بقلم: د. أسامه الفرا
إعتبر كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بمثابة نصر للحوار والسلام، وأضاف بأن الصين ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم بمسؤولية بصفتها دولة كبرى، نجاح جهود الصين في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بعد قطيعة إستمرت منذ عام ٢٠١٦ له دلالاته التي تتعدى بكثير ما تضمنته الإتفاقية، ولا شك أن ثبات وتقدم الإتفاق يعتمد بالمقام الأول على سلوك إيران وتخليها عن فلسفة تصدير الثورة الإسلامية التي تبنتها منذ أن أطاحت ثورة الخميني بشاه إيران، وإن أرادت إيران أن يكون لها دور في إعادة صياغة المنطقة على النحو الذي تتحقق فيه مصالح الجميع عليها أن تتخلى بشكل كلي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
الاتفاق وإن بدا بمثابة الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل سيما وأن أزمة الثقة بالنظام الإيراني لها ما يبررها، إلا أن الإتفاق على الأقل نزع فتيل التوتر بين الدولتين الـذي تصاعد في السنوات الأخيرة، ويؤسس لبيئة حاضنة لعلاقة طبيعية بين إيران والدول العربية وبخاصة دول الخليج عوضاً عن التوتر القائم بينهم، ولن تكون مصر بعيدة عن هذا المسار إن صدقت النوايا الإيرانية، الاتفاق وإن جاء تحت عنوان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا أن نتائجه يمكن لها أن تنعكس على العديد من الدول العربية، بدءاً من الحرب في اليمن والذي بمقدور الاتفاق أن يطفيء نارها المشتعلة منذ سنوات، مروراً بلبنان المترنح سياسياً وإقتصادياً وعجزه عن التوافق حول رئيس الدولة، ويمكن للتوافق بين الدولتين أن يمهد الطريق لحل توافقي يخرج سوريا من متاهة الإقتتال الداخلي، كما يمكن له أن يساعد في إستقرار العراق والدفع بعجلة التنمية والإعمار، والقضية الفلسطينية التي تضررت كثيراً من جراء توتر العلاقة بين ايران والدول العربية ستكون ضمن المستفيدين من عودة العلاقات إلى طبيعتها.
إتفاقية عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية صينية التي حظيت بترحيب عربي ستخضع للإختبار قبل أن تؤتي بثمارها على المنطقة، ونجاحها سيعتمد على سلوك إيران وبخاصة ما يتعلق بوقف تدخلها وأطماعها في الدول العربية، لكن المؤكد أن الإتفاقية فتحت صفحة جديدة غير تلك التي إعتدنا عليها حيث الموقف العربي رهن الإرادة الأمريكية، وإن كانت أمريكا ما زالت تحتفظ بقوتها العسكرية والإقتصادية التي تجعلها في طليعة دول العالم إلا أنها لم تعد شرطي العالم الوحيد الذي يأمر فيطاع، والدول العربية أيقنت بالتجربة أنها ليست الحليف الذي يمكن الإعتماد عليه، سيما بعد أن تكشف لها دور أمريكا في صناعة الربيع العربي وما فعلته للإطاحة بأنظمة عربية تسير في فلكها، وأن جهودها لخلق حلف عربي إسرائيلي في مواجهة الأطماع والنفوذ الإيراني في المنطقة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخدم أمن وإستقرار الدول العربية، بقدر ما يخدم أولاً وأخيراً إسرائيل ويعزز من نفوذها في المنطقة، ولن تجني الدول العربية منه إلا ما يجنيه من يحتمي من الدلف بالمزراب.
الصين برعايتها الحصرية للإتفاقية تريد أن تبرهن لدول المنطقة والعالم بأنها قوة سلام وأنها وسيط نزيه يمكن الإعتماد عليه، على خلاف أمريكا التي برعت في إشعال الحرائق ولم تتصرف يوماً كوسيط نزيه في الصراعات المختلفة، الصين التي يوشك إقتصادها على الإطاحة بمكانة أمريكا صاحبة أكبر إقتصاد في العالم تعي جيداً أن عجلة إقتصادها تعتمد على بترول الشرق الأوسط، وبالتالي مصلحتها تكمن في نزع فتيل التوتر والصراع في الشرق الأوسط لآن أي توتر فيه من شأنه آن يؤدي إلى رفع سعر البترول والذي بدوره يلقي بآثاره
السلبية على عجلة إقتصادها، على عكس الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بشكل كبير على خلق بؤر التوتر والصراع والحرب في أماكن شتى من العالم والتي عادة ما تدفع الدول العربية كلفتها، الدول باتت تحكمها مصالحها الاقتصادية أكثر من أي شيء آخر، والمؤكد أن النفود الأمريكي في المنطقة تآكل بشكل واضح بفعل سياستها في المنطقة القائمة على إبتزاز حلفائها من خلال إشعال الحرائق ورفع منسوب التوتر فيها، ويمكن لنا رصد مؤشرات الإخفاق الذي منيت به السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة بالتالي: أولاً فشل الربيع العربي الـذي جرى بصناعة أمريكية خالصة وما ألحقه من دمار بمقدرات دول عربية كانت تسير في فلكها، وثانياً طي صفحة الخلاف بين الدول العربية وقطر وعودة العلاقات إلى طبيعتها، وثالثاً فشل أمريكا في إجبار الدول العربية على رفع إنتاجها النفطي، ورابعاً التغيير المطرد في علاقة الدول العربية بالملف السوري وآخر معالمه زيارة الرئيس السوري لدولة الأمارات المتحدة، وخامساً الإنفراج الكبير في العلاقات المصرية التركية وتتويج ذلك بزيارة وزير خارجية تركيا إلى مصر، وسادساً تراجع حدة التوتر بين دول الخليج وإيران وما تحمله إتفاقية عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران من دلالات، وسابعاً فشل الإدارة الأمريكية في خلق تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، الواضح أن القادم في المنطقة لن يكون كما تمنته وسعت إليه أمريكا وربيبتها إسرائيل، وليس من قبيل الصدفة أن تفتح المنطقة أبواباً للصين في الوقت الذي تغلق فيه أبواباً أخرى في وجه أمريكا، فهل تنجح الصين في تسويق منتجها بإعتبارها وسيط نزيه وقوة سلام يمكن الإعتماد عليها؟.