رام الله/PNN- أصدرت الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، تقريرا تناولت فيه زيادة وتيرة حركة المقاطعة الأكاديمية ضد الاحتلال، والتي تنشط فيها فعاليات وحملات الدبلوماسية الشعبية والأكاديمية، ولا سيما التهديد بالمقاطعة الدولية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بسبب تواطؤها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وذكر التقرير أنه في ضوء جرائم الاحتلال المتواصلة والإبادة الجماعية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فإن ذلك ألقى بظلاله على المكانة والدور الذي يقوم به أكاديميون وباحثون إسرائيليون الذين شعروا بما أسموه "عداء عام تجاه إسرائيل" في أقسام الجامعات الأميركية، وكليات الطب والعلوم الطبيعية، رغم أن مقاطعة إسرائيل كانت مقتصرة سابقا على أقسام وكليات العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويخشى الباحثون الإسرائيليون أن تؤدي مواقف الأوساط الأكاديمية إلى الإضرار بعملهم في الخارج، ومنعهم من التقدم المهني، والإضرار بالبحث الأكاديمي في إسرائيل ونبذ الباحثين الإسرائيليين في العالم الأكاديمي.
ونتيجة المقاطعة الأكاديمية، فقد رفضت جميع الجمعيات العلمية في مجالات بحثية عدة نشر بيان دعم لإسرائيل، أو نشر بيان محايد، بجانب مقاطعة خفية تشمل رفض قبول وتقييم مقالات لباحثين إسرائيليين، ورفض مقترحات لحضور مؤتمرات أو التوقف عن دعوة محاضرين إسرائيليين إلى مؤتمرات في الخارج، وهناك شعور بالعزلة المتزايدة، إلى جانب الانتقادات وانعدام التعاطف تجاه إسرائيل.
اتساع نطاق المقاطعة الأكاديمية
وذكرت الأكاديمية الدولية في تقريرها، أن المقاطعة الأكاديمية العالمية لجامعات إسرائيل تزداد يوما بعد آخر، باعتبار تلك الجامعات جزءا لا يتجزأ من الاستعمار ونظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد أعلن معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا في جامعة التكنولوجيا بأستراليا، إلغاءه عقدا مع شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية "إلبيت"، إضافة إلى أن أربع جامعات نرويجية أنهت في آذار 2024 تعاونها مع جامعات إسرائيلية، وجمدت جامعة أوسلو اتفاقيات للتبادل الطلابي والأكاديمي مع جامعة حيفا الإسرائيلية، وقررت عدم توقيع اتفاقية تعاون مع أي جامعة إسرائيلية مستقبلا، على اعتبار أن الجامعات الإسرائيلية متواطئة في الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ولأنها تلعب دورا أساسيا في تطوير المعرفة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، كما هو الحال عليه بالنسبة لجامعة تل أبيب التي طورت "عقيدة الضاحية"، وتعني استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، فيما يوفر برنامج "تلبيوت" العسكري التابع للجامعة "العبرية"، الفرصة أمام الخريجين في الحصول على شهادات جامعية عليا أثناء خدمتهم بالجيش، وبذلك يستغلون خبراتهم للتقدم في البحث والتطوير العسكري. كما نفذت جامعة التخنيون مخططات وأعمال جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة وتكنولوجيا المراقبة بالتعاون مع شركة الصناعات الدفاعية وجامعة "تخنيون" الإسرائيلية تطور تقنيات الطائرات بدون طيار.
عرائض وبيانات للمقاطعة الاكاديمية
وأشار التقرير إلى أن نحو 939 باحثا وأكاديميا من مجموعة دول الشمال (فنلندا والسويد والنرويج وأيسلندا والدنمارك) أصدروا، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023، بيانا دعا الأكاديميين في أنحاء العالم إلى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي في وجه العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وتجميد التعاون التعليمي والبحثي مع أكاديميات الاحتلال.
