائفة الارمنية عموما بحملهم للجنسية الفلسطينية وبانخراطهم في الحياة العامة في مختلف المجالات فهناك العديد من الطاقات الاكاديمية والسياسية برزت على ساحة الوطن ومن بينهم الدكتور المرحوم البرت اغازريان الذي رحل قبل عامين والذي قضى في جامعة بير زيت معظم أيامه. واكبها في أحلك الظروف وأصعبها، في مرها وحلوها منذ أن بدأت علاقته معها عام 1968. درس الأدب في بيرزيت، ثم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وختمها بالدراسات العربية المعاصرة من جامعة جورج تاون الأمريكية. بدأ عمله في العلاقات العامة في الجامعة بمحض الصدفة وكان له مساهمة كبيرة في تعزيز علاقة الجامعة مع المحيط الدولي المتضامن مع القضية الفلسطينية. كما عمل مترجم محترف للعديد من اللغات. وهو المدير السابق للعلاقات العامة في الجامعة وأحد خريجيها عام 1970.
وكذلك الدكتور مناويل حساسيان برتبة بروفسور في العلوم السياسية من مواليد القدس وسكن في بيت لحم وحاضر في جامعتها على مدار ربع قرن وشغل سفير فلسطين في بريطانيا لعدة سنوات، والرجلان من الشخصيات الوطنية البارزة على صعيد الوطن ولهما مساهمات فكرية هامة.
يشار هنا الى ان عدد ابناء طائفة الارمن في فلسطين يبلغ نحو 7500 شخص منهم 2000 في حارة الأرمن بالقدس القديمة و200 في بيت لحم.
يتميز الأرمن بدورهم الحرفي والصناعي، فهم أول من انشأ ورشة للتصوير في فلسطين، وهم ثاني من ادخلوا الطباعة إلى فلسطين عام 1833م، وأول من أسسسوا مصنعا للسيراميك في عهد الانتداب البريطاني. أتقنوا فن الخزف والقيشاني والخياطة وصياغة المجوهرات، ومنهم شيخ الصيادلة الفلسطينيين نوبار ارسليان الذي كان يصنع الأدوية بيديه. وقد عمل الحرفيون الأرمن على نشر هذه الصناعات في أنحاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية. أما اليوم فيعمل معظم الأرمن في القدس في شغل وبيع المجوهرات، وفي صناعة آنية النحاس وزخرفتها، ويملك الكثير منهم متاجر لبيع الهدايا للسياح الوافدين إلى الأراضي المقدسة. وكان الأرمن يسيطرون تقليدياً على قطاع صناعة الأحذية، لكن هذا القطاع راح يتقلص بسبب منافسة الأحذية الجاهزة الصنع، وبسبب مضايقات الاحتلال لقطاع الصناعات الفلسطينية بشكل عام في مدينة القدس.
المؤسسات الأرمينية
مكتبة دير مار يعقوب
أسست مكتبة دير مار يعقوب سنة 1929م بأموال تبرع بها الثري الأرميني غولبنكيان، وتضم أكبر مجموعة من الوثائق الأرمينية القديمة في العالم، ويعتقد أن تاريخ بعضها يرجع إلى القرون المسيحية الأولى، وقد ترجم عدد محدود من الوثائق العربية إلى اللغة الأرمينية في كتابين:
الأول بعنوان "التاريخ المتسلسل للقدس" للمؤرخ الأرميني هوفانيسيان، وصدر في القدس سنة 1890م، والثاني بعنوان "تاريخ القدس" للمؤرخ الأرميني سافلانيان، وصدر في القدس أيضا سنة 1931م.
ومن بين الوثائق الموجودة في مكتبة دير مار يعقوب عهد نبوي يروي أن وفداً أرمينيا مؤلفا من أربعين راهباً كان قد سافر إلى مكة وأعلن أعضاؤه ولاءهم للنبي محمد عليه السلام قبل الفتح العربي للقدس بسنوات، وأن النبي كلف معاوية بن أبي سفيان بكتابة هذا العهد للأرمن للحفاظ على امتيازاتهم وممتلكاتهم في الأراضي المقدسة. وفضلا عن هذا العهد ثمة العهدة العمرية، وعهد أرسله علي بن أبي طالب إلى البطريرك الأرميني أبراهام سنة 625م.
مطبعة الأرمن
أسسها الأرمن الغريغوريون في القدس سنة 1848م، وأصدروا عددا من الكتب بالحرف الأرميني تناولت موضوعات دينية، وقد ذكر هذه المطبعة الأب لويس شيخو اليسوعي الذي زارها في أواخر القرن التاسع عشر.