بقلم: مروان اميل طوباسي
بعد سلسلة من التسريبات الاعلامية وتضارب التصريحات من مختلف الجهات حول موضوع التطبيع ، حسم ولي العهد السعودي وبعض المسوؤلين الامريكيين أمر عدم فشل مباحثات اتفاق التطبيع وعدم توقفها ، كما ان عدد من وزراء حكومة الاحتلال إشاروا إلى ان الاتفاق سيخرج إلى التوقيع قبل نهاية العام الحالي ، الأمر الذي ايده البيت الأبيض ، رغم اعتقادي بأن ذلك سيواجه مطبات وعقبات متعددة إسرائيلية وامريكية في ان واحد.
لكن هنالك اسباب عدة تجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لاتمام هذا الاتفاق الذي تريد له النجاح بغض النظر مما سيؤدي على مستوى قضيتنا الوطنية . أولها بأنها تدرك مخاطر دخول الصين كما وروسيا بقوة إلى الإقليم منذ أن حضر الرئيس الصيني لقاء مجموعة دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن ، وما تبعه من توقيع اتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية ولاحقا توقيع عدد من اتفاقات الشراكة الاستراتيجية مع عدد من الأقطار العربية .
وثاني هذه الاسباب هي حرص الإدارة الأمريكية على تحقيق إنجاز سياسي يعوض تراجع شعبية الرئيس بايدن واحتمال خسارة الحزب الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية القادمة.
وثالث تلك الاسباب هو حرص الإدارة الأمريكية على إنقاذ دولة الأحتلال مما أصابها من تراجع على مستوى العلاقات الدولية بعد وصول الحكومة الحالية الفاشية التوراتية إلى قيادة النظام العنصري الاستعماري فيها ، وما تبعها من تصاعد الأزمة البنيوية الخانقة فيها والتي تهدد كيان دولة الاحتلال واستقرارها في خدمة الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
ورابعاً ، الدفع باتجاه التراجع عن تفاصيل الاتفاق السعودي الايراني الذي رعته الصين ومن أجل تأمين استمرار الدور الأمريكي.
في كل الاسباب السالفة يجري العمل على توافق المصالح المشتركة أو إيجاد مصالح مشتركة تتحقق من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ابتدا الحديث عنه عام قبل عقدين من الزمن ، لدمج إسرائيل بالواقع الجيوسياسي بالمنطقة على أن تبقى متفوقة عسكريا وتكنولوجيا ، وإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد وفق رؤية استراتيجية السياسة الخارجية الامريكية ، بعد أن اصبحت بعض ظروف المنطقة مناسبة لذلك بعد الخريف العربي ، وذلك من باب محاولات مواجهة المتغيرات الدولية الجارية لانهاء الهيمنة الامريكية التي تسعى الاولايات المتحدة للابقاء عليها.
السعوديون من جهتهم يؤكدون استمرار الالتزام بنصوص المبادرة العربية للسلام التي قدمت من جانبهم إلى القمة العربية في بيروت وتم اعتمادها كاساس لاتفاقيات السلام مع دولة الاحتلال.
لكن خلال العشرين عاما الماضية حصلت متغيرات جذرية بالواقع السياسي العربي بل والدولي ايضا.
لقد خدمت تلك المتغيرات حتى الان الرؤية الصهيونية في تدمير واقع الدولة الوطنية العربية ، كما والإصرار على يهودية الدولة وتوسعة الاستيطان والتهويد والتمييز العنصري . كل ذلك تمدد دون أي عقاب أو محاسبة رغم ما يشكله من انتهاكات للقانون الدولي وما عبرت عنه القرارات الدولية التي طالب وتحدى قبل أيام الأخ الرئيس أبو مازن بتطبيق قرار واحد منها بحق دولة الأحتلال.
لقد اتاح المجتمع الدولي لإسرائيل منذ "تأسيسها" على حساب حقوقنا السياسية القومية ، بأن تستمر كدولة فوق القانون "دولة مارقة" تمارس كل أشكال الجرائم والاستعمار الاحتلالي إلى الابرتهايد الذي باتت توصف به.
المتابع اليوم لعدد من تصريحات وزراء حكومة الاحتلال ، كما ولكلمة نتنياهو أمام مقاعد اغلبها فارغة بالجمعية العامة يوم أمس يدرك تماما منحى استعصاء تغير جوهر الفكر الصهيوني والتمسح بخزعبلات التوراة كخريطة طريق لهم للهيمنة الإقليمية وتنفيذ مشروع الدولة اليهودية وفق الخريطة التي اشار لها نتنياهو في كلمته أمس التي استنبطها من ما جاء بمعتقداتهم التوراتية.
أن الحركة الصهيونية العالمية اليوم تريد من شعبنا الفلسطيني الإقرار بروايتهم المزعومة فقط من أجل السماح لنا بالتواجد كسكان من الدرجة المتدنية في ما يسمونه "يهودا والسامرة" وفق رؤية يهوشع بن نون وخليفتة سموتريتش. كما يريدون لشعبنا بالداخل القبول بسياسات التمييز بحقهم وفق قانون القومية اليهودي وفك ارتباطهم بقضايا شعبنا وبمنظمة التحرير.
هم يريدون منا الاستسلام لتلك الرؤية والتنكر لوقائع التاريخ ولحقوقنا الوطنية التاريخية وكفاح شعبنا من أجل حريته وحقه بانهاء الاحتلال وتقرير المصير وفق كافة القرارات الاممية التي بقيت حبرا على ورق في زمن النظام احادي القطب والهيمنة المناهضة لحقوق الشعوب .
