بقلم: سمير عباهرة
الديمقراطية والدكتاتورية مفهومان متناقضان فطالما تغنى بها العالم الغربي بالديمقراطية وإطلاق الحريات العامة وضمان حقوق الانسان واحترام القانون في حين وسمت دول العالم الثالث بالدكتاتورية التي تقوم على القمع بحسب مفاهيم الغرب لنجد ان انقلابا حدث على كافة تلك المفاهيم التي اطلقها الغرب بهدف استمرار هيمنته على الدول النامية والضعيفة.
الديمقراطية التوافقية وحقوق الانسان والحريات العامة والمشاركة السياسية وحقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير والحقوق المدنية والسياسية والعدل والمساواة والمبادئ والقيم والاندماج والتكامل الاجتماعي وسيادة القانون كلها مفاهيم تأتي في اطار مفاهيم الديمقراطية ولطالما تغنى بها العالم الغربي بأنها تأتي في صلب ثقافة الحضارة الغربية ونظمها السياسية والكثير من المفاهيم الاخرى التي تتسم مع مفاهيم الديمقراطية ولكنها كانت مجرد شعارات براقة تختبئ خلفها مصالح الدول الكبرى لتبقى تفرض سيطرتها على العالم من خلال هذه الشعارات التي اسقطتها الحكومات الغربية من قواميسها في الكثير من الحالات حتى ان الديمقراطية التوافقية عجزت ان تكون وصفة صحيحة لحل ازمة الثقة والاندماج والتكامل الاجتماعي في المجتمعات الغربية وعملت على اذابة مفهوم المعارضة السياسية التي تسهم بشكل كبير في تصحيح سياسة الحكومات وجرى تحويل المفهوم الديمقراطي وقولبته حسب مصالح الدول الكبرى حامية حمى الديمقراطية وحقوق الانسان لكنه يتم تجزئته ووضعه على المشرحة بمعايير الازدواجية في التعامل مع الكثير من الاحداث حتى اصبحت ديمقراطية الأغلبية هي إقصاء للأقلية المعارضة وأن التوافقية هي اشتراك الجميع برسم السياسة العامة وان مفهوم العدالة السياسية لا وجود له وهذا الأمر يدل على مصادرة رغبة الجماهير وربطها برغبة الأقلية.
وهكذا يتضح ان ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين هي السمات السائدة في سياسات الغرب فلو اخذنا مقارنة بسيطة بين ما جرى في حقبة الربيع العربي والتي شهدتها بعض العواصم العربية وما شهدته بعض العواصم الاوروبية من احتجاجات على تدخل حكوماتهم في الحرب الروسية الاوكرانية لوجدنا ان هناك تناقضات في المواقف الغربية تجاه هذين الحدثين مع ان الاهداف تتقاطع هنا وهناك تماما فحرية التعبير التي كفلتها قوانين الغرب الديمقراطي تحولت فجأة الى نمط اقصائي ليس للأقليات فحسب بل لمعظم فئات المجتمع التي تتعارض مواقفها مع سياسات الحكومات الغربية لنشير في المحصلة النهائية الى حالات القمع التي قامت بها الحكومات الغربية قي شوارع العواصم الاوروبية في الوقت الذي كان يشار الى ردة الفعل هذه في عواصم الشرق بالدكتاتورية.
مفاهيم الديمقراطية والدكتاتورية كانت في الاصل موجودة في سياسة الغرب ويعمل بها لكنها كانت مغلفة بغلاف ديمقراطي اما وقد انقشعت الغيوم وذاب الجليد وتبينت كافة الحقائق التي كانت مخفية تحت ستار الزمن وعلى ما يبدو ان تحولات جذرية طرأت على حضارة الغرب وأصبح يتنكر لكل هذه المفاهيم بعد ان اتضح انها مفاهيم للتسويق وللحفاظ على قيم الدكتاتورية التي تختفي وراء مصالح الدول الغربية لكنه سقط القناع ليتضح ان مفهوم الديمقراطية لدى الغرب هو تحقيق المصالح ونهب ثروات الشعوب وهكذا اصبحت ديمقراطية الغرب مكشوفة نتيجة الكثير من المعطيات مع استمرار دفاعهم عن هذه المثل حتى خرجت الى العلن من خلال الاحداث الجارية الان في فلسطين.
فقد كشفت الاحداث الجارية في فلسطين عن عمق ازمة الديمقراطية وحقوق الانسان فهناك موازين مختلفة ومتنوعة للتعامل مع الكثير من القضايا الدولية بما يخدم مصالح الغرب وبعيدا عن حقوق الشعوب المقهورة ويأتي في مقدمة ذلك ما يتم التعامل به مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من خلال الحرب التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزه والأراضي الفلسطينية الاخرى وما تقوم به قتل وترويع وتدمير بنيته التحتية وارتكاب الجرائم على مختلف انواعها وتدمير المدارس والمستشفيات على رؤوس ساكنيها في جريمة هزت اركان المعمورة وقطع الماء والكهرباء ومنع امدادات التموين بل ان هناك تخطيطا يجري لعملية ترانسفير اخرى وإفراغ فلسطين من سكانها وكل ذلك يجري تحت غطاء الديمقراطية الغربية وبقي الغرب شاهدأ على جثث الاطفال وأشلاءهم وهي تتطاير جراء القصف الاسرائيلي للتجمعات المدنية دون أي ادانة من بل وصل الحد بهم الى نقل المعركة ضد الشعب الفلسطيني الى مجلس الامن واستخدام الفيتو من قبل الولايات المتحدة ضد ادخال معونات الاغاثة كي لا تصل الى غزه.
وعلى العكس تماما كانت مواقف الدول الغربية في دعم اوكرانيا في حربها مع روسيا بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية تحت حجة ان روسيا تحتل الاراضي الاوكرانية وتمعن في قتل الشعب الاوكراني فإذا كانت هذه مواقف الغرب فماذا يسمى احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية مع توفير الدعم الغربي الكامل لإسرائيل فأين هي ديمقراطيتكم وحقوق الانسان واين هو القانون الدولي الذي تطالبون بتطبيقه في بقعة ما من الارض وترفضون تطبيقه في بقاع اخرى اليست هذه هي الازدواجية.