بقلم: جهاد حرب
يعود النقاش من جديد، في ردهات النخب الفلسطينية وعلى هامش المؤتمرات التي تتعرض للقضايا السياسية ومستقبل النظام السياسي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حول مفهوم المشروع الوطني وطبيعته؛ وإذا ما فصّلَ العقد الاجتماعي الفلسطيني، المتمثل بـوثيقة إعلان الاستقلال، المشروع الوطني الفلسطيني.
تم تصميم هذا المشروع من أجل الوصول إلى إقامة الدولة الديمقراطية “كدرة التاج"؛ حيث يقضي بإنهاء الاحتلال وبجلائه وانسحابه من الأراضي المحتلة عام 1967، الأمر الذي يحقق للفلسطينيين قدرتهم على ممارسة حق تقرير المصير دون تأثير من أيّ طرفٍ خارجي على خياراتهم لشكل العلاقة مع الآخرين وشكلُ استقلالهم، ويترافق ذلك مع ممارسة حق العودة للفلسطينيين الذي قد يأخذ وقتاً وهو مرتبط طريقة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبطبيعة الجلاء وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي وطريقته.
بُنيَّ مفهوم الدولة المتخيلة في وثيقة اعلان الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بدورته التاسعة عشر عام 1988 على مسألتين جوهريتين؛ الأولى: تتعلق بالسيادة المُعبرة عن إرادة المواطنين الحرة حيث غَلَبَ على تاريخهم سيطرة سلطات خارجية غير معبرة عن إرادة الشعب العربي الفلسطيني، والثانية: غياب نظام حكم ديمقراطي يقوم على سيادة القانون والعدالة الاجتماعية الأمر الذي حرمهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية داخل الدولة بشكل متساوٍ؛ لذا وضع الفكر السياسي الفلسطيني المُعبر عنه في وثيقة اعلان الاستقلال مسألة الدولة والتشديد عليها "إنّ دولة فلسطين....." لحسم أيَّ جدلٍ لمسألة التبعية لأيّ نظام أو مؤثر غير فلسطيني بغض النظر عن إمكانية التحالف أو العمل المشترك كالاتحاد الكونفدرالي مع دول أخرى.
إنَّ أيَّ نقاش جديد حول الغاية من النضال الفلسطيني أو طبيعة المشروع الوطني، وهو بكل تأكيد غير محرمٍ أو ممنوع، يتطلب وجود مؤسسة شرعية معبرة عن إرادة المواطنين وباختيارهم الحر. كما أنَّ النظر في البرامج السياسية للفصائل الفلسطينية المركزية حركتي فتح وحماس اللتان تحظيان بالشعبية الأوسع والتأييد الأكبر؛ فإن مفهوم الدولة يأخذ الحيز المركزي في فكرهما باعتبارها درة التاج أو هي الخلاص العظيم، ناهيك عن الطبيعة السلطوية لديهما، وذلك بغض النظر عن طرائق الوصول إلى هذا الخلاص عبر الكفاح المسلح أو المقاومة الشعبية أو المفاوضات أو الخلاف على استراتيجية النضال الوطني وليس الهدف الوطني، ناهيك عن إقرار عالمي بخيار حل الدولتين وبخاصة لدى القوى الدولية المؤثرة فيه.
أما الاقتصار على ممارسة حق تقرير المصير، وفقا لما جاء في قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة رقم 1514 المتعلق بإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والذي نص على أنْ "لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أنّ تحدد بحرية مركزها السياسي"، لا يعني بالضرورة الانفصال والوصول إلى السيادة، بل يمكن القبول أو التحول إلى حكم ذاتي والارتباط بالاستعمار ذاته. إنَّ إعادة نقاش الهدف الوطني أو طبيعة المشروع الوطني يدخلنا اليوم في دوامة النقاش السفسطائي.