الداخل المحتل/PNN- يعتبر جنرال إسرائيلي في الاحتياط أن زعيم “حزب الله” حسن نصر الله يتطرف في مواقفه، ويتحدى أكثر فأكثر، ويدعو إسرائيل لتذكيره بـ ثمن أي “خطأ” يرتكبه، وذلك في إشارة للهجمات الإسرائيلية القاسية على الأراضي اللبنانية في حرب لبنان الثانية عام 2006.
ويقول الجنرال في الاحتياط الباحث عاموس يادلين- الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، ولمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب سابقاً، إن نصر الله يثبت أن لكل قوة ردع نهاية أو تاريخاً محدداً للصلاحية. معتبرا أنه يتعين على إسرائيل الخوف من حكم خاطئ من شأنه أن يقود لنزاع لا أحد يريد بلوغه.
في مقال نشره موقع القناة العبرية 12، يقول يادلين إن أيلول/سبتمبر، هو تاريخ بدء الحفريات في حقل كاريش قبالة سواحل حيفا وصور في البحر المتوسط، وفي سياقه، حدّد الأمين العام لـ “حزب الله” الموعد: إما انتهاء المفاوضات، بحسب شروطه، وإما ضرب البنى الإسرائيلية للطاقة. في مقاله يتساءل يادلين هل من الواضح لنصر الله أن جدول المواعيد قد تغير؟ وأن إسرائيل منشغلة بالانتخابات والاتفاق النووي الذي يتم العمل عليه مع إيران، وأن عليه أن ينتظر، بصبر، على الشجرة التي صعد إليها؟ أو سيزيد في حدة تهديداته، أو يقرّر تنفيذها ويخاطر بتصعيد غير مسيطَر عليه؟
منذ ثلاثة أشهر، يهدد نصر الله إسرائيل قبيل بدء استخراج الغاز المتوقع من حقل كاريش، ويحذر بأنه جاهز للمخاطرة بحرب، في حال بدأت إسرائيل باستخراج الغاز قبل أن ينال لبنان حقوقه ويحصل على مطالبه الكاملة في المفاوضات على الحدود البحرية. منوهاً بأن نصر الله يهدد بأنه في حالة كهذه، لن يكتفي بضرب كاريش، بل سيمنع استخراج الغاز “من كل الحقول في فلسطين”.
يتساءل يادلين: هل من الواضح لنصر الله أن جدول المواعيد قد تغير؟ وأن إسرائيل منشغلة بالانتخابات والاتفاق النووي، وأن عليه أن ينتظر، بصبر، على الشجرة التي صعد إليها؟
ويقول إن اللهجة التي يتحدث فيها نصر الله غير مسبوقة، من حيث وتيرة التصريحات وحدّتها، على الأقل منذ حرب لبنان الثانية، ويبدو أنها تتطرف أكثر. ويضيف: “بعد أسابيع قليلة من بدء هذه اللهجة، فإنه دعمها بالأعمال: في حدثين منفصلين، أطلق “حزب الله” أربع مسيّرات غير مسلحة في اتجاه المياه الاقتصادية الإسرائيلية، تحمّل المسؤولية علناً، وهدد بعمليات إضافية.
ويعتبر يادلين أن الطريقة العدوانية التي يتبناها نصر الله، والثقة بالنفس التي يبثّها، جزء من اتجاه يتعزز في الأعوام الأخيرة، وفي إطاره، يضع نصر الله إسرائيل أمام معادلات جديدة، وفي أغلب الأحيان، لديه الجهوزية لاستعمال القوة بهدف تثبيتها:
لا لطائرات من دون طيار في سماء لبنان؛ لا لضرب سلاح الجو في الأراضي اللبنانية كردٍّ على قذائف فلسطينية إلى الجليل؛ لا لقتل رجاله في الضربات الإسرائيلية في سورية، لا لاستخراج الغاز من المياه الاقتصادية السيادية لإسرائيل.
كما يقول يادلين إن “حزب الله” لا يتردد ميدانياً في تعزيز وجوده العسكري العلني في الجنوب اللبناني، وخرق قرار مجلس الأمن 1701، وخلق احتكاك دائم بإسرائيل على طول “الخط الأزرق”. هذا بالإضافة إلى أنه أقام على الحدود أكثر من 20 نقطة مراقبة وجمع معلومات بصورة “جمعية بيئية”، وفي الأغلب، يديرها ناشطو وحدة النخبة “الرضوان”. كما أن “حزب الله” يقوم بتدريبات على إطلاق النار في الجنوب اللبناني خلال النهار وفي ضوء الشمس، ويبادر إلى تظاهرات واستفزازات للجنود على الجدار، ويحاول إلحاق الضرر بهم، ويعزز اعتداءاته على جولات قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، التي من المفترض أن تحفظ الحدود وترسل التقارير عن استفزازات الحزب. ويرجح يادلين أن ثقة نصر الله بقدراته على المضي حتى النهاية، والمخاطرة بتصعيد مع إسرائيل دفعت إسرائيل للامتناع عن الرد على إطلاق حزب الله مسيّرات، واكتفت بإسقاطها.