ومع تصاعد الدعوات والتحركات لمقاطعة الاحتلال ومؤسساته التعليمية فقد فسخت جامعة "أوسلو متروبوليتان"، وجامعة جنوب شرق النرويج، وجامعة بيرغن، وكلية بيرغن للهندسة المعمارية اتفاقات تعاون مع جامعات إسرائيلية تعتبرها متواطئة في ارتكاب إبادة في غزة.
وقد بررت جامعة بيرغن وقف تعاونها مع أكاديمية "بتسلئيل" للفنون والتصميم بإنشاء هذه الأكاديمية ورشة عمل في الحرم الجامعي لتصميم وخياطة الزي الرسمي للجنود الإسرائيليين وعتادهم.
وقد تنامت الدعوات الأكاديمية في الدول الاسكندنافية بعدما اتخذت محكمة العدل الدولية موقفا اعتبرت أنه "من المحتمل ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية".
وتناولت الأكاديمية الدولية في تقريرها اتساع نطاق حراك الأكاديميين على المستوى الدولي عبر المطالبات والعرائض، وذكرت أنه في 7 فبراير/ شباط 2024، وقع نحو 1200 من الطلاب وأساتذة الجامعات في النرويج على عريضة دعت مؤسسات التعليم الوطنية إلى مقاطعة أكاديميات الاحتلال الإسرائيلي، للاعتقاد أن الجامعات الإسرائيلية متواطئة مع نظام الاستعمار والفصل العنصري، وكانت الأكاديمية النرويجية في جامعة "أوسلو متروبوليتان" البروفيسوره هيغي هيرمانسن قادت مع نحو 110 من زملائها وزميلاتها في مجتمع الأكاديميات النرويجي حملة لجعل مقاطعة دولة الاحتلال شاملة.
وأضاف تقرير الأكاديمية الدولية أنه في 12\3\2024 اتّخذت إدارة الجامعة العبريّة قرارا عنصريا وتعسفيا بتعليق تدريس بروفيسور نادرة شلهوب - كيفوركيان في قسمي علوم الجريمة والعمل الاجتماعي في الجامعة، وذلك على خلفيّة توقيعها عريضة في تشرين الأوّل /أكتوبر 2023، تدين الحرب على قطاع غزّة وتطالب بوقفها، وبتوفير الحماية للأطفال وحفظ حقوقهم، وذلك إلى جانب أكثر من 2000 عالم وباحث وطالب أكاديميّ من مختلف أنحاء العالم.
وفي اعقاب ذلك القرار، فقد وقع 391 أستاذا وأكاديميا مرموقا في أهم الجامعات ومراكز البحث العلمي في العالم على بيان تم نشره في 22\3\2024 يعلن مقاطعة الجامعة العبرية في القدس بسبب تقييد الحريات الأكاديمية والتواطؤ مع نظام الفصل العنصري الصهيوني.
وكان 100 أكاديمي أوروبي قد وقعوا في 12\3\2024على عريضة أدانوا فيها تدمير قوات الاحتلال المنهجي للنظام التعليمي وإبادة التعليم في غزة، والاستهداف المستمر للأكاديميين والمؤسسات التعليمية ومواقع التراث الثقافي في القطاع، والاستهداف الممنهج من قوات الاحتلال الإسرائيلية للأعيان المدنية، كما دعا الأكاديميون مؤسسات التعليم العالي والعلماء والأكاديميين في جميع أنحاء العالم إلى رفع أصواتهم ضد التدمير المتعمد والواسع للممتلكات الثقافية والتاريخية الفلسطينية، وإلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة، خاصة تلك التي بنيت على الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
وورد في التقرير أن أكثر من 180 أكاديميا بريطانيا كانوا قد وقعوا على عريضة منفصلة تدين تأثير الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على المؤسسات التعليمية في غزة واستهداف الطلاب والباحثين والأساتذة وأكدوا أنها تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي.
وأشار التقرير لزيادة حجم الضرر الذي لحق بالتعليم العالي والبحث العلمي الإسرائيلي إذ لم تعد المقاطعة فردية من أكاديميين فحسب وإنما تقاطعها أيضا مؤسسات أكاديمية كاملة بالغرب، بينها "جامعة أوسلو ميتروبوليتان" التي أوقفت التبادل الطلابي مع إسرائيل أو جامعة "خنت" البلجيكية التي قررت إحدى لجانها تعليق مشاريع يشارك فيها باحثون إسرائيليون، أو حتى جامعة تورينو الإيطالية التي قرر مجلس إدارتها مقاطعة الجامعات الإسرائيلية عموما.
