بقلم: سمير عباهرة
شهدت المنطقة العربية حدثا سياسيا هاما خلال الايام الماضية سيكون له تداعياته على المنطقة وتمثل
في التقارب الحاصل بين المملكة العربية السعودية وإيران من خلال التفاهمات التي تمت بينهما
وساهمت في تقلص الفجوات وردم نقاط الخلاف وصولا الى تطبيع كامل للعلاقات في الاسابيع القادمة
وإنهاء سنوات طويلة من القطيعة بين البلدين بعد ان استجابت ايران بصيغة توافقية في عدد من
الملفات وفي مقدمتها انهاء الحرب اليمنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتفعيل الاتفاقيات السابقة
وربما يفضي هذا التوافق الى تعاون سياسي امني اقتصادي.
التقارب السعودي الايراني احدث تحولات جوهرية في المنطقة سيكون لها امتدادات وانعكاسات على
طبيعة التحالفات الدولية وإعادة بناء التوازنات وتكمن اهمية الموضوع انه تم برعاية صينية بخلاف
العادة في مثل هذه الامور فغالبا ما كانت تتم من خلال الولايات المتحدة والتي كانت تترك بصماتها على
معظم الاحداث في المنطقة بحكم العلاقة التي تربط المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة وهذا
يعطي مؤشرات كثيرة على التغير في المعادلة الاقليمية وعلى طبيعة التكتلات والأحلاف بحكم ان الصين
تمثل احدى القوى العظمى دوليا وليست على وفاق مع الولايات المتحدة وهناك خلافا في الكثير من
الملفات بينهما وقد وصف هنري كيسنجر هذه الخطوة بأنها تمثل نقلة نوعية في المنطقة ونقلة نوعية
للنفوذ الاستراتيجي الصيني وهذا ينذر بصياغة معادلة دولية جديدة لها دلالاتها السياسية بعودة المارد
الصيني للعب دورا محوريا في التوازنات الدولية وشريكا رئيسيا في رسم المشهد الشرق اوسطي
الجديد ومن المؤكد انه سيكون بداية التغير في موازين القوى الدولية ومستقبل النظام العالمي مع
التوقعات بانضمام بعض القوى الاقليمية وتشكل تحالف شرق اوسطي جديد.
هذا التقارب سيفرض معطيات جديدة حيث ان الاستدارة السعودية الايرانية التي احدثت هذا التقارب
اثارت جدلا واسعا في الاوساط الغربية وأربكت حسابات كل من واشنطن وإسرائيل بحكم العلاقة
المفتوحة بين واشنطن ودول الخليج العربي وتحديدا مع المملكة السعودية من ناحية وهبوط ايران على
المدرج الروسي وموقفها الداعم لروسيا في حربها ضد اوكرانيا المدعومة من حلف الناتو من ناحية
اخرى وهذا بالتأكيد سيعمل على خلط الاوراق في المنطقة ويشكل بداية لإضعاف الدور الامريكي وينذر
بتراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
اما فيما يتعلق بإسرائيل فقد عملت وطوال السنوات الماضية على ابقاء نقاط التوتر قائمة بين دول
الخليج وإيران وعملت على تسخين الاجواء بين السعودية وإيران وان ايران لها اطماع في الخليج
وتشكل التهديد والخطر الاكبر على امن الخليج حتى لا يحدث أي نوع من التقارب بين دول الخليج
وايران وربما نجحت اسرائيل في بعض اهدافها واستطاعت الدخول الى منطقة الخليج والتطبيع مع
بعض البلدان العربية تحت نظرية الاحباط والعدوان مقدمة نفسها بأنها ستشكل الدرع الامني الحامي
للخليج من الخطر الايراني فقد عملت اسرائيل على استثمار علاقتها الجديدة في محيط الخليج من اجل
استمرار الخلافات بين المنظومة العربية وإيران ورفع وتيرة التصعيد بينهما حتى تبقى متمسكة بهذه
الورقة وكان هدف اسرائيل الرئيسي من خلال سياستها هذه هو اسقاط القضية الفلسطينية في الاجندة
العربية لكن المعادلة اختلفت الان مع التقارب السعودي الايراني وأعادت اسرائيل الى مربعها الاول لكن
اسرائيل ستبقى تعمل على خلق بؤر التوتر في المنطقة لضرب هذا التقارب.
ايا كانت تداعيات هذا الحدث والمواقف فان المملكة العربية السعودية عادت للعب دور محوري في
المنطقة والذي سيشهد حالة اصطفاف خليجي وراء الموقف السعودي سيكون له تداعيات على المنطقة
بأسرها ومقدمة لاستفاقة عربية حيث تبدو السعودية الأكثر تفاؤلاً وارتياحاً للتطورات الأخيرة على هذا
الصعيد حتى أن المواكبة السياسية والإعلامية السعودية أخذت طابعاً يوحي بالنجاح في طي صفحة
التراشق والتنابذ بين الدولتين.
السياسة لا تعرف ولا مطرح فيها للمبادئ ولا للصداقات الدائمة والثابت في السياسة هي المصالح
الدائمة ولولا أن طهران كادت تواجه أشد أطواق العزلة والحصار الدولي وخاصة بعد تصاعد الضغوط
الغربية عليها بعد تقرير الهيئة الدولة للطاقة النووية الذي يشير إلى تنامي الرغبة في تحجيم الأنشطة
النووية لإيران لما تشكله من خطورة استراتيجية على الدولة العبرية لافتاً إلى أن إسرائيل والغرب
يدركون جيداً حجم القدرات العسكرية لطهران ومدى تهديدها الحقيقي لتل أبيب وربما يكون هذا
التقارب قد خدم الاجندة الايرانية في ابعاد التهديد الاسرائيلي في ضرب ايران.