أن مواجهة ذلك لا يتطلب فقط الاطمئنان للموقف السعودي في المباحثات الجارية حول تمسكها ببنود المبادرة العربية وتاريخها منذ مؤسسها الأول ومتغيرات رؤية القيادة الجديدة فيها التي تحاول اتقان لعبة التوازن الدولي بعلاقاتها.
على السعودية أن تعلن ذلك بوضوح لا يقبل التأويل أو الاجتهاد ، بأن ذلك هو المعيار الأساس وعلى رأسه إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين للوصول إلى اتفاق التطبيع الذي ترغب هي منه تحقيق مصالحها بالمنطقة وتطوير دورها الإقليمي.
ففي ظل ما يجري لم تخرج تصريحات رسمية علنية من الوفد الفلسطيني في مباحثاته مع الأشقاء بالسعودية رغم ما تم تسريبه من سلسلة المطالب الفلسطينية المتواضعة التي عارضت الولايات المتحدة أجزاء منها ، كما والتي لم تلبي ما جاء في رسالة الأخ الرئيس أبو مازن الواضحة بخصوص ذلك عندما أكد في كلمته أمام الجمعية العامة امس انه "واهم من يظن أن السلام يتحقق في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية ودون حصول شعبنا على كامل حقوقه " ، مما أكد شمولية الموقف الفلسطيني امام محاولات اجتزاء الموقف الثابت تحت اثر الضغوطات ألامريكية.
ان قضيّتنا لا تُحل إلا بتكثيف النضال بأن يصبح الأحتلال مكلفاً وموجعاً للمحتلّ . بالتأكيد توجد معيقات لذلك، ولكن المطلوب وضع كل الطاقات والإصرار على ذلك من خلال كل أشكال المقاومة السياسية والدبلوماسية والشعبية التي اقرتها مؤسساتنا الوطنية كما والقوانين الدولية لأي شعب يرزح تحت نير الاحتلال ، وهو ما فعلته الشعوب والمقاومة الوطنية بأوروبا لدحر الوحش النازي ، وما تمسكت به كل حركات التحرر الوطني لدى الشعوب التي كانت خاضعة للاستعمار ، رغم تباين الظروف . كما ويتطلب الأمر توسيع قواعد التضامن الدولي مع الشعوب والقوى المناصرة وتأسيس ملتقيات تضامن وتحالفات لتجريم انكار جريمة النكبة وفق . وضرورة استنهاض القدرات وكل مكامن القوة لدى شعبنا على أساس مواجهة تنفيذ المشروع الصهيوني التوراتي على الأرض ، وتوسيع المشاركة الشعبية كمصدر للسلطات وتنفيذ استحقاقات الحياة الديمقراطية التي اشار لها الأخ الرئيس في كلمته حول الانتخابات العامة بما فيها العاصمة القُدس . كما وتعزيز دور "فتح" كعمود فقري لحركتنا الوطنية الفلسطينية مع ما يجري من التحضير للمؤتمر الحركي الثامن كي تنسجم هي مع مضمون أسمها وتعريفها بعيدا عن الاستثناءات ومحاصصة المخرجات الانتخابية وصراع المواقع ، كي تستطيع ان تاخذ مكانتها الطليعية الى جانب كافة القوى الأخرى والمؤسسات الأهلية والشعبية في كل مواقع فلسطين التاريخية والشتات لاستكمال مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي.
ولذلك فأن اي اتفاقيات تطبيع لا تصل بشعبنا إلى حقوقه الوطنية كاملة ، لن يُكتب لها تحقيق السلام الثابت بالمنطقة وفق ما جرى بكل الاتفاقيات السابقة التي لم تعكس نفسها على الشعوب ، بل ولم تستفيد منها الدول العربية الموقعة أمام اطماع دولة الأحتلال والرؤية الأمريكية ولم تحقق السلام والاستقرار بالمنطقة . ولذلك فانها ستساهم فقط في خدمة المشروع الأمريكي القديم حول الشرق الأوسط الجديد وممارسة مزيدا من الفوضى المنظمة التي تفسر تداعيات مظاهر الانقلاب وما يجري بمخيماتنا والضغط الغربي من اجل تقويض دور منظمة التحرير وانحسارها في واقعنا الفلسطيني والدولي ، أذا لم يتم تدارك ذلك .
أن الأيام القادمة حبلى بالمتغيرات الدولية المتسارعة التي قد تأتي بتحولات في موازين القوى والظروف الموضوعية لتساهم لاحقا في تهيئة أرضية اتفاق شامل ينهي الأحتلال اولاً والصراع من خلال مؤتمر دولي ، حَمّل الأخ الرئيس مسوؤلية انعقاده للأسرة الدولية وللأمين العام جوتريس ، ولحين ذلك اتخاذ ما يلزم من خطوات لإعلان فلسطين دولة تحت الأحتلال على حدود ٤ حزيران ٦٧ بما فيها القدس ، وهو ما يشكل الضمانة بعدم الولوج إلى اتفاقيات مؤقتة جديدة تعترضها معيقات كثيرة تتعلق بتناقض الرغبات ووقائع المجتمع الاسرائيلي كما والامريكي تعيد فقط استنساخ اتفاقيات مؤقته اخرى اوصلتنا إلى ما وصلنا له هذه الأيام ، نُلدغ فيها ومن نفس الجحر مرة تلو المرة.