بقلم: سمير عباهرة
الحديث الدائر في الاوساط السياسية والإعلامية حول التطبيع السعودي الاسرائيلي بات يشغل الرأي العام العالمي والعربي والمحلي مع طرح تساؤلات كثيرة حول حقيقة هذا التطبيع وشكله وتبعاته وأبعاده والمرتكزات التي يقوم عليها ويشير بعض المحللين والمتابعين ان هناك مؤشرات باتت واضحة بعد مقابلة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مع شبكة فوكس نيوز الامريكية رغم انه لم ينفي ولم يؤكد هذا الحدث الا انه اشار الى ان البلدين يقتربان من التطبيع وتساءل فيما اذا كانت حكومة نتنياهو مستعدة او قادرة على دفع ثمن التطبيع مع السعوديين وأوضح موقف السعودية عندما اشار الى ان القضية الفلسطينية مهمة للغاية وانه يتوقع شيئا من اسرائيل مقابل التطبيع.
هذه هي بعض المرتكزات التي بدت واضحة بحكم انه تم الكشف عنها في مقابلة الامير السعودي محمد بن سلمان لكن هناك ابعادا اخرى وتدخل في دائرة العمق الاستراتيجي الامريكي والإسرائيلي فالولايات المتحدة وإسرائيل في عجلة لإتمام هذا المشروع وتقديم بعض التنازلات للسعودية لكن ليس في المسائل الاستراتيجية وهذه المؤشرات جميعها تؤكد على ان التطبيع اصبح امرا واقعا.
الولايات المتحدة هي التي تقود عملية التطبيع نيابة عن اسرائيل مع السعوديين ويمكن ان بصار الى مفاوضات مباشرة بين الجانب السعودي والإسرائيلي فيما لو تم احراز بعض التقدم في الملفات المطروحة ومن الواضح جدا ان هناك نقاط لقاء تجمع الاطراف المباشرة في عملية التطبيع وهي لغة المصالح في المقابل هناك ايضا نقاط خلاف واسعة وهي في الجانب الاستراتيجي وتحت مفهوم ما لنا وما علينا. وهناك تداخلات ومعطيات كثيرة ربما ساهمت في تحريك ملف التطبيع السعودي الاسرائيلي وأهمها التغيرات التي طرأت على موازين القوى الدولى وما صاحبها من اختلال في التوازنات الدولية التي فرضتها الحرب الروسية الاوكرانية مع تراجع الهيمنة الامريكية وصعود الصين كقوة دولية والتي استغلت التراجع الامريكي وبدأت ببسط نفوذها في مناطق عدة في العالم مع بروز شكل جديد من التكتلات والتحالفات وسياسة الاصطفاف كل ذلك ترك اثرا كبيرا على السياسة الامريكية ومن هنا اندفعت الولايات المتحدة لترميم العطب الذي اصاب مناطق نفوذها ومن بينها السعودية التي لعبت على ورقة التوازنات الدولية في علاقاتها وفتحت خطوطا مع دول ما يسمى بالمعسكر الشرقي وتحديدا مع الصين وأقامت معها مشاريع كثيرة وأصبح حجم التبادل التجاري ما بين المملكة والصين يفوق حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة وما ازعج امريكيا ايضا الحديث الدائر عن عزم الصين تزويد السعودية بمفاعلات نووية وهذا اثار حفيظة اسرائيل ايضا وجعلها تضع كل اوراقها امام ساسة البيت الابيض للتعجيل في عملية التطبيع وقطع الطريق امام أي علاقة ما بين السعودية والصين في المجال العسكري لكن المملكة السعودية تطمح للعب دور قيادي في المنطقة والوصول بها الى قوة اقليمية من خلال التنوع في علاقاتها سواء كان ذلك مع الولايات المتحدة والمعسكر الغربي او مع المعسكر الشرقي في ظل شبكة العلاقات التي اقامتها مع هذا المعسكر فهي لا تريد ان تبقى سياستها اسيرة للرغبات المواقف الامريكية بل تريد الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كافة الاطراف والانفتاح على العالم كله لكن المملكة ادركت ان الصعود الى المنصات السياسية الدولية مرتبط بتبريد الاجواء الاقليمية الساخنة وإزالة كافة المعيقات التي تقف امام الرغبات السعودية ومن هنا انطلقت فكرة التطبيع السعودي الاسرائيلي برعاية امريكية حيث ان الولايات المتحدة هي صاحبة المشروع.
