الدوحة/PNN- اتفقت الأطراف التشادية في العاصمة القطرية الدوحة، على إنهاء الأعمال القتالية، مع توقيع اتفاق سلام رعته قطر، يمهد لإطلاق حوار وطني بين السلطات الحاكمة وجماعات معارضة.
وحققت قطر بهذا الاتفاق اختراقاً لواحدة من أصعب الأزمات السياسية في إفريقيا والعالم، تمهد الطريق لإرساء سلام في البلد الذي واجه اضطرابات سياسية على امتداد عقود.
ولعبت الدبلوماسية القطرية دوراً حيوياً خلف الكواليس لتقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة السلطات الحاكمة وجماعات من المعارضة التشادية.
وشهدت العاصمة القطرية، مراسم حفل توقيع اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد، حضرها أطراف الأزمة، والمسؤولون القطريون، وعدد من المسؤولين الدوليين.
وشارك في التوقيع على الاتفاق، الحكومة الانتقالية التشادية، وممثلون عن مجموعات معارضة، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الإفريقي وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
ويأتي التوقيع على اتفاقية الدوحة للسلام بعد محادثات في قطر امتدت منذ شهر مارس/ آذار الماضي بين الجانبين بحضور ممثلين عن الاتحاد الإفريقي وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، إن بلاده “لن تدخر جهداً لتأكيد الحفاظ على السلام في تشاد”.
وأضاف المسؤول القطري، أن الجميع يتطلع أن يكون اتفاق السلام نقطة تحول على طريق الاستقرار في تشاد. وأمل الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن تلحق بقية المجموعات التشادية بركب السلام لتحقيق تطلعات الشعب.
وجاء في كلمة رئيس الدبلوماسية القطرية: "إن دولة قطر لم تتردد لحظة في قبول الوساطة واستضافة المفاوضات بين الأطراف التشادية، لأنها تدرك أن السبيل الوحيد هو الحوار البنّاء من خلال طاولة المفاوضات وتحقيق تسوية سياسية شاملة بين جميع أطياف شعب جمهورية تشاد".
وثمّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمة مسجلة، وساطة دولة قطر في التوصل إلى اتفاق الدوحة للسلام في تشاد.
من جانبه، اعتبر موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، أن الاتفاق يكرس مكانة الدوحة، مدينة السلام، وهنأ قطر على دورها في تحقيق السلام بدولة تشاد.
وصرح الدكتور محمد الخليفي، مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية، أن اتفاقية الدوحة للسلام تساهم في بناء رؤية مشتركة لمستقبل مشرق لجمهورية التشاد. كما أن تحقيق المصالحة الوطنية التشادية يعد دعامة أساسية لإرساء الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
مسار السلام انطلق من قطر
وتصافحت في العاصمة القطرية الدوحة، الأطراف الموقعة على الاتفاق وهي التي كانت على خلاف مع بعضها، في مؤشر قوي على رغبة الجميع بالمضي قدماً نحو تجاوز الخلافات.
وكان رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي، قال إن الحوار خطوة أولى نحو التخطيط لانتخابات طال انتظارها.
تشاد تقلبات وأزمات
أعلن الجيش التشادي في 20 أبريل/نيسان من العام الماضي مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي (68 عاماً) متأثرا بجراح أصيب بها خلال تفقد قواته في الشمال، حيث يشن مسلحون هجوماً لإسقاط نظامه الحاكم منذ 1990.
وتوفي ديبي بعد ساعات من إعلان فوزه رسمياً بولاية سادسة في انتخابات رئاسية أجريت في 11 أبريل/ نيسان الماضي.
وعقب وفاته، تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجله محمد (37 عاما)، لقيادة البلاد لمدة 18 شهرا تعقبها انتخابات.
ونصّب ديبي رئيسا للمجلس العسكري في نيسان/ أبريل 2021، بعيد إعلان مقتل والده على الجبهة في مواجهات مع المتمردين، بعدما حكم تشاد بقبضة حديد لأكثر من 30 عاما.
ووضع جدولاً زمنياً مدّته 18 شهرا لتنظيم انتخابات وطنية.
وكانت محادثات الدوحة تعرقلت مرة تلو أخرى بينما لم تعقد المعارضة محادثات مباشرة بعد مع ممثلين للحكومة.
وبموجب الاتفاق، يلتزم المجلس العسكري والجماعات المعارضة بوقف شامل لإطلاق النار ومنح ضمانات أمنية لقادة المتمردين الذين يعودون للمحادثات في نجامينا.
وطلبت باريس والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي عدم تمديد مهلة الـ18 شهراً لإجراء الانتخابات، وهي يفترض أن تنتهي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. لكن من الصعب تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية خلال مهلة قصيرة إلى هذا الحد.
وتعد تشاد من بين أفقر دول العالم وتفيد الحكومة بأن المحادثات تهدف لطي صفحة عقود من الاضطرابات وعدم الاستقرار في البلد الذي يعد 16 مليون نسمة.
وإلى جانب إنشائه وزارة للمصالحة الوطنية، عيّن ديبي مستشارا للمصالحة والحوار برئاسة الجمهورية، وأطلق دعوة لجميع الأطراف، بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة للمشاركة في الحوار الوطني.
جهود قطرية لحل الأزمات الدبلوماسية
وكانت الجهود القطرية تبلورت في العقود الماضية في تحقيق السلام في عدد من الدول والمناطق، وساهمت في وضع حد لعدد من النزاعات.
وتبرز في الفترة الأخيرة الجهود القطرية في حل النزاع الأفغاني، واستضافتها لجلسات الحوار بين مختلف الأطراف. وبوساطة قطرية انطلقت في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، مفاوضات سلام تاريخية في الدوحة، بين الحكومة الأفغانية وحركة “طالبان”، بدعم من الولايات المتحدة؛ لإنهاء 42 عاماً من النزاعات المسلحة بأفغانستان.
وقبلها أدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن و”طالبان”، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي، أواخر فبراير/ شباط 2020، لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.
كما أن الدوحة تقدم الآن مساعدتها في حل الأزمة في ليبيا، التي استمرت منذ عام 2011. ويمكن أن تكون الدوحة المفاوض الأساسي لهذه الأزمة الممتدة من العالم العربي إلى إفريقيا.
وتعمل الدوحة على دعم العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً للقانون الدولي، على أمل أن تحافظ على وحدة أراضي ليبيا وتمنع انهيار الدولة.
كما تعزز الدوحة مكانتها الدولية، ومن بين إنجازاتها ما يتعلق بنجاحها في الوساطة الدبلوماسية في مفاوضات فلسطين الداخلية وجهود وقف إطلاق النار والتهدئة الأخيرة في قطاع غزة.
وتجدد العلاقات التي عادت إلى قنواتها الطبيعية بين الصومال وكينيا، تأكيد نجاح سياسة قطر الخارجية في ترسية سفن السلام والصلح في موانئ الدول المتخاصمة.
وكانت قطر تدخلت لإنهاء خصومة البلدين الإفريقيين مؤخراً، لتعلن الصومال وكينيا، الخميس 6 مايو/ أيار 2021، عودة العلاقات بينهما، بعد انقطاعها منذ نحو 5 أشهر، إثر اتهام مقديشو لنيروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية.