بقلم: د. رأفت حمدونة
الكاتب والأديب عيسى قراقع ، يتمتع بقوة التعبير والاحساس الجميل والراقي التجربة العميقة والامساك بقوة المفردات واستخدام الكثير من الصور البلاغية والأدوات الفنية وتميز الكاتب بالمصداقية العالية والرسالة الواضحة .
الأديب والكاتب قراقع كتب ما كتب عن لحظات قاسية وأيام صعبة مليئة بالقسوة من لحظة الاعتقال والتحقيق والتعذيب النفسى والجسدى هو وعائلته، ودفع أثمان كبيرة من أجمل سنى عمره ، واستمر فى عطاءه لهذه القضية السياسية والانسانية والأخلاقية والوطنية والقومية والدينية داخل الاعتقال كقائد اعتقالى وخرج كقائد وطنى ، واستمر بكل ما أوتى من امكانيات وقدرات لحتى اللحظة وهو يحمل تلك الرسالة وينتمى لهذه الشريحة على كل الصعد ، فكانت رسالته الماجستير فى العام 2000 برسالة عنوانها (لأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بعد أوسلو 1993-1999 م) ، وكتاب“امرأة الساعة السادسة والثلاثين”، شمل مجموعة مؤثرة من الحكايات والشهادات والقصص تحكي معاناة الشعب الفلسطينى ، ويعد الكتاب وثيقة أرخت التجربة الفلسطينية منذ بدايات الاحتلال حتى العام 2018 ، وكتاب الدهيشى 2021 ، الذي تخطى خلاله فكرة الزمان والمكان إلى الرحب الواسع من تاريخ الشعب الفلسطينى مختزلة بمخيم الدهيشة مبيناً معاناة المظلومين والمكلومين والمناضلين والأسرى وذويهم والشهداء وأبناءهم وعوائلهم ، كتاب جسد خلاله قصة فلسطين من البداية حتى النهاية ، حتى النصر والحرية .
وكتاب "ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال الإسرائيلي" ، والذى جمع بين النثر والشعر والمقال والقصة القصيرة ، وشكل لوحة من لوحات العز والفخار والشرف للحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة والشعب الفلسطيني بالعموم .
تحدث خلال الكتاب عن "معجزة" النطف المهربة ، كثورة انسانية ، وخطوة ابداعية للحركة الأسيرة لم يسبق لها مثيل فى كل حركات التحرر العالمية ، وتعد وسيلة نضالية جديدة للأسرى بحثاً عن الحياة والأمل والحرية، وهي خطوة للتغلب على قيود السجّان، وكسرت شوكة أحكامه المؤبدة، فإنجاب الأطفال حق مشروع لكل إنسان على وجه الأرض، والأسرى انتزعوا هذا الحق رغم أنف الاحتلال مسارعةً لقطار الحياة بالأمل والإرادة في معركة البقاء والوجود.
ويصف الكاتب هذه التجربة " تمثل إنجازاً كبيراً وتحدياً للظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون الفلسطينيون، فإنجاب الأطفال عن طريق التخصيب أقوى رسالة حياة على جوهر الأسرى الذين يتطلعون إلى المستقبل والحرية، ووصف ظاهرة النطف المهربة بثورة التحدي الإنساني، واختراقاً لكل أشكال العزل والظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها الأسرى بالسجون، ورسالة حياة عميقة للعالم تقول: " بأننا نحب الحياة ولا نريد سوى أن نعيش كبشر لنا أطفال وبيت وعائلة، وهذا هو هدفنا الإنساني والوطني والنضالي، وأضاف: أن الأسير اثبت أنه إنسان له الحق في الحياة والحرية، رداً على كل أشكال التعسف الإسرائيلية التي تسعى إلى تجريده من إنسانيته وتشويه صورته، حيث يرى الأسير في طفله القادم نبض حياة متجددة في الوقت الذي تقوم به إسرائيل بقتل واعتقال الأطفال الفلسطينيين، وهي رسالة أخلاقية من الأسرى بامتياز ".