السعودية تمتلك الكثير من اوراق القوة بما يؤهلها لفرض شروطها في عملية التطبيع رغم انها تواجه الولايات المتحدة اولا بحكم انها من تقود عملية التطبيع بالوكالة عن اسرائيل وهي التي تقود عملية التفاوض وهي اقرب لفرض الشروط الاسرائيلية لكن لولايات المتحدة ايضا لا تريد للسعودية الابتعاد عنها والارتماء في احضان المعسكر الشرقي فيما لو اتخذت الولايات المتحدة موقفا متشددا في عملية التطبيع لصالح اسرائيل اولا وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ثانيا. لكن اذا ارادت المملكة العربية السعودية ان تلعب دورا دوليا بوصفها قوة اقليمية فان ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بعامل الاستقرار في المنطقة حيث ان بقاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية قائما سيبقى المنطقة في حالة من عدم الاستقرار وبات المطلوب من الاشقاء السعوديين الدخول في عمق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفرض موقفا قويا على اسرائيل والولايات المتحدة ويكون سقف الموقف السعودي هو تحقيق ما جاء بمبادرة السلام العربية في حصول الفلسطينيين على حقوقهم.
السعودية لن تنساق وراء الاوهام الاسرائيلية والذي يحاول الاعلام الاسرائيلي تسويقها والترويج لها بان الثمن الذي يمكن ان تقدمه اسرائيل هو في مجال الجانب الاقتصادي فقط للفلسطينيين وهنا لنا عودة لتصريحات ولي العهد السعودي الذي كان واضحا عندما اشار الى ان الحكومة الاسرائيلية ليست مستعدة او قادرة على دفع ثمن التطبيع مع السعودية مضيفا ان القضية الفلسطينية مهمة للغاية ونلمس في حديث بن سلمان اصرار السعودية على عدم تقديم تنازلات استراتيجية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
المستفيد الاكبر من عملية التطبيع هي اسرائيل بحكم ان هذا التطبيع من وجهة النظر الاسرائيلية يمكن ان يفرض واقعا جديدا في المنطقة العربية يسهم في التخلي عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ويشكل اختراقا لإحدى الساحات العربية والتي كانت عصية على التطبيع معها كما ان اسرائيل تنظر الى عملية التطبيع بانها ستساهم قي اخراج اسرائيل من ازمتها الداخلية التي تعصف بها. ثمة امر مهم جدا من الجدير ذكره وهي ان عملية التطبيع ستعمل على انتعاش اقتصادي كبير جدا لإسرائيل وهو مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا والذي يمر من الاراضي السعودية مرورا بالموانئ الاسرائيلية الى اوروبا ويبقى التشدد الاسرائيلي هو سيد الموقف دائما في كل خطوة يقوم بها الاسرائيليون في مفاوضتهم اسرائيل دائما ما تحاول تحقيق الثمن في كل خطوة سياسية تقوم بها وفي المقابل حرمان الطرف الاخر من اية انجازات وهذه سياسة متبعة لدى الاسرائيليين عبر مر الزمان.
الموقف الامريكي لم يتغير من الصراع وبقيت نفس العبارات التي سمعناها طيلة العقود الماضية وان الرؤيا الامريكية لعملية التطبيع هي التي تحسم الموقف وان الجانبين السعودي والإسرائيلي سيلتزمان بها فالموقف الامريكي يركز على حالة الاستقرار في المنطقة وتعزيز السلطة الفلسطينية وتقديم تسهيلات اقتصادية ومنع الامور من التدهور والإبقاء على افق سياسي لحل الدولتين دون احداث اختراق في هذا الموضوع اما سقف الموقف الاسرائيلي فهو يتعلق فقط في المسائل الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني وتجاوز ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الفلسطيني من خلال الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين وترك قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
جانبا هذا التطبيع لن يغير شيئا في معادلة الصراع وستبقى المنطقة في حالة من عدم استقرار فقد شهدت المنطقة العربية حالات مماثلة من التطبيع مع بعض الاقطار العربية الا ان ذلك لم يحدث أي تغيير على لواقع السياسي للمنطقة فإذا كانت دول المنطقة تعي حقيقة ذلك وهي جزء من هذه المعادلة فلماذا اذا الاقدام على هذه الخطوات التي ستبقي المنطقة في حالة اضطراب دائم وهذه الحقيقة يجب ان يدركها ساسة البيت الابيض.