عنصرية متزايدة وجامعات تقوم بدور "المُخبِر"
واستعرض تقرير الأكاديمية الدولية وجود حملة غير مسبوقة وممنهجة من قبل المؤسسات التعليمية الإسرائيلية ضد الطلاب العرب، حيث وجه نحو 160 استدعاء لطلبة من قبل مختلف الجامعات والكليات والمؤسسات التعليميّة بما فيها جامعة حيفا، بسبب منشورات، طالب الطلاب في معظمها بإيقاف الحرب على غزة، وبعد أربعين يوما من اندلاع الحرب اعتقل نحو 10 طلاب عرب من الجامعات والكليّات، بعد تقديم الجامعة شكوى للشرطة بحقّهم.
إذ أن الطلاب العرب في مختلف المؤسسات التعليمية لا يمتلكون الحق في حرية التعبير عن الرأي، وأنّ "وزارة التعليم الإسرائيليّة ساهمت في هذا الواقع من خلال إصدار تعليمات للتعامل بكلّ حدّة مع الطلّاب العرب، وإعطاء ضوء أخضر للتحريض عليهم بهذا الحجم، وبشرعيّة من وزير التعليم شخصيا يوآف كيش، الّذي يتباهى بعنصريّته وعدائيّته لكلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ.
وأوضح التقرير أن 26 كتلة طلابية من مختلف الجامعات طالبت الاتّحاد الأوروبّيّ عبر رسالة موجهة يوم 29\10\2023، أن "يقوم بمراجعة الاتّفاقيّات الأكاديميّة مع وزارة التربية والتعليم الإسرائيليّة والمؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة المشاركة في هذه الحملة، وعلى كافّة المؤسّسات الأكاديميّة الدوليّة في العالم مراجعة تعاملها مع المؤسّسات الإسرائيليّة المتورّطة في الممارسات العنصريّة. وأن يتأكّد المموّلون من الجهات المانحة أنّ دعمها لا يستخدم لدعم الحملات المناهضة للعرب والتحريض عليهم.
رفض الاحتلال ومعاداة السامية؟
وخلص التقرير إلى أن الصراع والتحدي الأكاديمي تنامى وانعكس بعد أن حظرت جامعة كولومبيا في شهر تشرين الثاني الماضي 2023، منظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" ومنظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، بحجة انتهاكهما لسياسة الجامعة دون منحهما فرصة وحق الرد.
فيما تقوم دولة الاحتلال بتكثيف جهودها في الجامعات الاسكندنافية، بدور مضاد عبر اللوبي الصهيوني المعروف باسم "مراقب الأكاديميا الإسرائيلي" المكلف بتنفيذ حملات لمراقبة وترهيب المستوى التعليمي والأكاديمي في الغرب لإسكات انتقادات الجامعات لدولة الاحتلال والإساءة للشخصيات المرموقة والمجتمع الفلسطيني، بحجة "معاداة السامية"، وفي الولايات المتحدة الأميركية أوقف "كينيث جيرفين" في منتصف آذار 2024 دعمه لجامعة هارفارد والذي وصل نحو 300 مليون دولار وجاء قراره بحجة ان الجامعة لم تتخذ موقف جاد تجاه مظاهر "معاداة السامية" وعدم منعها لتظاهرات طلابية منددة بالإبادة الجماعية والعدوان على الشعب الفلسطيني وأبعد من ذلك أنه لن يتم توظيف أي طالب وقع على عريضة منددة بالعدوان، وكانت رئيسة الجامعة كلودي جاي قد استقالت من رئاسة الجامعة لأنها دافعت عن سماحها لأنشطة طلابية مؤيدة لفلسطين داخل حرم الجامعة وأتى ذلك في سياق مثولها أمام الكونغرس الأميركي.