بقلم: سمير عباهرة
تأتي زيارة وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن للمنطقة في اطار التواصل الامريكي مع قطبي
الصراع حيث جاءت هذه الزيارة بعد سلسلة طويلة من الاعتداءات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني
ومؤسساته ومقدساته واستمرار حلقات التصعيد بشكل ممنهج بهدف كبح طموحات الفلسطينيين في
الاستقلال وبهدف تحييد الجانب الفلسطيني وإبعاده لأنه يشكل الطرف الرئيسي والمركزي في معادلة
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولذلك تحاول اسرائيل القفز عن هذه المعادلة وإعادتها الى مربعها الاول
الى ما قبل البدء بعملية التسوية بحكم ان اسرائيل تمتلك كل وسائل القوة لفرض سيطرتها لكن
المرتكزات التي قامت عليها عملية التسوية هي الامن مقابل السلام وهذا وضع الفلسطينيين على نفس
المسافة في معادلة الصراع بل وعلى مسافة اكبر حيث جاء اعتراف الولايات المتحدة وقادة اسرائيل
بان امن اسرائيل لن يتحقق الا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم وقناعة الولايات المتحدة بأن اسرائيل
هي من اكثر الاطراف حاجة للسلام ومن هنا جاء طرح حل الدولتين من قبل الولايات المتحدة مع
استجابة اسرائيلية.
زيارة بلينكن جاءت في حالة تصعيد اسرائيلي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني وكان الوضع ينذر
بالانفجار حيث طالب بالتهدئة ووقف التصعيد وأكد على حل الدولتين باعتباره "السبيل الوحيد" لحل
النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين واعتباره الطريقة الوحيدة التي ستمنح الإسرائيليين والفلسطينيين
الأمل بالتمتع بـ "إجراءات متساوية من الأمن والسلام والكرامة " وان أي شيء يبعد عن حل الدولتين
يضر بأمن إسرائيل على المدى الطويل وان مخاطر ضياع فرص السلام لن تنعكس على الفلسطينيين
وحدهم بل ستترك تداعياتها على اسرائيل في الوقت الذي اكد فيه الرئيس الامريكي جو بايدن بإعلانه "
سنعيد العلاقات مع الشعب الفلسطيني وزعمائه".
التحرك الامريكي العاجل جاء لملء الفراغ بعد ان فصلت الولايات المتحدة نفسها عن الصراع
الفلسطيني الاسرائيلي منذ وصول الرئيس بايدن الى الحكم وجاء التحرك الامريكي لإعادة البصمة
الامريكية على عملية الصراع بل يأتي تأكيدا على اهمية العنصر الفلسطيني في مكامن الصراع مع
استعداد الولايات المتحدة لتقديم المساعدات كأجراء لتخفيف ردود الفعل الفلسطينية وهذه رسالة يجب
ان يفهما من راهن على ان التطبيع العربي مع اسرائيل سيدفع بالقضية الفلسطينية الى هامش الاجندة
الدولية والإقليمية لكن يجب الاشارة ايضا ان الاهتمام الامريكي والتحركات الاخيرة تأتي ايضا في اطار
الحفاظ على أمن اسرائيل ومصالحها.
من جهتها تحاول اسرائيل ثني الولايات المتحدة عن مواقفها الداعية الى حل الدولتين بل تستعد لطرح
مشاريع اخرى لحل الصراع بعيدا عن أي دور فلسطيني بمعنى فرض سياسة الامر الواقع فإسرائيل
تعمل دائما على ابقاء المنطقة في حالة صراع حتى تقطع الطريق على اي مقترحات تتعلق بالتسوية
فاستمرار الحرب كما تخطط اسرائيل له يعني استمرار الجهود لوقف تدحرجها بعيدا عن اجواء السلام.
هذه المعطيات تدعونا للتساؤل ... ما هو الموقف الامريكي من رفض نتنياهو لحل الدولتين هل تسلم
الولايات المتحدة بذلك اما انها ستقوم بممارسة الضغوط على اسرائيل فإذا كانت الولايات المتحدة لا
زالت متمسكة بحل الدولتين فيجب ان يكون هناك توازنا في الموقف الامريكي ويجب البدء بإجراءات
التنفيذ وتحديد خطوات عملية على الارض فلا يمكن ان يبقى حل الدولتين يدور طويلا في اطار
التصريحات والمواقف وان يبقى اسير التداول في وسائل الاعلام بل يجب ممارسة الضغوط على إسرائيل للالتزام بمواقف الاسرة الدولية والمجتمع الدولي الراغب في انهاء الصراع ولتذكير بلينكن
بأن الولايات المتحدة قد قطعت على نفسها عهدا بحل الصراع في اطار حل الدولتين.
وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى ان الاهتمام الامريكي بتحريك عملية السلام مرتبط بالأحداث
الدولية فالقضية الفلسطينية ومسألة الصراع باتت مرتبطة بالتطورات الدولية وخاضعة للتوازنات
الدولة وحالات الاستقطاب حيث فرضت الحرب الروسية الاوكرانية واقعا جديدا في العلاقات الدولية
وأحدثت تحولا في طبيعة وصيغة التحالفات فالولايات المتحدة التي تتربع على عرش السياسة الدولية
والتي تعتبر طرفا غير مباشر في الحرب الدائرة في شرقي اوروبا تواجه تحديات جديدة في حفظ
التوازنات حيث ان نتائج هذه الحرب ستفضي الى عالم جديد وتحالفات وأقطاب جديدة وبات هذا يقلق
صانعي القرار في الولايات المتحدة وللحفاظ على دورها الدولي كان لا بد لها من التدخل لدفع عملية
التسوية ولو لأمتار قليلة فالولايات المتحدة تعمل على تغيير التحالفات الدولية في نوعيتها وطبيعتها
ولا بد ان يكون الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي يعتبر احد الازمات الدولية الذي ترك تداعياته على
الواقع الدولي وبالتالي فان تسوية الصراع بحاجة الى قوة دولية تفرض على اطراف الصراع واعني
فرض حل الدولتين وإجبار اسرائيل على القبول بذلك.