ومن النتائج الإيجابية لظاهرة تهريب النطف أنها سلطت الضوء على القضايا الإنسانية للأسرى بشكل كبير في العالم، وأظهرت العنصرية التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون القابعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
إن ظاهرة سفراء الحرية التى برزها الكاتب قراقع ، حملت رسائل عدة للعالم، رسالة مطالبة لتجريم سياسات الاحتلال التي تتعامل مع آبائهم بكل تلك الوحشية من الأحكام الردعية الخيالية، واعتقالهم في ظروف غير آدمية وغير إنسانية، وعلى العنصرية وسياسة التمييز في السجون ما بين اليهودي والفلسطيني في كافة التعاملات والحقوق والممارسة، وأن الاحتلال يحرم آباءهم من حقوقهم الأساسية وعلى رأسها حق الإنجاب والتعليم والعلاج والتواصل مع الأهل عبر الزيارات المنتظمة، وإنهاء العزل الانفرادي والأحكام الإدارية بدون لائحة اتهام وبملفات سرية، ويحملوا ملف الأسرى بكل مكوناته وانتهاكات الاحتلال بحقهم للمؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والعربية والدولية.
وتناول الكتاب قضايا مهمة أخرى أهمها مواجهة الحركة الأسيرة للعراقيل والعقبات التي وضعها السجان لتحطيم معنوياتهم وللحيلولة دون تطوير إمكانياتهم وقدراتهم، وأبدعوا في إيجاد المؤسسات الديمقراطية ، والابداع فى تجربة الإضرابات المفتوحة عن الطعام والتي وصلت لمئات الأيام، وأبدع الأسرى حينما أوجدوا معادلة توازنٍ بينهم وبين إدارة مصلحة السجون، رغم الإمكانيات الأخيرة مقابل افتقار الأولى من الإمكانيات المادية، وأبدعوا في أشكال التواصل والاتصال بين السجون وخارجها، وفي تجارب التعليم وحصولهم على الدراسات العليا من جامعاتٍ إسرائيلية وعربية ودولية، وأبدعوا في البناء الثقافي، وفي التأثير السياسي، وصياغتهم لوثيقة الأسرى التي تحولت لوثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني لتحقيق الوحدة الوطنية، وأبدعوا في إدخال الهواتف النقالة لداخل السجون لتوفير الاتصال بالأهل في ظل منع الزيارات لسنواتٍ طويلة.
كتاب "ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال" للكاتب قراقع قدم تفسيراً حول إنجازات الأسرى التي أثرت ايجاباً على مجمل حياة الحركة الأسيرة الفلسطينية، بل على مجمل الحياة النضالية الفلسطينية تأثرًا بتجاربهم، لأن السجون والمعتقلات كانت ولا زالت مدرسةً وطنيةً وتربويةً ودائرة من دوائر العمل النضالي الإبداعي فصاغت وبلورت طلائع الأسرى والمعتقلين، الذين كان لهم عظيم التأثير في بلورة الوعي النضالي والديمقراطي في المجتمع الفلسطيني ، وكان لآلاف الأسرى المحررين دورهم في هذا الاتجاه، بعد أن تخرجوا من أكاديمية السجون وتصدروا المواقع والمراكز المتنوعة، وتبوؤوا مواقع سياسية وأماكن مهمة في المؤسسات المجتمعية المختلفة ولعبوا ولا زالوا دوراً مؤثراً في الحياة السياسية، والفكرية، والاجتماعية، والإعلامية، كقادة سياسيين وعسكريين، ووزراء ونواب وأمناء عامّين وأعضاء مكاتب سياسية لفصائل وحركات ثورية، وأعضاء فى المجلسين " الوطني والتشريعي"، ومدراء لمؤسسات رسمية وأهلية، وخبراء ومفكرين، ونخب أكاديمية وإدارية.