الشريط الاخباري

ما بين العقبة وشرم الشيخ بقلم: سمير عباهرة

نشر بتاريخ: 26-03-2023 | PNN كُتّاب , أفكار
News Main Image

بقلم: سمير عباهرة

 

دخل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي منعطفات حادة مع تزايد حملات القمع الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وما يرافقها من قتل واعتقال وتشريع للاستيطان وما نتج عن ذلك من تدهور للأوضاع حتى وصلت الامور الى النقطة التي يتحرج على المجتمع الدولي ادانة السياسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وتحديدا من قبل الولايات المتحدة بوصفها الراعي الرسمي لعملية السلام والتي كانت تقدمت بضمانات للفلسطينيين بتسوية للصراع وحصول الفلسطينيين على حقوقهم إلا انها لم تفي بالتزاماتها. وعلى ما يبدو ومن خلال قراءة المشهد اننا ذاهبون الى صراع ماراتوني بعد ان تعمقت واتسعت الفجوات بين اطراف الصراع نتيجة السياسة الاسرائيلية المتهورة وما طرأ عليها من مستجدات قلبت كافة موازين الصراع وبدا من الصعب في ظل انغلاق كافة الافاق والأبواب بوجود بصيص امل في التوصل الى تفاهمات لكبح جماح الغطرسة الاسرائيلية في ظل غياب الكثير من العوامل المحلية والإقليمية والدولية بمعنى غياب وسائل الضغط الاقليمية والدولية على اسرائيل نتيجة التغيرات في المعادلة الدولية والتحولات الجارية والتي اصبح من الصعب الحكم عليها وعلى اتجاهاتها فكانت قمة العقبة ومن ثم شرم الشيخ لمحاولة الحد من التدهور الحاصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور الولايات المتحدة والأشقاء العرب من مصر والأردن فلا قمة العقبة حسمت الجدل الدائر ولا قمة شرم الشيخ استكملت ما تبقى من نقاط خلاف واكتفى الحضور بتحديد قمة ثالثة والعودة مجددا الى العقبة. المتتبع للأمور جيدا يدرك ان اسرائيل استفحلت في تجاوزها لكل القوانين والأعراف الدولية لأنها لا ولم تطلها العقوبات الدولية التي عادة تفرض على غيرها عندما يتم اختراق نظم القوانين الدولية ولنا في العقوبات المفروضة على روسيا مثالا واضحا على ازدواجية المعايير وسياسة المصالح التي تحكم والتي تنذر بانهيار المنظومة السياسية الدولية ودوائرها.

العنوان الابرز لقمة العقبة كان وقف الاجراءات الاسرائيلية احادية الجانب وتحديدا وقف الاستيطان الاسرائيلي ووقف الاقتحامات الاسرائيلية للمناطق الفلسطينية ووقف عمليات القتل والتنكيل وارتكاب المجازر الا ان اسرائيل ارادت تغيير المسار والعمل فقط على احتواء التصعيد فاسرائيل تحاول دائما استثمار الوقت لصالحها والوفد الاسرائيلي ذهب الى هناك مسلحا بأجندة الرفض لكل المطالب الفلسطينية دون تحريك ساكنا من الجانب الامريكي (الحاضر الغائب) الذي كان من المفترض ان يكون حكما ولو بنسب متفاوتة لكنه ترك الوفد الاسرائيلي يصول ويجول في فرض املاءاته وشروطه متناسيا ان هناك اتفاقيات ملزمة لإسرائيل موقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية وبشهادة امريكية فعندما تتنصل اسرائيل وتعلن تحللها من هذه الاتفاقيات عمليا فكان على الجانب الامريكي حينها التحرك لكبح جماح اسرائيل وبدا واضحا ان الاختلال في موازين القوى اوصل الامور الى طريق مسدود وابقى الباب مفتوحا على استمرار التصعيد في المواقف وتصعيد الصراع الذي افقدته اسرائيل الكثير من مرتكزاته فالأهداف الاسرائيلية واحدة سواء كانت في العقبة او في شرم الشيخ وفي كل زمان ومكان اسرائيل تحاول تجزئة محددات الصراع والتعامل معه بشكل جزئي وليس بشكل شمولي بما يتقاطع مع
مصالحها فهي لا تريد طرح موضوع الاستيطان على طاولة البحث الذي دفع بحالة الصراع الى الهاوية.

وهكذا يتضح انه وبعد مرور ما يزيد على الثلاثة عقود على اطلاق الحوار الفلسطيني الاسرائيلي في مؤتمر مدريد للسلام فان الطموحات الفلسطينية باتت تتقلص بالتوازي مع التواطؤ والصمت الدولي مع تنامي الاطماع وآلة البطش الاسرائيلية وسط تغاض دولي من النظام العالمي الذي يقف مكتوف الايدي امام الجرائم الاسرائيلية بحق ابناء الشعب الفلسطيني مع صعود التيار المتطرف في اسرائيل والذي تمثله الحكومة الاسرائيلية الحالية والتي تعبر عن العقيدة الثابتة لإسرائيل فحقائق الماضي وشواهد الحاضر وربما استشراف المستقبل كلها تؤكد على ان الاحتلال جاثم على الارض الفلسطينية بجيشه ومستوطنيه. ان استمرار تشدد وتعنت الموقف الاسرائيلي يفسر على ان اسرائيل ليست راغبة بالسلام بمفهومه السياسي فهي تريد سلاماً يحقق لها أقصى مطالبها ويحقق لها الأمن والاحتفاظ بالمستوطنات وبالقدس عاصمة أبدية بينما يكفي الفلسطينيين كانتونات قزميه محرومة من أسباب القوة من خلال فرض سياسة الأمر الواقع حتى انها تعاملت منذ البداية مع اتفاق أوسلو باعتباره مدخلاً لتقويض المشروع الوطني الفلسطيني اضافة انه كان على منظمة التحرير الفلسطينية حتى تكون مقبولة سياسياً أن تشطب المشروع الوطني الفلسطيني وأن تنهج نهجاً سلمياً وتتحول من خطاب التسوية كمرحلة ومناورة إلى التسوية كخيار إستراتيجي وأن تجعل من قرارات الشرعية الدولية سقفاً لها ولمطالبها الأمر الذي تطلّب دفع ثمناً باهظاً بعد الدخول في مسلسل التسوية ومع ذلك لم يؤدي قبول المنظمة لقرارات الشرعية الدولية إلى تطبيق إسرائيل لتلك القرارات بل ازدادت إسرائيل تصلباً لأن التنازل
الفلسطيني جاء في مرحلة تراجع النضال الفلسطيني وفي مرحلة تراجع الحماس العربي للقضية وفي
مرحلة دخول الشرعية الدولية منعطفاً جديداً في النظام الدولي الجديد.

إن مفهوم السلام عند الفلسطينيين وعند الإسرائيليين مفهومان متعارضان ومختلفان لا يمكن أن يصلا
إلى اتفاق واحد فمفهوم السلام عند الفلسطينيين يقوم على أساس السلام العادل الذي يعطي كل شعب
من الشعوب حقوقه الوطنية،وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بينما يقوم مفهوم
السلام الاسرائيلي على إنكار حقوق الغير واستمرار الاستيطان والاحتلال.

شارك هذا الخبر!