كما يشير إلى أن إسرائيل تستمر في المفاوضات على الحدود البحرية، في ظل تهديدات الحزب باستعمال القوة ضدها، في حال لم تعجبه مواقفها خلال المفاوضات. وبذلك، تبدو متلهفة لإنهاء المفاوضات، بهدف إلغاء احتمال الحرب، إذ تبدو في الخلفية تسريبات ورسائل تفيد بأنها جاهزة لتقديم تنازلات كريمة في المفاوضات. ويتابع: ” في الوقت الذي يتحدث نصر الله عن احتمال الحرب، يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن “أيام معركة”، بدلاً من تحذيره من أن السير على الحافة من الممكن أن ينتهي بالسقوط إلى الهاوية، وبحرب واسعة لم يرَ لها مثيلاً، كما حدث في سنة 2006. إسرائيل لا توضح بالشكل اللازم استراتيجيا، في ما يخص موقفها وخطواتها، لوضع المفاوضات وبدء استخراج الغاز.
يعتبر يادلين أن الطريقة العدوانية التي يتبناها نصر الله، والثقة بالنفس التي يبثّها، جزء من اتجاه يتعزز في الأعوام الأخيرة، وفي إطاره، يضع نصر الله إسرائيل أمام معادلات جديدة، وفي أغلب الأحيان، لديه الجهوزية لاستعمال القوة بهدف تثبيتها.
ويقول إنه من الممكن أن ينتهي هذا الوضع ما بين “حزب الله” وإسرائيل باشتباك قوي جداً، حتى ولو كان الطرفان لا يريدانه، إذ يقدّر كل طرف أن الآخر غير معنيّ بحرب، وهو ما يُنتج وضعاً تكون الحسابات فيه مغلوطة، فيقوم أحدهما بخطوة أكبر من قدرة المنافس على الاحتواء. ويحذر أن نصر الله انجرّ وراء تصريحاته، وسيكون من الصعب عليه فهم تصميم حكومات إسرائيل أمام التهديدات الأمنية، كما أن هامش المناورة قليل لدى الحكومات الانتقالية في مقابل التحديات والاستفزازات قبيل الانتخابات.
ويخلص للقول إنه من أجل تقليل خطر تصرُّف خاطئ من طرف حزب الله، على إسرائيل أن توضح للحزب والجماهير في إسرائيل ولبنان أنها: لن ترتدع عن الضخ من كاريش في الموعد المحدد، ومن دون علاقة بالمفاوضات، ويتابع: “من المهم التوضيح أن الضخ يحدث في المنطقة الإسرائيلية، بحسب المواقف اللبنانية في المفاوضات. يجب إقرار الموعد المحدّث للبدء، والوقوف عليه. إسرائيل لن تخوض مفاوضات تحت التهديد، ومن المؤكد أنها لن تخوضها “تحت النار”، وضرب حزب الله لمواقع إسرائيلية سيؤدي إلى وقف المحادثات”.
ويرى أن الردّ على أي عدوان من طرف “حزب الله” سيكون قاسياً وغير متوقّع، كما أن مضيّه حتى النهاية سيكون رهاناً غير مسؤول على مصير لبنان والطائفة الشيعية. معتبرا أن تبادُل إطلاق النار، من الممكن أن يتحول بسهولة إلى حرب شاملة، ولا يجب الاكتفاء بـ “أيام معركة”.
يرجح يادلين أن ثقة نصر الله بقدراته على المضي حتى النهاية، والمخاطرة بتصعيد مع إسرائيل دفعت إسرائيل للامتناع عن الرد على إطلاق حزب الله مسيّرات، واكتفت بإسقاطها.
ويضيف: “ما دام حزب الله مستمراً في تهديداته ويطبّقها، على سكان البلدات والقرى في الجنوب اللبناني الحذر والابتعاد عن البنى العسكرية التابعة له، والتي أُنشئت في مناطق مدنية”.
ويرجح يادلين ألا تنتهي المفاوضات على الحدود البحرية قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، معللاً ذلك بالقول إنه على الرغم من الرسائل المتفائلة للمبعوث الأمريكي (الذي خرج في آب/أغسطس إلى إجازة خاصة)، فإن احتمالات استكمال المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، والتي تُدار منذ عامين، لا تزال منخفضة. وهذا بسبب الخلاف السياسي، ومن الممكن أيضاً بسبب الخلاف القانوني بشأن صلاحية حكومة انتقالية لتوقيع اتفاق حدود، من دون مصادقة الكنيست بأغلبية نسبية.
وعلى المستوى العملاني، يقول إن احتواءً إسرائيلياً إضافياً فقط، سيغذّي ثقة نصر الله بنفسه ويضع إسرائيل أمام تحدٍّ متزايد، ولذا يقول إنه في هذه الظروف، من المهم التحضير لعمليات تزعزع ثقة نصر الله بقدرته على توقُّع القرارات الإسرائيلية والخطوات.
ويختتم يادلين بالقول: “في نهاية الأمر، الوضوح الاستراتيجي من جهة، وزعزعة شعور القوة لدى نصر الله من جهة ثانية، من الممكن أن يدفعاه إلى التنازل عن المسار التصعيدي الذي انتهجه. هذا المسار يمكن أن يؤدي إلى حرب وخراب غير مسبوق في لبنان، الموجود أصلاً على حافة الهاوية، سياسياً واقتصادياً”.